أعلامُ الحق لا يحتاجون لعمليات “تلميع” فهم مشرقون بتاريخهم المُشرّف..بقلم/ هنادي محمد
تحدث الشهيد القائد -رضوان الله عليه- في ملزمة “سورة آل عمران-الدّرس الأول” حول قضية الأعلام والرموز التي تمثل كلًا من: أهل الحق والخير، وأرباب الباطل والشّر، مؤكّـداً على أن مسألة وجود علم لكل إنسان يقتدي ويحتذي به وبسيرته، ويسلك نهجه، ويؤمن بفكره، ويحارب ويصارع لتثبيت طريقته في الحياة، فطرة لدى الإنسان، بقوله: «المسألة من أَسَاسها سُنّة بشرية، فطرة بشرية لدى الإنسان يحتاج إلى أعلام سواء للباطل أَو للحق، والحق أَيْـضاً يحتاج إلى أعلام والباطل يحتاج إلى أعلام».
ويشير إلى أن الحق لا يقوم إلا عن طريق أعلام وقادة عُرفوا بتاريخهم المشرق، ومواقفهم المُشرّفة، وأن تأثر الأُمَّــة بالحق الذي قدموه، وانجذابها إلى طريقه هو بفضل هؤلاء الأعلام الذين كانوا أنموذجًا حيًّا لما يدعون الآخرين إليه: «يأتي الحق عن طريق أعلام لهم مكانة في نفوسنا، أعلام نجلّهم، أعلام نحترمهم، أعلام ندين بحبهم، أعلام نعرف تاريخهم المشرق، أعلام نعرف كيف كانوا يجسدون القيم الصالحة، كيف كانوا رحماء بالأمة، من خلال انشدادي لهؤلاء الأعلام وحبي لهم وإجلالي لهم أتحلى بما كانوا يتحلون به، أدين بما كانوا يدينون به، فمن هنا يأتي تقبل الحق».
في المقابل وضّح -رضوان الله عليه- أن انتشار الباطل والضلال في الحياة وتسربهما إلى الأوعية والأفئدة يأتي من خلال رموز وأشخاص يتمركزون في موقعٍ متقدّم في صفوف الأُمَّــة والمجتمع الذي يتواجدون فيه، بمختلف مسمياتهم التي يغترّ بسطاء الناس بها، ممن لا يمتلكون الوعي الكافي لتفنيد وتقييم ما يتلقونهُ، فيتأثرون برمزٍ لمُجَـرّد أن حصل على لقب: “عالم، علّامة، أُستاذ، قاضٍ، إمام،… إلخ”، ويحجزون له مكانًا شاسعًا في نفوسهم، احتراماً وإجلالاً وسمعًا وطاعةً وكل ما يأتي من قبل هذا الرمز الذي يبجّلونه مقبولًا لا يمكن ردّه ورفضه، فقال: «الباطل ما بينـتشر من الأشخاص الذين يكونون في الشوارع مساكين مدهجين وسبَّر حديث وافلته وجاءت الأُمَّــة تلتقطه ثم تعممه في مدارسها، هذا ما بيحصل، ينتشر الباطل من داخل أعلام رموز هم من يَلُوا أمر الأُمَّــة، أَو يكبَّروا كعلماء في وسط الأُمَّــة فيصبح [قاضي القضاة]، أَو يكون له لقب من هذا النوع، أَو [إمام المحدثين]، فيأتي من هنا التضليل، ويأتي من هنا الانحراف، ويأتي من هنا الكذب، فيأتي من هنا الباطل فيعمم على نطاق واسع؛ لأَنَّي تلقيت الباطل من عَلَم، فبقدر ما لهذا العلم في نفسي من مكانة بقدر ما هيئت نفسي لتقبل هذا الباطل من جانبه»
ولفت السيد حسين إلى خطورة تولّي النماذج السيئة من المخالفين لكتاب الله ورسوله-صلوات الله عليه وآله – الذين عملوا على ضرب الأُمَّــة من خاصرتها وجعلوها مُهانة مستذلّة، واتِّخاذهم أعلامًا، واعتبار الاستجابة لهم تقرّبنا إلى الله؛ لأَنَّ هذا الاتّباع ينسب الشر والنقص إلى الله -جلّ شأنه- ويخدش في نزاهته وعظمته في مسألة اصطفاءه للهُداة، وهو -جل في علاه- من قدّم نفسه في كتابه الكريم بكماله المطلق، فكيف يجعل لعباده أعلامًا مشوّهين ناقصين؟!، قائلًا: «ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر، أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه، وهو نفسه ممن يخالف كتاب الله ويخالف رسوله، هو نفسه ممن ضرب الأُمَّــة وأهان الأُمَّــة، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه، أنا أتعبد الله بأن هذا هو بيني وبين الله، هو عَلَم من أعلام الله أليس كذلك؟، معنى ذلك أنه إن كان الله شراً، وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس مقام الله، تدنس الله -إن صح التعبير- أن تتعبده بتولي هذا؛ لأَنَّ هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه، {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (الكهف: من الآية٥١) وما كنت متخذ المضلين عضداً ساعداً يعينني أَو يساعدني أَو عوناً فيما يتعلق بهداية عبادي، لا يمكن، لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة: أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على آل محمد، يصلي على آله وأصحابه [أجمعين] فيدخلهم في الصلاة التي هي كلمة لها معاني رفيعة، لها معاني سامية جِـدًّا».
