التخادُمُ السعوديُّ الأمريكي ضد اليمن.. الأهدافُ والغاياتُ الاستراتيجية..بقلم/ إسحاق المساوى
في تسليط الضوء على أكثر الحقائق حضوراً وتأثيراً في التخادم السعوديّ الأمريكي ضد اليمن، لعله ليس من الجهل البريء أن العرب والمسلمين لم يقدموا الدراسات والأبحاث الكافية لطبيعة وأهداف التحَرّك الأمريكي المدمّـر بالمنطقة الإسلامية والعربية، عدا عن تلك الدراسات القرآنية التي قدمها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-، ودفع حياتَه ثمناً لها بتوجيه أمريكي ومطية سعوديّة اتخذت هي الأُخرى من دولة اليمن المرتهن حينها مطية لشن 6 حروب عسكرية ظالمة، بخلاف الحروب الناعمة التي سبقت الحروب الصُّلبة على صعدة معقل الإلهام التحرّري، ومصدر ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
إن ترسخ صورة ذهنية واضحة في الوعي العربي، والإسلامي بالمقام الأول، بطبيعة الدور الأمريكي يتطلب وضعه في خانة تخادم وجودي، من حَيثُ المنطلقات والأهداف والغايات مع الدور الوظيفي للسعوديّة.
وحتى يمكننا فهم موقع السعوديّة كحليف وثيق لأمريكا يجب أن نعلم أن ذلك مقترن بوجوب فهم موقع يمن المسيرة القرآنية كعدو لأمريكا؛ لأَنَّ الأهداف والغايات الاستراتيجية تعطينا نتيجة (واحدية الدور السعوديّ الأمريكي في اليمن) وبالمنطقة، وهي ذات الغايات والأهداف التي تدفع أمريكا لتسخير قدراتها السياسية والعسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية لاستهداف اليمن، لتعزيز تحالفاتها وبقائها واستمراريتها وتأثيرها على المنطقة والعالم.
إن مبدأ الهيمنة على المنطقة الإسلامية هو جوهر المفهوم الأمريكي، وبدون الهيمنة فَـإنَّ أمريكا يتهدّد وجودها ولن تستطيع البقاء، ولعل المفهوم الرديف لذلك والذي يحمل ذات الغرض وتتحقّق أنشطته الأولى من خلاله هو الوصاية السعوديّة على اليمن.
أطر تحالف السعوديّة الاستراتيجي مع أمريكا يشمل مقتضيات القول والفعل الذي ترجمته واحدية الموقف التنفيذي بالعدوان على اليمن في مارس 2015م، ويشمل تبادل الأدوار الذي تترجمه اليوم مساعي السلام السعوديّة مع اليمن في ظل انطباع عام عن رفض أمريكي مزعوم لمسعى السعوديّة.
يحدث هذا التحالف الشامل بطبيعة أدواره، وتبادلاته في المواقف التي يبدو في ظاهرها التباين، لكنه في حقيقته الكامنة يعكس أعلى مستويات التفاهم، إذ تعمل أمريكا على تجديد الفكر الاستراتيجي والخيارات الاستراتيجية بالنسبة لها باستمرار، وتحديد القواطع المهمة بين سؤالين: متى يجب أن نحارب؟ وكيف يجب أن نحارب؟
قبل أن تدخل السعوديّة خط المواجهة العسكرية المباشرة في إطار الدور الوظيفي المطلوب لخدمة أمريكا، كانت السعوديّة تساهم في تفتيت المنطقة وبث الفشل السياسي والاجتماعي والأخلاقي، واختلاق ثغرات التفكك بين دول المنطقة الإسلامية وداخلها؛ خدمة لاستراتيجية الهيمنة الأمريكية، لكن ارتبكت هذه الحسابات بعد دخول يمن المسيرة القرآنية على خط المواجهة والتصدي للأهداف الأمريكية السعوديّة.
كانت أمريكا والسعوديّة تمهدان وتخططان ليمن منقسم على نفسه من كافة الاتّجاهات الطائفية والمناطقية والعرقية، وكانت الخشية الأكبر مما يملكه اليمن من أهميّة استراتيجية بعمقه الديني والحضاري والجغرافي والاقتصادي والعسكري، الذي استنهضته يمنُ المسيرة القرآنية، وبثت فيه روحَه الأصيلة التي هي قطعاً تخضعُ لحسابات مختلفة ومضادة لمشاريع الأمريكي والسعوديّ.
