احتلال البلدان وصناعة الأزمات ونشر الفوضى.. استراتيجية أمريكا لتدمير المنطقة
قائدُ الثورة يسلّط الضوءَ على الاستهداف السياسي الأمريكي للأُمَّـة
المسيرة – خاص
مضى ما يقاربُ واحداً وعشرين عاماً على انطلاقة المشروع القرآني بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رحمه الله- وإلى الآن لا يزال الأعداء يحاولون استهدافه بشتى الوسائل الممكنة؛ بغية القضاء عليه، لكنه يزداد قوة وصلابة من عام إلى آخر، بل ويتوسع بشكل يذهل الأعداء ويخيفهم.
وعلى الرغم من المحطات الزمنية المتعددة والمآسي التي حضرت في اليمن منذ عام 2002 إلى يومنا هذا، إلا أن المعطيات تؤكّـد رسوخ المشروع وثباته، وسقوط أعدائه واحداً تلو الآخر، بل وانتقاله من الإطار المحلي إلى الإطار الإقليمي والعالمي، ليشكل الهاجس الأكبر لأعداء الأُمَّــة الإسلامية.
في بداية انطلاقة المشروع القرآني، كانت الأُمَّــة الإسلامية تمر بمنزلق خطير، واستهداف أمريكي لها في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وكذلك على مستوى الخطاب الديني، بل إن الحضور الأمريكي كان طاغياً في المشهد، وعمل على احتلال البلدان العربية والإسلامية تحت مبرّر “مكافحة الإرهاب”، وأجبر كُـلّ الأنظمة على طاعته والانقياد لأوامره، ورفع العصا الغليظة في وجه كُـلّ من خالف توجّـهاته وأيديولوجياته، ولهذا فضّلت الأنظمة العربية الخنوع والاستسلام، والصمت تجاه كُـلّ هذه العربدة الأمريكية المتغطرسة.
ويقول قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –سلام الله عليه- في خطابه الذي ألقاه، أمس الأول بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد: إن الاستهداف الأمريكي للأُمَّـة كان شاملاً، فعلى المستوى السياسي عمل الأعداء على احتلال البلدان والسيطرة عليها، والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة، ومنها احتلال أفغانستان، والعراق، والاحتلال الصهيوني لفلسطين، والعدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم على بلادنا، كما أنهم يعملون على تشكيل أنظمة وحكومات عميلة تؤدي دورها كأقسام الشرطة.
ويظهر التناقض الأمريكي في مسألة دعم الأنظمة، فهي في جانب معيّن تدّعي بأنها تدعم وتقدم الدعم لما تسميه “بالشرعية” في اليمن، لكنها في الوقت ذاته تقدم الدعم السخي للجماعات التكفيرية؛ بهَدفِ إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، في تناقض واضح ومفضوح.
وفي جانب آخر تبرز شواهد كثيرة للتدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية لمنطقتنا العربية، حَيثُ عرّضت الأمن القومي العربي للعديد من الهزات والتحديات، وأدى ذلك إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية في تلك الدول بشكل مقلق للغاية، كما حدث في ليبيا، وسوريا، والعراق، ومصر، والسودان، وعدد من الدول العربية في القرن الإفريقي، ورأينا كيف يمارس السفراء الأمريكيون دورَهم خارج النطاق الدبلوماسي، ليتعدوه إلى التدخل في الشأن الداخلي للدول، كما تفعل السفيرة الأمريكية في لبنان والتي اتهمها سماحة الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله بالتدخل في كُـلّ مفاصل الحياة العامة في لبنان، وبأنها تتصرف وكأنها “الحاكم العسكري” فيه.
ويذكرنا هذا التصرف للسفيرة الأمريكية في لبنان، بما كان يعمله السفراء الأمريكيون في اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر، حَيثُ كانوا هم بمثابة الحاكم الفعلي للبلاد.
