السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الرمضانية الثامنة: المؤمن ليس كأُولئك الذين لا يلجؤون إلى الله إلا في حالة العسرة
الله عز وجل هيّأ الاستجابةَ للدعاء وخص هذا الموسم بالمزيد من فرص الاستجابة من عطائه ورحمته وكرمه؛ فهذه فرصة مهمة
الناس بحاجة إلى الالتجَاء لله سبحانه وتعالى لا سِـيَّـما عند الشدائد والملمَّات والكثير من الناس يلجؤون إليه عند حالة الإضرار؛ لأَنَّها فطرتهم والله القادر على كشف الكرب وما بهم من ملمات
نجد في دعاء الأنبياء والرسل الواردِ في القرآن الكريم أنهم يطلبون من الله المغفرةَ؛ لأَنَّهم يدركون أهميّتها
لكل إنسان تجاربه أنه دعا الله فأنقذه الله عز وجل من حالة كرب وفرجّ عنه شدة وَالناس يدعون الله ويستجيب لهم دعاءهم فينسون
الإنسان المؤمن اهتماماته واسعة وهو يرجع إلى الله في مهمات الحياة وَيعرف قيمة الدعاء في الحياة وأنه من الاحتياجات الأَسَاسية للآخرة
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وَعَلَى آلِ إبراهيم إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنت السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنت التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه.
في سِيَاقِ الآياتِ المباركةِ (في سورة البقرة) التي تحدَّثتْ عن فريضة صيام شهر رمضان المبارك، في نفس الآيات، في وسطها، تلك الآيات التي تحدثت عن هذه الفريضة العظيمة، يقولُ اللهُ “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: الآية186]، في هذه الآية المباركة -التي عباراتها رقيقةٌ، تُعبِّر عن رحمة الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ورأفته بعباده، ولطفه بهم- يأتي الحث على الدعاء، والدعاء بشكلٍ عام، في كُـلّ أحوال الإنسان وفي كُـلّ الأزمنة، هو مطلوبٌ من الإنسان، الله أمرنا بذلك، والإنسان بحاجةٍ -أصلًا- إلى ذلك، وهناك مواسم معينة، منها شهر رمضان المبارك، هي من المواسم المميزة في الاستجابة للدعاء.
في شهر رمضان، في إطار اهتمام الإنسان بتقوى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وسعيه للالتزام أكثر، وتوجّـهه بالطاعات إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، واهتمامه أكثر بالقرآن الكريم، والأجواء التي يعيشها، فيشعر فيها بالقرب من الله أكثر، كُـلّ ذلك يعتبر فرصةً مهمةً في الإقبال إلى الله بالدعاء، والتوجّـه إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” بالدعاء؛ لأَنَّ تلك الأجواءَ التي فيها التوجّـه نحو الالتزام بطاعة الله، نحو الالتزام بالتقوى، وتلك المشاعر التي تهيئ الإنسان إلى الإقبال بخشوع وتضرع، ورغبةٍ ورهبةٍ إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، تجعل الإنسان قريبًا من الدعاء، على النحو الذي تتهيأ فيه الاستجابة، يعني: تتوفر فيه شروط الاستجابة وظروف الاستجابة، بشكلٍ أفضل من كثيرٍ من الأحوال الأُخرى والظروف الأُخرى، فهي فرصةٌ مهمةٌ في الإقبال إلى الدعاء، هذا من جهة.
من جانبٍ آخر، فَــإنَّ اللهَ “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هيأ الاستجابة للدعاء، وقدَّم -من واسع رحمته وبفضله وكرمه- هذا العرض المهم لعباده، وخص هذا الموسم بالمزيد من فرص الاستجابة، من عطائه، من رحمته، من كرمه، فهذه فرصة مهمة.
- واقعُ الناس بشكلٍ عام، في حالة الالتجَاء إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتوجّـه إليه بالدعاء، هو واقعٌ يفرض عليهم هذه الحالة:
الإنسانُ بفطرته، وفي ظروف حياته، يشعر بحاجته إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا سِـيَّـما في حالة الضر والكرب، وعند الشدائد، وعند المهمات والملمات؛ فالكثير من الناس -في مثل تلك الظروف- يلتجئون إلى الله، يتوجّـهون إليه بالدعاء، عند حالة الاضطرار؛ لأَنَّها فطرتهم: الشعور بالافتقار إلى الله والحاجة إلى الله، وأن الله هو ربهم، وملاذهم، وملجأهم، وهو القادر وحده على إغاثتهم، وعلى أن يمُن عليهم، وعلى أن يكشف عنهم الكرب، ويكشف عنهم ما يُلِمُّ بهم من المهمات، التي يشعرون بالعجز تجاهها، ويشعرون أَيْـضاً بعجز غيرهم، غيرهم من البشر، غيرهم من الكائنات، في دفعها عنهم، فيبقى أملهم الوحيد ورجاؤهم في الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” وحده، فيرجعون إليه، مخلصين له الدعاء، ومخلصين له التوجّـه والعبادة؛ لأَنَّهم يدركون في تلك اللحظات أنه لا ملجأ لهم إلا الله، ولا منقذ لهم إلَّا الله، ولا قادر على أن يغيثهم ويكشف الكربَ عنهم إلا الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وهذا يحصل حتى عند غير المؤمنين، في واقع المشركين، في واقع الكافرين، في تلك الحالة الصعبة جِـدًّا، وفي حالات الشدائد والكرب، كما يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}[البقرة: الآية186]، الناس بشكلٍ عام، عند حالة الضر، التي يعجزون عن كشفها، وعن الامتناع منها، وعن وقاية أنفسهم منها، ويشعرون بعجز غيرهم كذلك، يلتجئون إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” بفطرتهم، يدركون أنه لا منقذ لهم إلا هو، بعد أن يفرج الله عنهم، وأن يذيقهم من رحمته، يتنكر الكثير منهم لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” ولنعمته عليهم، وينسون ذلك، ويتجهون إلى غير الله “جَلَّ شَأنُهُ”.
