الاتّفاقُ السعوديّ الإيراني.. والأطماعُ السعوديّة في اليمن..بقلم/ محمد علي الحريشي
تابعت ردودَ الأفعال من قبل السياسيين والإعلاميين والكتاب والمتابعين اليمنيين حول الاتّفاق السعوديّ الإيراني على عودة العلاقات السياسية والديبلوماسية بينهما خلال الشهرين القادمَين وإنهاء حالة القطيعة والعداء بينهما التي استمرت خلال السنوات الماضية، ردود الأفعال انقسمت إلى قسمين:
القسم الأول: يرى في الاتّفاق مؤشرات على إحلال السلام وإنهاء التدخل السعوديّ في اليمن.
القسم الثاني: يرى أن إيران يهمها مصالحها الإقليمية بالدرجة الأولى.
على أية حال، لنا وجهة نظر حول الجدل المثار عن عودة العلاقات بين كُـلّ من إيران والسعوديّة.
مخطئٌ من يعتقد أن دافع العدوان السعوديّ على اليمن هو مكافحة النفوذ الإيراني وتمدده في اليمن منذ إعلان دعوة السيد حسين بدر الدين الحوثي، لمشروع المسيرة القرآنية.
الحقيقة تقول: الأطماعُ السعوديّة في اليمن وُجدت منذ ما يزيد عن مِئة عام، منذ استيلاء الملك عبد العزيز على نجد والحجاز، كما أن الأطماع السعوديّة في اليمن تمتد إلى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي عندما ظهرت الدعوة والحركة الوهَّـابية في بلاد نجد، كان الهدف الأول للحركة الوهَّـابية هو القضاء على المذهب الزيدي؛ وبالتالي طمس هُــوِيَّة اليمنيين حتى يسهل السيطرة على اليمن.
الثورة الإسلامية في إيران عمرها ثلاثٌ وأربعون سنة، وعمرُ الأطماع السعوديّة أكثر من مِئة سنة.
إذن لا صحةَ البتة أن الدافع السعوديّ من العدوان وشن الحرب على اليمن هو خوفها على أمنها القومي من التواجد الإيراني في اليمن والذي يسبب لها تهديداً أمنيًّا، هذا كلام غير صحيح ولو روجت المطابخ الإعلامية السعوديّة ذلك فهو فقط لإيجاد المبرّرات والحجج التي تطرحها لتبرير عدوانها وتدخلها العسكري.
الدوافعُ السعوديّةُ الرئيسية في العدوان على اليمن هي الأطماعُ والهيمنةُ والاستحواذ على ثروات اليمن والوصول إلى الشواطئ المفتوحة في حضرموت والمهرة؛ ولتبقى اليمن حديقة خلفية مهيمن عليها سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا من النظام السعوديّ.
إذن لا علاقةَ بين الاتّفاق السعوديّ الإيراني وحالة العدوان والحرب على اليمن، سواءٌ أكانت العلاقة السعوديّة جيدة مع النظام الإيراني أَو في أسوأ حالاتها، بمعنى لا يمكن أن نراهن على انعكاس تحسن العلاقات السعوديّة الإيرانية على تغير إيجابي للسياسة السعوديّة تجاه اليمن.
أولاً نفهم أن العلاقات السياسية بين الدول تقوم على أَسَاس المصالح وليس غير المصالح هكذا تقول أبسط نظريات العلوم السياسية، ومن الخطأ أن تراهن اليمن في علاقاتها السياسية وتضع كُـلّ بيضها في سلة واحدة مع أية دولة من الدول مهما كانت قوة تلك العلاقات، نعم تجمعنا مع إيران روابط ثورية ومواقف سياسية موحدة تجاه عدد من القضايا السياسية لكن ذلك لا يمنع إيران أن تغير من سياساتها وفقاً لمستجدات الاتّفاق السعوديّ معها، لا بُـدَّ أن تنعكس العلاقات الإيرانية الجديدة مع النظام السعوديّ على عدد من الملفات السياسية في المنطقة ومنها الملف اليمني، لا ننسى تشابك مصالح دول الاستكبار المهيمنة في المنطقة.
