ماذا تريدُ أمريكا من اليمن؟!..بقلم/ د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
يأتي اهتمامُ أمريكا باليمن؛ نتيجةً لعدةِ أسباب: من أهمها موقع اليمن الجغرافي الحاكم على طرق التجارة وَالثروات الكبيرة التي تمتلكها من النفط والغاز وغيرها وكلّ ذلك في إطار رغبة أمريكا الجامحة بالسيطرة على مقدرات الشعوب، وقد ظهر اهتمام أمريكا بالجزيرة العربية ومن ضمنها اليمن في بداية القرن الماضي؛ حَيثُ أشار وكيل الخارجية السعوديّة فؤاد حمزة عام 1934 إلى أنه تلقى برقية من أحد المسؤولين الإنجليز أشار فيها إلى أن الحكومة الأمريكية طلبت من بريطانيا معلومات عن المعاهدات المتعلقة بشأن الحالة الإقليمية وحدود بعض مناطق النفوذ في الجزء الشرقي من بلاد العرب، وقد قدمت بريطانيا المعلومات المطلوبة، ومنها الاتّفاقيات التركية الإنجليزية لعامَي 1913م – 1914م المتعلقة بالمنطقة، وفي إثر هذه البرقية بدأ الاهتمام الأمريكي بالجزيرة العربية يزيد عن طريق فتح باب التواصل مع حكام المنطقة، وتمكّنت من تحقيق اختراقات كبيرة مع حاكم السعوديّة الملك عبد العزيز بن سعود، ولكنها فشلت في اليمن بالرغم من محاولاتها المتكرّرة مع الإمام يحيى ومع الإمام أحمد.
وبعد ثورة سبتمبر 1962م كانت أمريكا من أوائل الدول التي اعترفت بالجمهورية العربية اليمنية وقدمت لحكام صنعاء الجدد الدعم السياسي والمادي، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين الجانبين بعد اشتعال الحرب بين الجمهوريين وَالمدعومين من مصر وَالملكيين المدعومين من السعوديّة وانقطعت العلاقات بين الطرفين بعد أن طلب النظام الجمهوري المساعدة من الاتّحاد السوفيتي، واستمرت أمريكا بعيدة عن اليمن حتى بداية السبعينيات عندما عادت العلاقات بين البلدين في عهد القاضي عبدالرحمن الأرياني، ومع ذلك لم تتمكّنْ أمريكا من تحقيق اختراقات كبيرة؛ بسَببِ التنافس مع الاتّحاد السوفيتي على النفوذ في اليمن واضطرت إلى ترك مِلف اليمن في يد السعوديّ بعد المصالحة الوطنية.
واستمر العلاقات بين البلدين في حدها الأدنى إلى أن وصل إلى الحكم علي عبدالله صالح الذي صعد إلى كرسي الرئاسة بدعم مباشر من السعوديّ 1979 م، وبعد تولي صالح الحكم اشتعلت الحرب بين الشمال والجنوب فوقفت السعوديّة إلى جانبه وقدمت له الدعم الكامل مادياً وعسكريًّا بموقفه من أمريكا؛ نظرًا لأَنَّ الأسلحة التي قدمتها السعوديّة لليمن كانت معظمها أمريكية ولا يمكن أن تقدم إلَّا بموافقة أمريكا.. وكانت هذه البداية للتدخل الأمريكي الذي كان يتوسع بمرور الزمن وتمكّن صالح خلال هذه الفترة من استخراج البترول عن طريق شركات أمريكية.
وكان التدخل الأمريكي أكثر وضوحاً بعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 م، حَيثُ بدأت ببناء علاقات استراتيجية مع اليمن في عدة مجالات من أهمها التعاون العسكري الذي وصل إلى مرحلة بدأت فيها أمريكا تفكر ببناء قواعد عسكرية في بعض المناطق اليمنية وخَاصَّة في عدن، وكذلك التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب والذي تمكّنت أمريكا من خلاله من التوغل في مفاصل الدولة والتأثير المباشر على القرار اليمني، وَأَيْـضاً التعاون الاقتصادي وأهم ما حقّقته أمريكا في هذا المجال هو القضاء على زراعة الحبوب في اليمن من خلال إرسال شحنات قمح أمريكي كمساعدة سنوية مجانية، إلى جانب التعاون في مجال استخراج النفط والغاز الذي كان المستفيد الأول من هذا التعاون هو الشركات الأمريكية، ومن مجالات التعاون الأُخرى الانتخابات والتربية والتعليم ودعم منضمات المجتمع المدني ولم يأتِ عام 2011م الذي قامت خلاله ثورة الشباب إلَّا وقد أصبح السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي لليمن.
وبرغم النفوذ الكبير الذي أصبحت أمريكا تتمتع به في اليمن في نهاية حكم علي صالح إلَّا أنها لم تكتف بذلك وحاولت تشديد قبضتها على البلاد واختراق مختلف النخب اليمنية السياسية والثقافية والمشايخ والعلماء وغيرهم، وكانت أمريكا تهدف من ذلك إلى مصادرة القرار اليمني والتحكم في استخراج ثرواته واستغلال موقعه أسوة ببقية الدول التي تخضع لنفوذها، وكذلك ضمان عدم ظهور سلطة وطنية قد تفكر بالخروج عن طاعتها، والأهم من ذلك هو إيجاد نخب سياسية تمهد الطريق وتهيئ الظروف للتطبيع مع إسرائيل بوتيرة أسرع من السابق.
وتواجد أمريكا في بعض مناطق اليمن في الوقت الراهن هو لتحقيق الأهداف التي ذكرناها، وَأَيْـضاً لقطع الطريق على أي سلام قادم لا يحقّق أهدافها ولا يضمن مصالحها التي تتعارض مع مصالح اليمنيين.