يقول “جَلَّ شَأنُهُ” أَيْـضاً في القرآن الكريم: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: الآية67]، في البحر حالة الخطر تكون كبيرةً على الإنسان، فإذا أحس بالخطر الكبير وتوقع الهلاك لنفسه، التجأ إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكان هذا حال حتى المشركين، يلتجئون إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” وحده، وينسون كُـلّ تلك الآلهة الأُخرى، التي يشركون بها، الآلهة المصطنعة المزيفة، التي يشركون بها مع الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ينسونها، {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}؛ لأَنَّهم بفطرتهم، يدركون أنها لا تنفعهم بشيء، أنها عاجزة، أن الله وحده هو المقتدر على أن ينقذهم، وَأَيْـضاً يدركون بفطرتهم أنه يسمع دعاءهم، أنه رحيمٌ، يرحم عباده، ويغيثهم، ويستجيب لهم، كُـلّ هذا يدركونه بفطرتهم.
يقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}[لقمان: من الآية32]، في البحر، تأتي أمواج هائلة جِـدًّا، فيتوقعون الغرق، ويستشعرون خطر الغرق والهلاك، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان: من الآية32]، يعني: اتجهوا إلى الله وحده بالدعاء، بإخلاص، وبتضرع وإنابة، بخشوع، بإقبال كبير إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فهذا على المستوى العام بالنسبة للواقع البشري، الناس عباد الله، يشعرون بالحاجة إليه، عند الاضطرار، عند الكرب، عند الشدة، يدركون أنه المغيث والمنقذ، ولذلك يقول “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض}[النمل: 62]، هم يدركون أنه وحده “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” القادر على إجَابَة المضطر، والرحيم، الذي يجيب المضطر، في حالة الاضطرار، والضر، والكرب الشديد، والأهوال الرهيبة، هو المغيث، هو المنقذ، هو الرحمن الرحيم، هو الذي يكشف السوء، والإنسان في عجزٍ تام عن كشفه عن نفسه، وعن دفعه عن نفسه، فيلتجئ إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” فيكشفه عنه، هو الذي جعلنا خلفاء الأرض، ووهبنا ما فيها من النعم.
- ما يميز الحالة الإيمانية لعباد الله المؤمنين في دعائهم:
أنهم لا يقتصرون فقط في اللجوء إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، في الالتجَاء إليه، بالدعاء في حالة الاضطرار والكرب الشديد، ولا ينطلقون فقط من منطلقٍ واحد، هو ذلك المنطلق الذي انطلق منه الذين شعروا بالضر والخطر الكبير، فالتجأوا اضطرارًا الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، شعور الحاجة والافتقار الشديد لتلك اللحظة فحسب.
المؤمن هو يرجع إلى الله، وَيلتجئ إلى الله، في حالة الاضطرار، في حالة الكرب، في حالة الشدة، بمشاعر العبودية لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والخضوع، والخشوع، والافتقار التام إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولكنه أَيْـضاً لا يقتصر على ذلك، هو يرجع إلى الله في كُـلّ الأحوال، هو ذلك الذي يدعو الله، في الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر، في كُـلّ الأحوال والظروف يبقى دائماً مقبلًا إلى الله، منيبا إلى الله، يدعو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ باعتبار الدعاء بالنسبة له صلةَ عبادة، صلةَ عبادةٍ يتعبَّدُ اللهَ بها، يتعبَّدُ لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” بالدعاء، من موقع شعوره أنه عبدٌ لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا إلا ما شاء الله، وأن الله هو الرب والإله، الذي نرجع إليه؛ باعتبارنا عبيدًا في كُـلّ شؤون حياتنا، وفي كُـلّ متطلبات حياتنا، وفي كُـلّ ظروف حياتنا، وفي كُـلّ أحوالنا، فهو بشعور العبودية لله، يتقرب إلى الله بالدعاء كصلة عبادةٍ، يتعبد لله بها.