الاتّفاق السعوديّ الإيراني مرتبط بتفاعل العلاقات الدولية في المنطقة، بمعنى الاتّفاق ليس بعيدًا عن العيون الأمريكية لا تستطيع السعوديّة أن تقدم على تلك الخطوة منفردة مع إيران بدون ضوءٍ أخضرَ أمريكي.
قبل أَيَّـام نشرت المواقعُ الإعلامية تقريراً أصدرته أجهزةُ الاستخبارات الأمريكية عن تطور القدرات النووية الإيرانية وأنها قاب قوسين أَو أدنى من إنتاج قنبلة نووية، التقرير توصل إلى وضع توصيات للبيت الأبيض؛ مِن أجل اتِّخاذ سياسات جديدة مرنة مع إيران تشجعها على العودة إلى الاتّفاق النووي السابق وإنهاء الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض عليها وإعادة العلاقات الطبيعية بينها وبين جيرانها دول الخليج بما فيها السعوديّة، هذا ما توصلت إليه تقارير وملاحظات أجهزة الاستخبارات الأمريكية؛ لأَنَّ المخابرات الأمريكية تعتقد أن استمرار الحصار والضغط على إيران يسرع من توجّـه إيران لإنتاج أسلحة نووية تشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني وأمن المصالح الأمريكية في المنطقة، وأية عودة للعلاقات الخليجية مع إيران وتخفيف الحضر الاقتصادي الأمريكي عليها سوف يتوجب على إيران الالتزام ببرنامج التخصيب في منشآتها النووية دون 30 %؛ وهذا سوف يبعد الخطر النووي الإيراني للوصول إلى مرحلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 %، التي يمكن أن تستخدم لصناعة قنبلة نووية
لأن ثمن عودة العلاقات الإيرانية مع السعوديّة وتخفيف الحضر الاقتصادي الأمريكي عليها يتوجب على إيران خضوع منشآتها النووية للتفتيش من قبل منظمة الأمم المتحدة ويتوجب عليها الالتزام بنصوص الاتّفاق بعدم زيادة تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 30 %.
من هنا يجب أن تكون عندنا رؤية واسعة على مجريات الأحداث وتغير السياسات في المنطقة التي لا تخرج عن مصالح دول الاستكبار العالمي، الذي فرض على النظام السعوديّ ومن خلفه أمريكا لوقف العمليات العسكرية على اليمن منذ عام تقريبًا هي القدرات العسكرية التي وصل إليها اليمن خَاصَّة في مجال الطيران المسيَّر والقوة الصاروخية، هذا العامل هو الذي سوف يفرض السلام وينهي العدوان على اليمن وهو الذي يفرض المعادلة السياسية والعسكرية وليس تحسن علاقات بين دولتين أَو أكثر.
هناك مؤشرات إيجابية على التقدم في المفاوضات اليمنية السعوديّة بوساطة عمانية مثل فتح ملف الأسرى والمعتقلين وقرب التوصل إلى نتائجَ مبشرة في هذا الجانب بعد ذهاب وفدنا إلى جنيف، لكن ذلك المؤشر ليس ناتجاً عن التقارب السعوديّ الإيراني بل ناتج عن قوة الموقف السياسي والعسكري اليمني.
على أية حال، إيران دولة إسلامية شقيقة وقفت مع الشعب اليمني، لكن لا يهمنا شكلُ علاقاتها مع السعوديّة سواء سلباً أَو إيجاباً، موقف قيادتنا القوي وحكومتنا وجيشنا وشعبنا اليمني الصابر الصامد هو الذي يهمنا وهو من نراهن عليه بعد الله سبحانه وتعالى وليس على أية قوة خارجية.