عودةُ العلاقات الإيرانية – السعوديّة.. (أمرٌ واقع أم تكتيكٌ أمريكي)..بقلم/ عبد القوي السباعي
بات التقارُبُ الإيراني السعوديّ عنوانَ المرحلة الجديدة، والحدَثَ الأبرزَ الذي تصدّر واجهاتِ الأنباء ومضامينَ التغطية الخبرية لمختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، وأطلق السياسيون والمحللون والخبراءُ العِنانَ لأفكارهم وتفسيراتهم وتحليلاتهم، حول الحدث الذي وصفته معظمُها بالمهم للاستقرار الإقليمي والعالمي، والذي ما كان لولا الجهودُ الجبارة للصين والعراق وسلطنة عُمان.
غير أن هذا الحدثَ لم يأتِ فجأةً، أَو على غير هوى الإدارة الأمريكية، كما يدّعي البعضُ، بل جاء على مراحلَ متعددةٍ، وبعدَ تفاهمات ولقاءات معلَنة وغير معلَنة هنا وهناك، تكلَّلت بالإعلان الرسمي عنه في العاشر من مارس 2023م، لكنَّ ثمة أصواتاً تؤكّـد أن النظامَ العالميَّ، بقيادة أمريكا، ما كان لهُ أن يتخلى عن الفزاعة أَو (البُعبُع) الذي ظل يخوّف حليفته السعوديّة به والمتمثل بإيران، إلا إذَا جاء من باب سياسة ولُعبة التخادم الذي ما فتئت أمريكا تعتمدُهُ كتكتيكٍ مرحلي كلما وجدت إلى ذلك سبيلًا.
غير أن البعضَ يرى فعلاً أن الولايات المتحدة تعاني في الوقت الراهن موتاً روحياً على كُـلّ المستويات، وتراجعاً محوريًّا يدفعها باستمرار إلى التآكل الداخلي والتأزم الخارجي، وبات هذا التراجعُ يعلِنُ عن بداية سقوط النموذج الاستعماري الأكثر فوضويةً عن كُـلّ من سبقه من النماذج الاستعمارية عبر التاريخ، إذ لم يقتصر السخط والعداء وعدم الرضا عن النظام الأمريكي سمة لازمة بالخصوم فحسب، بل تعداهم إلى الحلفاء والأصدقاء على حَــدٍّ سواء.
المتأمل في الواقع يدرك أن أصدقاء الإدارة الأمريكية ومنها النظام السعوديّ، حتى وإن ظهروا عادة بمواقف ومسارات تعكس التبعية لقراراتها وتبني سياساتها والانخراط العملي في توجّـهاتها، غير أنهم لم يتركوا مناسبة إلا وأشاروا إلى مدى انزعَـاجهم من حالة الاحتقان والاختلال التي تتسبب بها هذه الإدارة في واقع وبرامج حكوماتهم، وحجم الانفصام الحاصل بين هذه الحكومات وقواعدها الجماهيرية، التي ضاقت بها ذرعاً؛ نتيجةً للاحتلال السياسي الممارَس ضدها، ناهيك عن الابتزاز والمساومة واقتطاع الإتاوات منها، وما إلى ذلك.
هُنا يرشِّحُ البعضُ أن الهيمنةَ الأمريكيةَ ذاتِ القطب الواحد قد لا تكونُ طويلة، لا سِـيَّـما أننا نرى الإخفاقاتِ المتعددةَ للإدارات الأمريكية، والحقائقَ التي نشهدها بشكلٍ يومي، خَاصَّة إبان الحرب الروسية – الأُوكرانية تجعلنا نقولُ: إن ما يحصلُ في تركيبة النظام الدولي ما هو إلا مرحلةٌ انتقاليةٌ تحملُ بصماتٍ وتحولاتٍ جديدة، تؤدي إلى تراجُعِ هيمنة واشنطن، وإن كانت هي المسيطرة إلى الآن، إلا أن روسيا والصين وغيرهما من الدول تقاتلُ للوصول نحو قمة النظام الدولي والذي بدأ يتشكل.
كثيرٌ من الباحثين يرون أن نهايةً وشيكةً للهيمنة الأمريكية تلوحُ في الأفق، ومسألة وقت لا غير تفصلُنا عن مشاهَدةِ ذلك الانهيار؛ لأَنَّ المشكلةَ ليست في برنامج أَو ممارسةِ الإدارة الأمريكية، بل بالنظام الاستعماري نفسِه؛ فالنظامُ الأمريكي بدأ يتآكَلُ ويتلاشى من داخله؛ لأسبابٍ نظريةٍ وعمليةٍ لا يمكنُ إصلاحُها مرةً أُخرى، وهذا الانهيارُ قد شعرت به السعوديّةُ مؤخّراً؛ ما دفعها للتقارُبِ مع إيران على قاعدة “مَن قارَبَ الخوفَ يأمن”!