ولهذا ورد في النص النبوي، في الحديث النبوي الشريف، عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الدُّعاء مُخُ العِبَادة))؛ لأَنَّ الإنسان يتوجّـه فيه من واقع الشعور العميق بأنه عبدٌ لله، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضَرًّا إلا ما شاء الله، وأنه مفتقرٌ افتقارًا تامًا إلى الله في كُـلّ شيء، وأنه يتوجّـه إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” في كُـلّ شؤون حياته، وفي كُـلّ مسيرة حياته، معبِّدًا نفسه لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وأيضا يتوجّـه في حالة الدعاء من منطلقٍ إيماني: هو يرجو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، يحب الله، ينشد إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، يأمل رحمة الله وفضله، مشاعره الإيمانية في الرجاء، والمحبة، والخشية، مشاعر متميزة؛ لأَنَّها مشاعر ليست فقط تأتي في حالة الكرب الشديد، والضيق الشديد، والمخاطر الرهيبة، وإنما تأتي أَيْـضاً في مختلف الحالات؛ لأَنَّه يعيش الشعور الإيماني، في حالة العبادة لله، والتقرب إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
تأتي في حالة الانقطاع إلى الله، لا يرجو إلا الله، يعتبر البقية كلهم مثله عبيدٌ لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، وجهته فيما يرجوه، فيما يأمله، إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولهذا يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” مخاطباً لنبيه “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، {وَاذْكُرِ اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}[المزمل: 8-9]، فالمؤمن متبتلٌ إلى الله، منقطعٌ إلى الله، كُـلّ آماله، كُـلّ رجائه، يتوجّـه نحو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فله هذه الصلة الإيمانية: هو يتخذُ الله وكيلًا، يَكِلُ إليه كُـلّ أموره، يرجع إليه في كُـلّ شؤونه، يلتجئ إليه في كُـلّ ظروفه، وجهته إلى الله في كُـلّ اهتماماته وهمومه، ((انقطع الرجاء إلَّا مِنك، وَخَابت الآمَال إِلَّا فِيك))، يرجع كحالة عبادةٍ منتظمة، في أوقاتها، وفي حالاتها، كما يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” مخاطباً لنبيه “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الكهف: من الآية 28].
الإنسانُ يتوجّـه إلى الله بالدعاء، كجزءٍ من عبادته المنتظمة، المُستمرّة، التي هي كلها دعاءٌ لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}، كلها دعاء، كلها توجّـه بالعبودية نحو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والافتقار إلى الله، فالمؤمن ليس كحال أُولئك، الذين لا يتذكرون الله ويلتجئون إليه إلَّا عند الكرب الشديد، والضيق الشديد، والعسر، هو يرجع في كُـلّ الأحوال.
- كذلك دائرة الاهتمامات بالنسبة للدعاء:
الآخرون قد يلتجئون إلى الله عند حالة العسر، والشدة، والضيق، والفقر، وعندما يواجهون مشاكل عصيبة في هذه الحياة يعجزون أمامها، حينها يتذكرون الله، وكانوا غافلين، وحتى بعد أن ينقذهم، أَو يفرِّج عنهم، أَو يمُنّ عليهم، يتجهون فورًا في حالة غفلة عن الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يتوجّـهون إليه حتى بالشكر، ثم يغفلون عنه، وينسونه، ويتجهون في معصيته.
الإنسان المؤمن اهتماماته واسعة: في حالة العسر، في حالة الشدة، هو يرجع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مهمات الحياة، يرجع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولكنّ اهتماماته واسعة:
- هو يطلب من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” أَيْـضاً ما يتعلق بآخرته، بمستقبله المهم عند الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
- ما يتعلق بدينه، في أداء دِينه، في الالتزام بدِينه، هو يعرف قيمة الدين في هذه الحياة، وأهميته لآخرته.
- يطلب من الله المغفرة، هو يدرك حاجته إلى المغفرة، أنها من الاحتياجات الأَسَاسية؛ لأَنَّه يعي ما تجره عليه الذنوب، من المصائب، من المشاكل، من العقوبات، ما يُحرمَ؛ بسَببِها من الخيرات، فهو يدرك خطورتها، يحمل هذا الوعي، فيما يؤثر عليه في واقع الحياة، في ظروف الحياة، وعيه أوسع من وعي ذلك الإنسان البعيد عن الحالة الإيمانية.
ولهذا نجد في دعاء الأنبياء والرسل، ودعاء المؤمنين، الوارد في القرآن الكريم، أن في مقدمته، ومن أهمه: التركيز على طلب المغفرة، يطلبون من الله المغفرة، بشكلٍ متكرّر، فيه مقدمة دعائهم، من أهم ما يركزون عليه ويطلبونه من الله؛ لأَنَّهم يدركون الحاجة إلى المغفرة، ونجد في دعاء نبي الله آدم، نبي الله نوح، نبي الله إبراهيم، أنبياء آخرين في القرآن الكريم، ذكر الله بعضًا من أدعيتهم، وتركيزهم فيها هو على المغفرة:
- {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أنفسنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ}[الاعراف: الآية23]، دعاء آدم وحواء.
- دعاء نبي الله نوح: {رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ}[نوح: من الآية28].
- نبي الله إبراهيم: {رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ}[إبراهيم: الآية41].
بعضٌ من أدعيتهم، هناك غيرُهم أَيْـضاً، في أدعية المؤمنين، التي يذكرها الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، من أهم ما يركزون عليه فيها: هو طلب المغفرة، هم يدركون الحاجة، الحاجة إلى المغفرة، وأن كَثيراً من المصائب، من المشاكل، التي يعاني منها الإنسان، تجرُّها عليه ذنوبه، وخطاياه، ومعاصيه، فلذلك يطلبون باستمرار المغفرة، ويتضرعون إلى الله في ذلك.