صناعة الأزمات
ويشير قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي –حفظه الله- إلى أن من أبرز الاستهداف السياسي الأمريكي للأُمَّـة الإسلامية هو العمل على صناعة الأزمات السياسية، فهم يصنعون وينتجون الأزمات السياسي؛ بهَدفِ حرمانه البلدان من الاستقرار، وإشغالها بالصراع الدائم، والتنازع المُستمرّ عن أية نهضة وبناء، كما أن الأمريكيين يدفعون الأمم المتحدة لتشريع التدخل في شؤون الدولة المستقلة تحت تسمية “التدخل الإنساني”، وهي ذرائع تبدأ باستصدار القوانين الأمريكية، ثم تدفع الأمم المتحدة لتبنيها، ومن أمثلة ذلك (قانون تحرير العراق) الذي أقره الكونجرس الأمريكي عام 1996، وقانون (حماية الأقليات في مصر) عام 1998 الذي يوجه ضد مصر؛ بذريعـة اضطهاد الأقليات الدينية.
ويؤكّـد باحثون أن الاحتجاجات التي عمت الشارع العربي عام 2011 أَو ما يسمى بأحداث الربيع العربي كانت بفعل المساعدات الأمريكية التي وفرت التدريب والتأمين والمساعدة اللوجستية والتنظيمية للناشطين والمتظاهرين، ما يدل على أن الاضطرابات في الشارع العربية كانت بدعم أمريكي واضح، وقد رأينا ما حَـلّ بتلك البلدان من فوضى وانهيار، وصراع، وحروب، كلها أَدَّت إلى تمزيق هذه البلدان وتفكيكها، موضحين أن الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما وزعت البرمجيات مجاناً على الناشطين في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن والمغرب وسوريا؛ وذلك مِن أجل تأجيج مشاعر الغضب الشعبي وإشعال فتيل الثورات والانتفاضات.
ومع صعود الرئيس الأمريكي ترامب إلى السلطة عمل على مساندة الاحتلال الصهيوني بسخاء، وابتز الدول العربية الغنية لينهب ثرواتها علناً وعلى شاشات التلفزة، ثم جاء بايدين ليواصل لعبة الدم، ومن يتابع الأحداث في العواصم العربية لا يساوره شك أنها نفس اللعبة وأنها نفس الأدوات، فمصر نجحت من المذبحة بأعجوبة، وليبيا تحطمت تماماً، وسوريا تدمّـرت بالكامل وهي تقاتل، في حين يتعرض لبنان لمؤامرة كاملة متكاملة، ويحاول العراق النجاة، وفلسطين تقاوم بلا تردّد، والسودان دخل في نفق مظلم.
وبفعل السياسَة الأمريكية الشيطانية تعمل واشنطن على محاولة إحراق بلادنا، منذ ثماني سنوات مضت، مستخدمة كُـلّ أساليب الإجرام والتوحش، بما فيها تضييق الخناق، وقتل المدنيين بالغارات القاتلة.
ومع انتهاء هذه المهمة اتضحت الرؤية، فقد صعد إلى الحكم عملاءُ لأمريكا أكثر خضوعاً وخنوعاً لها من السابقين، كالفارّ عبد ربه منصور هادي في اليمن، وعبد الفتاح السيسي في مصر، وظلت هذه البلدان -بفعل هذه الفوضى وعدم الاستقرار- بعيدة عن التنمية، ومتأخرة عن أي عمل نهضوي، وهو ما يؤكّـد مصداقية كلام قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي بأن الأعداء “يركزون على أن تبقى الأُمَّــة في حالة دائمة من التتويه، ليس عندها اهتمامٌ بالأمور المهمة، ولا تركيز على الأولويات الصحيحة ولا توجّـه نحو برامج عمل أَسَاسية ومهمة تبنيها، وتنهض بها، وتساعد على أن تكون أُمَّـة قوية، وَعلى مستوى الطرح السياسي بالأشياء الهامشية، والجدالات العقيمة، والخلافات التافهة، والإشكالات والتفاصيل الكثيرة، التي تشغل الناس بجزئيات وتغرقهم فيها بعيدًا عن الاهتمامات العملية المهمة، هذه بعض العناوين على المستوى السياسي”.
ويتضحُ مدى التغلغل الأمريكي في الشأن السياسي للدول العربية، من خلال امتهان الأنظمة الخليجية، والتي سعت بكل وقاحة للتطبيع مع الكيان المؤقت، وإقامة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية معه، في وقت يتم تسخيرُها لضرب الدول العربية وزرع الفتن والخلافات، بل واستخدامها للتدخل العسكري في الدول العربي؛ خدمةً للمشروع الصهيوني الأمريكي، كما يعمل النظام السعوديّ والإماراتي والقَطَري في اليمن وسوريا وليبيا.