وأكّـد على قضية هامة هي أنَّ: أعلامَ أهل الحق ممثلون بأهل البيت -عليهم السلام- لا يحتاجون إلى عمليات تلميع وتجميل لسيرتهم؛ لأَنَّهم هم من فرضوا أنفسهم في الواقع بجوهر رسالتهم ونقاء قيمهم ومبادئهم على مر العصور، على عكس الباطل الذي يحتاج لنفقات هائلة وجهود كبيرة حتى تنجح عمليات التلميع التي يجريها لرموزه، في محاولةٍ يائسةٍ منه لتحسين النظرة إليهم، وتقديمهم في صورة مخالفة لحقيقة ما كانوا عليه، حَيثُ قال: «عندما تقارن بالإمام علي، تقارن بالحسن، تقارن بالحسين تقارن بالأعلام من أهل البيت الذين صعدوا في مختلف مراحل التاريخ يفرضون أنفسهم عليك، وليس فقط أنت من تحاول أن تلمِّعهم.
متى لمّعنا أحداً من أهل البيت واحتجنا إلى أن نكذب له؛ مِن أجل أن نلمعه أمام الآخرين، لكن الآخرين يتمسكون بـ [مُرّ] حقيقة، يتمسكون بناس منحطين يحتاجون في كُـلّ وقت يضربون لهم [رَنْج] مرة أصفر، ومرة أبيض؛ مِن أجل أن يلمّعه أمام الآخرين».
وأرشد الشهيد القائد إلى ما نحتاجه كأتباعٍ للحق وأهلٍ له، وهو: أن نحرص على عرض سيرتهم وذكر تاريخهم الذي تم تغييبه من السّاحة الإسلامية، المطلوب ذكرهم وهم بما كانوا عليه جذّابون ومؤثرون، قائلًا: «نحن لا نحتاج إلى أن نلمّع أعلام أهل البيت، أي لا نحتاج نحن ونحن نراهم ناقصين أن نكبرهم، نكبرهم حتى يكونوا جذّابين عند الآخرين، فقط نحتاج إلى أن نتحدث عن نصف واقعهم، وسيصبحون جذابين عند الآخرين، لست بحاجة إلى أن تضيف شيئاً من عندك، تحدث فقط عنهم، تحدث ولو بنصف مما هم عليه مما لديهم يكفي أن يجعلهم جذابين عند الآخرين».
واستنكر -رضوان الله عليه- صمت من يرون أنفسهم من أهل الإيمان والحق في عدم تقديمهم لأعلامهم بمُجَـرّد الحديث عنهم، وهم من تاريخهم ناصعٌ لا يحتاجون لتعبٍ في إنتاج سيناريوهات وإعداد روايات وهمية، فقط يتطلّب منهم كلام باللسان أَو القلم، مع ذلك هناك في الواقع صمت أَو تمللٍ وهذا مؤشر يدل على عدم معرفتهم بعظمة أعلامهم: «ونحن من أعلامنا قدوات يصح أن نتعبد الله بولائهم، لا تحتاج إلى أن تكذب؛ مِن أجلِهم، ولا أن تكذب؛ مِن أجل أن تلمعهم، وهم لو تحدثت بنصف ما هم عليه أَو بربع ما هم عليه لكان فيهم ما يجذب الناس إليهم، ولكان فيهم ما ترى بأنك تعتز وتفتخر بأن يكونوا قُدوة لك، ثم لا تتحدث عنهم، ثم تصمت عنهم، أليس هذا الذي يذهل الإنسان، لا نتحدث عنهم بل متى ما جاء أحد يتحدث عنهم قلنا: [بس ياخي خلاص]».