- يطلبون العون في دينهم، حتى في الأمور العبادية، نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” من دعائه: {رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[إبراهيم: الآية40].
- يطلبون من الله أن يفرغ عليهم الصبر؛ ليصبروا، في الالتزام بدينهم، في مواجهة صعوبات الحياة، في أداء مهامهم الإيمانية: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، يأتي هذا في دعاء الأنبياء، وفي دعاء المؤمنين.
- يطلبون من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” النصر، وهم في ميدان العمل، في مواجهة الأعداء، فيلتجئون إليه بطلب النصر، مع الأخذ بأسباب الاستجابة.
وهكذا نجد الأدعية في القرآن الكريم، التي ذكرها الله لرسله وأنبيائه، وللمؤمنين من عباده، في مختلف أحوالهم وظروفهم، عند الشدائد، عند المحن:
- يذكرُ الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” في محنة نبيه يعقوب، التي كانت محنةً طويلة، لسنواتٍ طويلة، صبر فيها الصبر الجميل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}[يوسف: من أية 18]، صبر متميز، لم يُظهِر معه الجزع، ولا الهلع، ولا غير ذلك، ومع ذلك كان ملتجأ إلى الله: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إلى ٱللَّهِ}[يوسف: من الآية86]، ولم ييأس أبدًا، وبقي ملتجئًا إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، في ذروة الشدة، بعد أن بلغت به المحنة مبلغًا كَبيراً، ووصل إلى حالةٍ صعبة، هو الذي يخاطب أبناءه قائلاً لهم: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأسوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف: الآية87].
- نبي الله يوسف كذلك، ذكر الله التجَاءه إليه، في مختلف المحن التي واجهها.
- نبي الله أيوب “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وهو الذي عانى من الضر والمرض، والظروف الصحية الصعبة، والظروف النفسية الصعبة، كيف كان صابرًا، وكيف كان ملتجئًا إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكيف فرّج الله عنه.
فالمؤمن في دعائه دائرة اهتماماته واسعة، لا يكون دعاؤه فقط منحصرًا أن يكشف الله عنه المرض، وأن يوسع له الرزق، ومنحصرًا على المتطلبات المادية، بل يشمل: الاهتمام بأمر دينه، بمستقبله عند الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” في الآخرة، بطلب النجاة من النار، بطلب الفوز برضوان الله والجنة، وتيسير الحساب، اهتماماته كبيرة؛ لأَنَّه يدرك أن تلك الأمور أكثر أهميّة بكثير مما قد يركز عليه البعض فقط.
ولهذا يقول الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” في الفرق بين الحالتين والاهتمامين: {فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا}[البقرة: من الآية200]، كُـلّ دعائه يتوجّـه نحو مطالبه الدنيوية، وينحصر على ذلك، ولا يلتفت إلى آخرته، ولا إلى أمر دينه، {مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا}[البقرة: من الآية200]، اهتماماته كلها متجهة إلى ذلك، تفاصيل تعود إلى الإنسان، فيما يطلبه من أموره الدنيوية، {وَمَا لَهُ فِي ٱلآخرة مِنْ خَلَٰقٍ}[البقرة: من الآية200]، لا يركز -أصلًا- على أن يكون له نصيب في مستقبله الأبدي، الأكثر أهميّة من أموره الدنيوية، والتي كان بإمْكَانه أن يطلبها من الله، لكن لا ينحصر دعاؤه على الطلب لها، والتركيز عليها فحسب، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (201) أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ}[البقرة: 201-202].
فنرى الفارق بين الحالتين، بين من لديه اهتمام واسع، لديه وعي بما يحتاجه فعلًا، بما هو متطلبات أَسَاسية له، ذات أهميّة كبيرة له؛ لأَنَّ تلك الأمور التي تجاهلتها، ولم تركز عليها في دعائك، هي أكثر أهميّة حتى من تلك التي ركزت عليها، وكان بإمْكَانك أن يتوجّـه دعاؤك واهتمامك بهذا وذاك، في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو المبتدئ لعباده بالنعم، وهو الرحيم بهم، ومظاهر رحمته واسعة، في كُـلّ أرجاء حياتنا، في كُـلّ واقع حياتنا، في كُـلّ ما نشاهده، رحمةٌ واسعة، ولطفٌ عجيبٌ بنا، نعيش أجواء رحمته، ومظاهر رحمته، وألطافه، في كُـلّ حياتنا، وفي كُـلّ أجواء حياتنا، وفي كُـلّ ظروف حياتنا، والله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” من مظاهر رحمته، ومن عظيم رحمته، ومن عظيم كرمه: أن فتح لنا باب الدعاء، هو يبتدئنا بالرحمة، ويبتدئنا بالنعمة، {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ}[النحل: من الآية53]، ونحن نعيش في رحمته، ونعمه، وألطافه، وفضله، ونشعر بذلك في حياتنا، عندما نلتفت نرى ذلك جليًّا، ولكن مع ذلك يفتح لنا أَيْـضاً باب الدعاء، ويأذن لنا بالدعًاء جميعاً، يأذن لكل عباده أن يتحدثوا إليه، أن يخاطبوه، أن يطلبوا منه مباشرة، هذه رحمةٌ عظيمة، ليس فقط يأذن لهم في ذلك، بل ويأمرهم بذلك، ويحثهم على ذلك، هذه رحمةٌ عظيمةٌ من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفَتَحَ الباب لكل عباده في ذلك، أن يدعوه بشكلٍ مباشر، أن يتحدثوا إليه بشكلٍ مباشر، أن يبثُّوه ويشكوا إليه همومهم، وغمهم، وأوجاعهم، وآلامهم، ومتطلبات حياتهم، وأن يلتجئوا إليه في كُـلّ الأحوال، نعمةٌ كبيرة.
