اتّفاقٌ تحت مظلة الصين بداية مرحلة ما بعد أمريكا..بقلم/ محمود المغربي
هناك أبعادٌ كثيرةٌ ومهمةٌ للاتّفاق السعوديّ الإيراني، ويمكن القول: إن هناك بُعداً إقليمياً وبُعداً عالمياً، ويجبُ الفصل بينهما والحديث عن كُـلّ جانب وأهميته وتداعياتها على المستوى الإقليمي والدولي.
الجانب الأول: هو المصالحة السعوديّة الإيرانية، ويمكن وصفها بالحدث الإقليمي، مع أن له تأثيرًا يتجاوزُ حدودَ الإقليمي والمنطقة ويصل إلى كُـلّ العالم، إلا أن الجانب الأهم في هذا الاتّفاق والذي يمكن وصفه بالحدث العالمي، وهو رعاية الصين لهذا الاتّفاق واختيار السعوديّةِ الصينَ لتكون الراعيَ والضامنَ لهذا الاتّفاق في وضع وظروف استثنائية، ونحن هنا نتحدث عن المملكة السعوديّة أكبر دولة نفطية في العالم، ومن كان لقرار بيعها وربطها النفطَ بالدولار قبل عقود من الزمن تأثيرٌ على مسار الاقتصاد العالمي، وقيام أغلب دول العالم باستبدال ما لديها من احتياط الذهب بالدولار في البنوك المركزية؛ لنبدأ عصراً جديداً من الهيمنة الأمريكية دام إلى اليوم.
ويمكن وصفُ الخطوة السعوديّة بعبارة واحدةٍ قالها وزيرُ الخارجية الإيراني في تعليق له على الاتّفاق السعوديّ الإيراني تحت مظلة الصين، حَيثُ قال: (هذا الاتّفاقُ هو بدايةُ حقبةِ ما بعد أمريكا).
ولعله صادق فيما ذهب إليه، بل ما نؤمن وَيؤمن به، وأعتقد أن قناعةَ رأس الدبلوماسية الإيرانية ليست مُجَـرّدَ شعار أَو فكرة قائمة على وَهْمٍ، بل هي حقيقة تستند إلى معطيات وواقع الوضع الميداني في المنطقة والعالم، الذي تعد إيران من أهم اللاعبين فيه واقع.
يقول: إن عصر أمريكا أَو على الأقل تفرد أمريكا في زعامة المنطقة والعالم قد انتهى، وإن هناك قوى عظمى تُطِلُّ برأسها على العالم، ولديها مقومات وإمْكَانات عسكرية واقتصادية وبشرية هائلة وقادرة على إزاحة أمريكا، وقد باشرت في ذلك بالفعل منذ زمن، وهي اليوم تحصد أولى ثمار الاجتهاد والعمل والنجاح لشعب وبلدٍ بحجم الصين.
والأهمُّ من النجاح الصيني إخفاقُ وفشلُ السياسة المتغطرسة للولايات المتحدة الأمريكية، تلك السياسة القائمة على فرض الوصاية والهيمنة على الشعوب والدول، والانحيازِ لمصالحها الخَاصَّة، وقهر الشعوب، ونهب ثرواتهم، ونشر الانحراف والانحلال، والوقوف في صف الظالم ومن يتوافق مع القيم الأمريكية الكاذبة والمنحرفة؛ وهو ما يعجل بسقوط وإسقاط النظام الذي تمثله أمريكا.
وبالعودة إلى الحديث عن البعد الإقليمي وتأثير هذا الاتّفاق على العلاقات بين دول الإقليم والمنطقة، نستطيع القول: إن هناك تأثيراً إيجابياً كبيراً، ويمكن لأي تقارب سعوديّ إيراني أن يقضيَ على أهم ورقة لدى أمريكا والعدوّ الصهيوني لضرب أُمَّـة الإسلام بخلافات مذهبية وطائفية طالما تم اللعبُ بها واستخدامُها لقرونٍ طويلة؛ لتمزيق وتفريق الأُمَّــة.
أما عن المصلحةِ الإيرانية من الاتّفاق مع السعوديّة؛ فأعتقد أن إيران ومنذ قيام الثورة الإيرانية تعمل وتسعى إلى التقارب وحل الإشكاليات المصطنعة مع الدول العربية والإسلامية، وتمد يد السلام والمحبة للجميع، وهي اليوم ملتزمة به، وتعتقد أن النظام السعوديّ استطاع قراءةَ الواقع والمتغيرات في الساحة الدولية، وقد اختار الطريق الصحيح بالتوجّـه نحو بكين والمصالحة مع إيران والانحياز لمصلحة بلاده وشعبه، وربما لأول مرة، كما أن الجمهورية الإسلامية تدركُ أن النظام السعوديّ لم يكن يمتلكُ خياراتٍ كثيرةً، خُصُوصاً أنه بات أكثر فهماً بأن الهرولةَ خلف أمريكا ومصالحها لم تعد مصلحة سعوديّة وأن هناك تغييراتٍ جذريةً في بنية النظام العالمي.
وعن الموقف الأمريكي وردة الفعل على الاتّفاق؛ فهناك غضب وانقسام، وأغلب النخب السياسية تدرك أن ما حدث هو نتيجة حتمية للفشل المتراكم في سياسة أمريكا الخارجية، أما الإدارة الأمريكية الحالية فلم تفق حتى الآن من الصدمة، وهناك تخبُّطٌ في المواقف والتعليقات بين مباركة وتشكيك في النوايا الإيرانية، وتخويف النظام السعوديّ من الخطر الإيراني.
وبالنسبة للصين؛ فقد استطاعت الاستفادةَ القصوى من هذا الاتّفاق ومن الخطوة السعوديّة، وهي ماضية في طريقها إلى التفرد بزعامة العالم.
وما يجعل منها دولةً قادرةً على تحقيق ذلك وإزاحة أمريكا هو أن الصين لديها عواملُ كثيرةٌ: منها القوة الاقتصادية الكبيرة، وما تحقّق من إنجازات وقفزات هائلة في الصناعة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا، وما تمتلك من قوانين سلسة وفريدة من نوعها تشجّع وتسهل الدخول إليها والاستثمار والعيش الكريم فيها وتحقيق النجاحات الكبيرة.
الأهمُّ من ذلك المبادئُ الصينية القائمةُ على عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول واحترام أمن واستقرار ووحدة وسيادة كافة دول العالم، وتجنب الدخول في أية نزاعات قائمة، أَو فرض الهيمنة والوصاية على الدول، وحرصها الدائم على دعم النمو الاقتصادي في الدول التي تتعاملُ معها، ومنح المساعدات غير المشروطة.