ليتنا لم ننصُرْكم!!..بقلم/ يحيى المحطوري
تعالَت في الفترة الأخيرة أصواتُ بعضِ الأصدقاء المتذمِّرين من الوضع، وباتوا يكتُبون ليلًا ونهارًا عن حَسْرَتِهم من أنهم نصروا الثورة وَالمسيرَة، وعن خيبةِ آمالهم فيهما، وكيف استحالت الأمورُ وأصبحت باطلًا لا فرق بينها وبين مَن ثرنا عليهم!
وأنهم وقفوا معنا في الوقت الذي كنا نحتاجُهم؛ فلما تغيَّر وضعُنا انقلبنا على المبادئ التي جمعتنا وإياهم في قضيةٍ واحدة؟!
وغير ذلك من الكلام الجارح والمسيء الذي يصلُ إلى حَــدِّ التخوين في بعض الحالات.
وبعضُ هؤلاء ينطبقُ عليهم قول الله تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.
إن كانوا صادقين في نصرتهم وإيمانهم حينها؛ لأَنَّ الله يقول:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.
ولم نرَ فيهم صفةً من هذه الصفات.
ونصيحتي لهم أن يتذكروا قول الله تعالى:
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.
وأن يحذروا من عقاب الله حين يقول:
فَلَمَّا زَاغُوا۟ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم.
والبعضُ الآخر ممَّن نعرف، كانت لهم مواقفُ صادقةٌ فعلًا، ولا نُكرانَ للعمل الذي قاموا به، أَو التضحيات التي قدموها، ولكنهم أصبحوا متذمرين وساخطين لظروفٍ مرت بهم، أَو تقصيرٍ في حقهم، أَو ظلم لحق بهم في بعض الحالات.
ونصيحتي لهم أننا جميعاً معرَّضون للابتلاء، وعلينا أن نحذر الفتنة، واللهُ يقول:
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ.
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؛ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
وأن علينا تقييمَ أنفسنا أولًا، قبل الحديثِ عن غيرنا، أَو تحميلِ الآخرين مسؤوليةَ واقعنا وما نحن فيه، وأن نتذكَّرَ قولَ الله جل شأنه:
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.
وحتى لو كانت الظروفُ الماديةُ لنا صعبةً؛ فعلينا أن نحذَرَ أن نكونَ ممن قال الله فيهم:
وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ.
وأن نتذكَّرَ قولَ قائدِنا -رضوان الله عليه-:
“ما أسوأ الإنسان حين يسمعُ كلمةَ الحق، ثم يرى نفسَه في يومٍ من الأيّام يقفُ في وجه الحق يضربُه بسيفه، إنه أسوأُ من ذلك الذي تربَّى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوأ من أُولئك”.
وفئة أُخرى؛ فهم ممن قال الله عنهم:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ.
ونحن على يقين أنهم وقفوا إلى جانبنا؛ لغرض في نفس عفاش، وانقلبت مواقفُهم من تلقاء أنفسهم، على سنة من أسلافهم الذين قال الله عنهم:
وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
وأن نصرتَهم زائفةٌ، ونواياهم مشبوهة من بداية انطلاقتهم.
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ
وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
وأن سخريتهم واستهزاءَهم وتشويهَهم مردودٌ عليهم
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
نسألُ اللهَ التوفيقَ والثباتَ وسدادَ القولِ والفعل.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.