فالله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الرحمن الرحيم، هو الرؤوف بعباده، هو اللطيف بعباده، هو “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” الودود، كم هي أسماؤه الحسنى، التي تعبِّر عن رحمته بعباده وقربه منهم، وفضله وكرمه؟ هو الكريم، أكرم الأكرمين، والرحيم، أرحم الراحمين، لا أحد أرحم بك منه، أرحم بك حتى من أمك وأبيك، ومن كُـلّ الناس أجمعين.
فالله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” فتح لنا باب الدعاء، وأمرنا به، وَأَيْـضاً لم يربط ذلك بطريقة صعبة، فتح باب الدعاء في كُـلّ الأحوال، وفي كُـلّ الأوقات، وفي كُـلّ الظروف، أينما كنت، وأينما أنت، وفي كُـلّ وقت، وفي كُـلّ حال، يمكنك أن تلتجئ إلى الله بالدعاء، هذه رحمةٌ كبيرةٌ من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لم يربط المسألة فقط بمكان معين، فلا يقبل منك أن تدعوه إلَّا في ذلك المكان، فتجد صعوبةً في الوصول إلى ذلك المكان، أَو في حالٍ معين، أَو بطريقةٍ صعبة، يحتاج الإنسان مثلًا إلى أن يسافر إلى منطقة بعيدة جِـدًّا، وبكلفة هائلة، وقد لا يستطيع أصلًا؛ مِن أجل أن يدعو الله منها ليسمع دعاءه، يسمعك أينما كنت، وأينما أنت، ولا يحتاج الأمر أَيْـضاً إلى وسيلة اتصال معينة، الأمر متاح وميسر للناس، أن يدعوه بشكل ميسَّر لهم، هذه نعمةٌ من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولهذا قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: من الآية186]، وأكثر، وقبل أن يقول: (أسمع)، قال: (أُجِيبُ)، بشكلٍ مباشر، قبل أن يقول: [أسمع دعوة الداعي إذَا.. ]، قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: من الآية186].
الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” أمرنا بالدعاء، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: من الآية60]، نتوجّـه إليه بالدعاء والعبادة، وهو يستجيب لنا، هذا وعدٌ منه “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر: من الآية65]، هو “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” الحي الذي لا يموت، فادعوه في كُـلّ الأحوال مخلصين له الدين، ادعوه وحده، اخلصوا له في دينكم، لا تتوجّـهوا إلى غيره بالدين، هو “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي لم يربط المسألة بدوام معين، أَو وقت معين، أَو عبر طريق صعبة، هيأ المسألة ويسرها؛ إنما كيف نتوجّـه إليه.
مع ذلك، مع أنه فتح المجال في كُـلّ الأوقات، في كُـلّ الظروف، فهو “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هيأ أوقاتا جعل فرص الاستجابة فيها أكبر، وجعل للدعاء فيها فضلًا أكبر، ومنها:
- حالة الاضطرار:
في حالة الاضطرار لا تيأس، في حالة الكرب والشدة لا تقنط من رحمة الله، ارجع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، حالة الإنسان الذي ييأس حالة رهيبة جِـدًّا، يتجه إلى تصرفٍ آخر، أَو تنهار نفسيته، أَو غير ذلك، فالإنسان إذَا كان في ظرف اضطرار، أَو كرب أَو شدة، فليُدرك أنها من مقامات الالتجَاء إلى الله، ومقامات استجابة الدعاء، يعني: ليكن لديه الأمل أكثر في الاستجابة، وهذا مجربٌ في حياة الناس، الإنسان أحياناً يكون في ذروة الشدة والكرب والعناء، يلتجئ إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” من أعماق قلبه، بتضرعٍ وخشوعٍ وإقبالٍ تام، وإقبالٍ صادق إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، يُنيب بكل ما تعنيه الكلمة، يرجع رجوعًا صادقًا، بخشوع وخضوع، فيجد كيف فرَّج الله عنه، وكيف كشف الله عنه ذلك الكرب، أَو ذلك السوء، حالة الاضطرار والكرب والشدة: هي من مقامات الاستجابة للدعاء، وعلى الإنسان فيها أن يكون دائماً يحمل الأمل، والثقة بالله، والرجاء في الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض}[النمل: من الآية62].
- في مواقف الطاعة ومقامات العبادة: هي من المقامات المناسبة للدعاء، وفرص الاستجابة فيها كبيرة:
- مثل: عقب الصلوات.
- ومثل: شهر رمضان المبارك، وليالي شهر رمضان المبارك.
- وليلة القدر.
وهكذا، أوقات.
- والثلث الأخير من الليل.