من خلال ذلك يمكن فهم دوافع العدوان العسكري على اليمن؛ لأَنَّ قادة المسيرة القرآنية أمسكوا باليمن الأصيل حتى لا يتفلت منه ماضٍ وتاريخٌ وجذورٌ، وهو ما جعل المسؤولين السعوديّين يصرخون بأن اليمن مشروع إيراني بينما يرحبون بإسرائيل التي باتت تقيم علاقات تطبيع فاضحة معهم، وهو ما جعل المسؤولين الأمريكيين يظهرون بلا أعصاب وضجر مُستمرّ من موقع يمن المسيرة القرآنية المتقدم جِـدًّا على حسابات الهيمنة وممكنات الإخضاع.
أفشلت يمنُ المسيرة القرآنية المشروع الأمريكي السعوديّ لحظة تدشينه، وحتى لا يفقدوا كُـلّ شيء دفعة واحدة، وتذهب سدى خسارة عقود من الهيمنة والوصاية في اليمن، كان على الإدارة الاستراتيجية للمشروع أن تجترح تكتيكاً آخر يبقي أملاً لاستعادة الهيمنة والوَصاية بدفع السعوديّة للسلام منفردة، خُصُوصاً أن السعوديّة بدأت تواجه خطراً في التكاليف، وانهياراً في نظامها السياسي ووحدتها الجغرافية نتيجة العدوان على اليمن.
وقد أظهرت مقاطع فيديو لتدريبات مشتركة للجيش الأمريكي والإسرائيلي داخل أرض ذات بيئة صحراوية مشابهة لأرض السعوديّة، ومن ضمن اللقطات كان الجنود يقومون باقتحام مبانٍ عليها علم السعوديّة، في إشارةٍ إلى أن من ضمن حسابات هذا التعاون الاستراتيجي هو التدخل العسكري لحماية المصالح في حال انهيار النظام السعوديّ إن لم تكن خطة إنقاذ لحماية النظام السعوديّ نفسه، على أن الأسباب والدوافع ما زالت هي هي لم تتغير مع اختلاف بسيط في ترقية أدائها بشكل نوعي عبر الدعم المتقن، مما يجعل فكرة الحرب لاستعادة الهيمنة الأمريكية راسخة وربما أكثر رسوخاً من ذي قبل، لكن تلك الفكرة تخضع لاشتراطات تنفيذية معقدة، وسؤالين جوهريين: متى يجب أن نحارب؟ وكيف يجب أن نحارب؟
على صعيد السؤال الأول فَـإنَّه يعتمد في كافة عناصره على النشاط الأمريكي الاستخباراتي، أما إجَابَة السؤال الأول فهي من اختصاص ترسانته العسكرية التي لم تدخل الخدمة بعد، فالنشاط الاستخباراتي والذي يختص بجمع المعلومات قبل شن أية حرب، اصطدم بيمن المسيرة القرآنية منذ فجر الحروب الست من 2004- 2022م، إذ يجد الأمريكيون أن سبب الفشل يعود لقصور في منظومتهم الاستخباراتية، لكنه في واقع الأمر يختلف تماماً، ويبتعد عن متناول التحكم الأمريكي الذي نسي أن الله سبحانه وتعالى هو الناصر والمعين.
أما الإجَابَة على السؤال الثاني وهو كيف يجب أن تحارب أمريكا؟ فمِن خلال حيازة ترسانتِها العسكرية للتفوق النووي، تبقي أمريكا هذا الخيارَ كفارقٍ نوعي وعنصرِ حسم في ترسانتها مقارنة باليمن، وبالمناسبة عملت أمريكا على ترجيح هذا الخيار بتطوير سلاحها النووي من جهة وتدمير مفاعل أية دولة يمكنها أن تشكّلَ تهديداً عليها، مثل مفاعل تموز العراقي الذي تم تدميرُه عبر تسهيلات سعوديّة، ومن ثَمَّ تدمير المفاعل السوري النووي 2007م عبر تسهيلات استخباراتية سعوديّة أَيْـضاً، ولكن النتيجة النهائية تقول: إن الأمريكي الذي حسم موقفَه العسكري مع اليابان بهذا السلاح النووي، سيختلفُ تماماً من حَيثُ تكرار التجربة لحسم موقف مماثل مع اليمن، فقبل أن تفكِّرَ أمريكا بذلك، تستطيع اليمنُ بدون نووي أن تصيبَها بشلل رباعي، ولو كانت أمريكا بتلك القوة المتخيلة لما هربت من اليمن بمُجَـرّد وصول قادة المسيرة القرآنية إلى صنعاء في 11 فبراير 2014م.