بين يدي عام تاسع من الصمود..بقلم/ د. تقية فضائل

 

كلما دارت الأيّام دورتها نجد أنفسنا نقف طويلاً أمام ذكرى شن العدوان الظالم على بلادنا، وها نحن نعيش هذه الأيّام الذكرى الثامنة لهذا الاعتداء الآثم، الذي دعمه وموله ألد أعداء الأُمَّــة من يهود ونصارى ونفذه عملاؤهم المتماهون مع مشاريعهم التدميرية للأُمَّـة الإسلامية قاطبة، ثَمَانِي سَنَوَاتٍ بدت وكأنها بناء موحش تتجول الرياح في طوابقه المتراصة، يطوف حوله سرب من الغربان تشتم رائحة الموت في كُـلّ مكان، أما جدرانه فهي متشحة بطبقات من الدخان الأسود الذي خلفه حريق هائل مروع، وقد تهاوت بعض أجزاء الجدران وتحطمت النوافذ وخلعت الأبواب، يحيط بها الجماجم المتناثرة في كُـلّ مكان وَركام المباني الذي يجثم فوق أحلام السنين، تمر الذكريات المثخنة بالجراح في شريط يمر ببطء يشعر معه المرء بالاختناق وَالزفرات الحرى تخترقه بوجع يكاد يمزق الأضلع، فأزيز الطائرات المعتدية الذي يتصاعد ليل نهار في سماء البلاد وَالانفجارات العنيفة في كُـلّ مكان ليتحول كُـلُّ شيء تطاله أسلحتهم وصواريخهم إلى دخانٍ كثيفٍ يتعالى في السماء، الخوف والقلق والتوتر يملأ القلوب، الأخبار المضللة والأكاذيب وانتصارات العدوّ الوهمية تنهال من هنا وهناك ترافقها التحليلات المزيفة، وَالتصفيق للباطل وتبرير إجرامه، وما إن ينقشع الضباب وتظهر شمس الحقيقة ساطعة حتى نجد رجال الرجال يسردون علينا تساقط الأعداء واحداً تلو الآخر منكسة هاماتهم تحت أقدام الأبطال، وهكذا مئات الآلاف من المرات تتحطم أمنياتهم على صخرة صمود أولي البأس الشديد.

ثمانية أعوام كانت كالسيل الجارف الذي جرف كُـلّ حاجز يخفي شيئاً ما أَو يقف أمام شيء ما؛ فقد تكشفت الحقائق التاريخية والسياسية والاقتصادية المؤلمة والمؤامرات والدسائس على ديننا وبلدنا وعلى أمتنا من أعدائها وعملائهم، ولم يعد هناك ما نجهله، وزاد لدى شريحة كبيرة من المجتمع الوعي والإدراك وزاد الشعور بالخطر وتنامى الإحساس بالمسؤولية تجاه الدين وَالشعب والوطن والأمة وكل مقدراتها، كسر حاجز الخوف لدى الأحرار بعد أن تجسدت القُدوة الشجاعة في السيدين الجليلين، السيد حسين بن بدر الدين الحوثي والسيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -سلام الله عليهما-، ولقد حذا حذوهما كثير من المجاهدين بمختلف قدراتهم ومواهبهم، فكشفوا الحقائق ونشروا ما كان في طي الكتمان في دهاليز السياسة الماكرة، ومن اليمن أرض الحرية والكرامة أصبح كثير من أبناء الأُمَّــة يستقون معلوماتهم، وهم على قناعة بصحتها، وبدأ ينمو نمط ثقافة جديد لطالما حرص الأعداء على قمعه وَالحيلولة دون وجوده وتطوره، إنه الإعلام الحر المقاوم الذي لا يزيِّف ولا يجمِّل القبيح ولا يداري الفظائع خشية الأذى، بل يكشف ويعري ويتحدى، لقد أصبح جمهور هذا الإعلام الحر المقاوم يزدادون يوماً بعد يوم، فقد أيقظ في النفوس العطشى للحرية والكرامة طموحاً ممكن التحقّق برعاية الله، وهو العيش بكرامة في ظل أوطان حرة ذات منعة وعزة وإباء.

في هذه الثمانية الأعوام كان طابع الهُــوِيَّة الإيمانية الأصيلة هو الطابع السائد عند أحرار اليمن، لا سِـيَّـما عندما تخلصوا من الزيف الفكري الطارئ وشوائبه بالثقافة القرآنية ونبعها الصافي من قنواتها النقية وهم أعلام الهدى الأطهار -سلام الله عليهم جميعاً- الذين لم يدخروا جهدًا أَو عِلمًا في ذلك، لعلمهم بأهميته في تكوين الفكر الإسلامي الصحيح، والمجتمع المسلم ومواجهة أعداء الأُمَّــة ونصرة قضاياها.

لا يسعني القول إلا أن هذه الثمانية الأعوام تعادل في مجرياتها المتسارعة ومنعطفاتها الخطيرة وتغييراتها الجذرية وتأثيراتها الواقعية ونتائجها المذهلة ثمانين عاماً أَو يزيد.

ولن يكون عامنا التاسع بأقل مما سبق، بل سيكون عام جهاد ببصيرة وَصمود لا يعرف التراجع، وثبات لا يتزلزل بإذن الله مهما كانت التحديات والعقبات؛ فقد أوشكنا على قطف ثمار الصبر والجهاد لنيل كُـلّ ما وعدنا ربنا من نصر وتمكين وثبات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com