- وفي ميادين الجهاد.
مواطن جعلها الله من أهم المواطن لاستجابة الدعاء، فالفرصة فيها كبيرة.
- ووقت نزول الرحمة والغيث.
وحالات معينة، الإنسان يغتنم الفرصة فيها، وردت فيها آثار وأحاديث عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”.
- في حالة الدعاء، نتوجّـه إلى الله بالدعاء بتضرُّع، للدعاء آدابه:
لا يكون الإنسان أثناء الدعاء غافلًا، وشارد الذهن، وغير مركِّز، يعني: بالحد الأدنى أن يكون متوجّـها بذهنه، وقلبه، وشعوره، ولسانه، ونفسه، إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يدعو وهو شارد الذهن، منشغل التفكير في أمورٍ أُخرى، غير مركز، ولا مقبل إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، الله يقول في القرآن الكريم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إصلاحهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:55-56].
فحالة الدعاء، يسعى الإنسان إلى أن يكون فيها متضرعًا، مقبلًا إلى الله بقلبه وذهنه، متوجّـها بخشوع إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وخضوع، وتذُّلل، يحمل مشاعر الافتقار إلى الله، مشاعر الحاجة إلى الله، مشاعر التذلل والعبودية لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا من أهم آداب الدعاء، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا}، لا تغيب حالة التضرع عند الإنسان أثناء دعائه، {وَخُفْيَةً}، يعني: لا يحتاج الإنسان إلى أن يرفع صوته إلى حَــدّ كبير، قد تكون الحالة التي يرفع صوته: إذَا كان في وضع جماعي، يدعو عن الجميع، يدعو عن الجميع، يرفع بالمقدار اللازم فقط، وإلَّا فالله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” يسمع دعائك الخفي، وهو من آداب الدعاء، إخفاؤه، والدعاء الخفية، يعني: من دون أن ترفع الصوت، هو من آدابه في الأَسَاس.
{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأرض بَعْدَ إصلاحهَا}؛ لأَنَّه مع الدعاء لا بُـدَّ من الاستقامة، السعي للاستقامة في العمل، في التصرف، إذَا كان دعاء مع انحراف، مع فساد، مع معصية، مع إصرار على المعاصي، فهذه حالة بعيدة، تبعد الإنسان عن الاستجابة لدعائه.
{وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}، أن تحمل في مشاعرك وأنت تدعو الله مشاعر الخوف، الخوف من التقصير، من عواقب التقصير، الخوف من المعاصي وآثارها، الخوف من عذاب الله وبأس الله، فتدعوه وأنت خائف من آثار ذنوبك، من تبعات أعمالك السيئة، من سخطه وغضبه وعذابه، وَأَيْـضاً مع الخوف الطمع، وليس فقط مشاعر الخوف، وأنت تطمع فيما وعد الله به، وأنت ترجو الله لا تدعوه وأنت يائس، الله يعلم، هو يعلم خفايا نفسك، وذات صدرك، لو دعوت وأنت -في نفس الوقت- غير راجٍ، غير مؤمل، أنت تعيش حالة اليأس إلى حَــدّ كبير، أنت غير متفائل باستجابة دعائك، فهي حالة خطيرة على الإنسان.
مشاعر الرجاء، مشاعر الطمع فيما عند الله، في الاستجابة للدعاء، هي مشاعر إيمانية أَسَاسية، لا بُـدَّ منها في حالة الدعاء، وهي تعبِّر عن حسن الظن بالله، الإنسان إذَا كان لا يرجو الله، فهو سيء الظن بالله والعياذ بالله، هو لا يؤمن حق الإيمان برحمة الله، بلطفه، بأنه الرحمن الرحيم، الرؤوف، الودود، الكريم، الحليم، ذو الفضل الواسع العظيم، اليأس حالة خطيرة إيمانيًّا على الإنسان تجاه الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ما بينه وبين الله، حالةٌ خطيرةٌ عليه في إيمانه، ولهذا يقول: {وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ}، فكن محسنًا، وكن مستقيمًا، وكن حذرًا من الإفساد، من الإصرار على المعاصي، وادع الله، تجد رحمة الله قريبةٌ منك، وستلمس هذا في واقع حياتك.
يقول عن أنبيائه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: الآية90]، فهم كانوا مستجيبين لله، وبمسارعة، يسارعون في الخيرات، ومع العمل، ومع السعي العملي، مع الاستجابة، مع المسارعة في الخيرات يدعون، هكذا هو حال الإنسان المؤمن، دعاؤه جزءٌ من انطلاقته الإيمانية، من استجابته لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، هذه مشاعرهم، منطلقاتهم في الدعاء، حالهم في أثناء دعائهم، يحملون مشاعر الرغبة إلى الله، يرجون رحمته، يؤملُّون فضله، يحسنون الظن به، يؤمنون برحمته وكرمه وفضله، {وَرَهَبًا}، في حالة الخوف يحملون مع مشاعر الرغبة مشاعر الرهبة، الرهبة من عذاب الله، الرهبة من عواقب الأعمال السيئة، من تبعاتها، الرهبة من وعيد الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهم كانوا يعيشون حالة الخضوع، الخوف، الرهبة، الرغبة.
{وَكَانُوا لَنَا خَٰشِعِينَ}، خاشعين لله في دعائهم، في تعبدهم، في صلاتهم، في أعمالهم العبادية، يحملون روحية الخشوع لله، والتذلل لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذه مشاعرهم الإيمانية.
- ثمرة الدعاء ونتيجته هي مؤكّـدة:
على الإنسان أن يكون موقنًا بذلك، الله وعد بالاستجابة: {ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، {أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إذَا دَعَانِ}، الدعاء ثمرته ثمرة مؤكّـدة، لا بُـدَّ منها، إذَا انطلق الإنسان وفق توجيهات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته.
الدعاء، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: ((الدُّعَاءُ يَرُدُّ القَضَاءَ مِن السَّمَاءِ، وَقَدْ أُبرِمَ إِبْرَامًا))، بالدعاء يدفع الله عنك الكثير من المصائب، الكثير من المشاكل، الكثير مما قد قُضي به عليك، مما قد أصبح في القضاء، وقد أُبرِم إبرامًا، لكن مع الدعاء يرده الله عنك، يأتي بدلًا منه رحمة الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالإنسانُ بحاجة إلى الدعاء، بحاجة إلى الدعاء، ليدرك أهميّة الدعاء، وفائدةُ الدعاء: أن اللهَ يكشفُ عنه، ويكف عنه، بالدعاء، الكثير من المصائب، من المشاكل، من المخاطر، من الانزلاقات، في أمور دينه ودنياه، إذَا كان عنده هذا الاهتمام الواسع -كمؤمن- بأمور دينه، وأمور دنياه، أمور آخرته، عنده اهتمام واسع في مسألة الدعاء، والناس يجربون في حياتهم، لكل إنسان تجربه لاستجابة الدعاء؛ إنما البعض -للأسف- ينسى، وإلَّا فكل إنسان له تجاربه: [أنه دعا الله فأنقذه من حالة كرب، دعا الله ففرّج عنه شدة، دعا الله فغير له حالًا من حالٍ إلى حالٍ أفضل، دعا الله فأنقذه في مقامٍ عصيب]، الناس يدعون الله، ويستجيب الله لهم الكثير من دعائهم، وينسون، فالبعض من الناس إذَا واجه مشكلة معينة لم يُستجب له فيها، نسي، كأنّ الله لم يستجب له دعاءً قط! وأصبح يائسًا، ومتذمِّرًا، وسيِّءَ الظن بالله، [لماذا لم يستجب؟]، وهو قد جرَّب أن الله قد استجاب له في الكثير والكثير.
ثمرة الدعاء مؤكّـدةٌ في الدنيا وفي الآخرة، وهذا من أهم الأمور:
أهل الجنة في الجنة، من أهم ما أدركوا وعرفوا، أنه كان من الأهم الأسباب في نجاتهم وفوزهم، وما وصلوا اليه من النعيم: هو الدعاء، ولهذا في تساؤلهم في الجنة، في مجالسهم: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قبل ندعوه إنه هُوَ البر ٱلرَّحِيمُ}[الطور: 25-28]، فكانوا مع إشفاقهم وحذرهم من المعاصي، التي تسبب سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، كانوا مع إنابتهم إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، مع رجوعهم إلى الله، مع توبتهم من الذنوب، كانوا يدعون الله، كانوا يقبلون إلى الله بالدعاء، وأدركوا أنه كان من أهم أسباب نجاتهم، {إِنَّا كُنَّا مِن قبل ندعوه إنه هُوَ البر ٱلرَّحِيمُ}.
الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” ذكَّر حتى أهل النار في النار، ذكَّرهم بما كان عليه المؤمنون من الدعاء والإقبال إلى الله، وكيف كانوا يسخرون منهم، وكيف كانت عاقبة الطرفين، الله يقول لأهل النار، بعد أن كانوا في النار يدعونه، لكن في وقتٍ متأخر، كان بإمْكَانهم أن يدعوه في الدنيا مع الإقبال والاستجابة العملية لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فتأخروا، وكانوا في الدنيا يسخرون من المؤمنين، ومن دعائهم، يقول لأهل النار في النار: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ}[المؤمنون: 109-110]، فهو يذكِّر أهل النار في النار، عمَّا كان عليه حال المؤمنين في الدنيا، من الإقبال إلى الله، بالإيمان، والاستجابة، والدعاء، فالدعاء جزءٌ أَسَاسيٌّ في عبادتهم لله، في إقبالهم إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، في طاعتهم لله، في توجّـههم إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}[المؤمنون: الآية109]، يطلبون من الله المغفرة وهم في الدنيا، يطلبون منه الرحمة، فمع إيمانهم ودعائهم، غفر لهم، رحمهم، أدخلهم الجنة، قال: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون: الآية111]، بإيمانهم، وصبرهم، ودعائهم، ورجوعهم إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، كانوا هم الفائزين؛ فدخلوا الجنة، وسلموا من عذاب الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، فازوا بمغفرته ورحمته.
ولكن حال أهل النار في النار: لم يهتموا بالدعاء في الأمور المهمة، بنجاتهم، بالمغفرة، مع الاستجابة العملية، وعندما وصلوا إلى نار جهنم، أصبحوا حينها يدعون، وبتضرّع بين جحيم جهنم، وجمر جهنم، وعذابات جهنم، لكن بعد فوات الأوان، ليس هو الموطن الذي يستجاب فيه الدعاء، وينفع فيه الالتجَاء، فات الأوان، يدعون في النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون: 107-108]، في الدنيا الله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، لكن هناك، عندما تدعو، حتى إذَا تأخر الدعاء إلى الحشر، أَو عند غرغرة الموت، أَو في نار جهنم، لا ينفعك الدعاء بشيءٍ، وأنت كنت في الدنيا معرضًا، منحرفًا، لا تستجيب لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، يقول عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}[فاطر: من الآية 37]، يعني في نار جهنم، صراخ، وصياح، وبكاء، وعذاب شديد، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[فاطر: من الآية 37]، فلا يُستجاب لهم، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا}[فاطر: من الآية 37]، حالة رهيبة جِـدًّا، إذَا ورَّط الإنسان نفسه، فلم يتجه بالدعاء إلَّا آنذاك، سوَّف.
فرصتك الآن في هذه الحياة أن تنطلق، ولكن مع الاستجابة العملية، كما في الآية المباركة: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186]، استجب لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما أمرك به، فيما دعاك إليه، مع أن كُـلّ ما أمرنا به ودعانا إليه هو لمصلحتنا، هو لم يأمرنا بشيءٍ له، يعني مصلحةٌ له، فيه عائدٌ بالنفع له، هو الغني عنا، وعن أعمالنا، وعن عبادتنا، وعن دعائنا، وعن طاعتنا، ولكن ما أمرنا به هو خيرٌ لنا، فالاستجابة لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان بالله، وبوعده ووعيده، الإيمان الذي يدفعك للاستجابة العملية، لا بُـدَّ منهما، لا بُـدَّ منهما، وأن تنطلق في هذه الحياة مستجيبًا لله، مطيعًا محسنًا، {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}، ثم ثق أن الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” يستجيب الدعاء، لكن لا تدعو بإثم، فلن يستجيب دعائك، لا تدعو بإثم، لا تدعو بقطيعة رحم، لا تدعو بما لا يليق الدعاء به.
الدعاء وفق توجيهات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفق الاهتمامات الإيمانية، وفق ظروف الحياة، الله يستجيب وفق حكمته ورحمته، وفي نطاق تدبيره وحكمته، ليس وفق مزاج الإنسان، يدعو الإنسان بأشياء غريبة، ليست في السياق الصحيح ولا الطبيعي في الدعاء، الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو مدبِّرٌ لشؤون السماوات والأرض، وتدبيره يحكم شؤون عباده؛ ولذلك فالاستجابة للدعاء هي في نطاق الحكمة، في نطاق الحكمة والتدبير.
والله هو العالم بما هو مصلحةٌ لك، الإنسان قد يطلب من الله شيئاً ليس في مصلحته، {وَيَدْعُ الإنسان بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً}[الإسراء: الآية11]، فالله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الأعلم لمصلحتك، قد لا يستجيب لك في شيءٍ؛ لأَنَّه ليس في مصلحتك، قد تكون الاستجابة لك فيما هو أفضل مما طلبته، خيرٌ لك مما سألته من الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، قد يدَّخِرُ الله لك ما طلبته، أَو خيرًا منه لوقتٍ أهم، أَو لظرفٍ أهم، قد تكون الاستجابة للدعاء بأن يكشف الله عنك شيئاً هو خطيرٌ عليك جِـدًّا، وأنت غافل عنه، وهكذا.
نطاق ثمرة الدعاء واسع، ثمرته واسعة، آثاره واسعة، لكن الإنسان يدعو الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويفوض أمره إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويتوجّـه على أَسَاس الاستجابة العملية لله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعلى أَسَاس الأخذ بالأسباب؛ لأَنَّ الدعاء ليس بديلًا عن العمل، هو مع العمل، لا بُـدَّ فيه مع العمل، عندما نطلب من الله النصر، نأخذ بأسباب النصر، نجاهد، نُعِدّ، نأخذ بكل الأسباب، وهكذا بقية شؤون الحياة، الدعاء ليس بديلًا عن العمل، يأتي مع العمل، يأتي مع الاستجابة، يأتي مع التوكل على الله، مع الثقة بالله، مع تفويض الأمر إلى الله، مع الصبر، مع عدم الاستعجال، وليحذر الإنسان اليأس، اليأس حالة خطيرة جِـدًّا على الإنسان، اليأس والقنوط من رحمة الله خللٌ كبيرٌ في إيمان الإنسان، {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف: من الآية87]، {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}[الحجر: من الآية56]، حالة ضلال وحالة كفر عندما ييأس الإنسان من روح الله ومن رحمة الله، وحالة خطيرة على الإنسان تشقيه، تحطمه، تعذبه نفسيًا، تدفعه إلى التصرفات السيئة، البعض من الناس ينهار نفسيًا وعصبيًا، أمام محنة، أمام شدة؛ لأَنَّه لم يبق له ذلك الأمل بالله، والالتجَاء إلى الله، الذي يخفف عنه حتى صدمة الأحداث، صدمة المشاكل التي يواجهها، البعض من الناس قد ينتحر، قد يتصرف تصرفًا أحمقًا، يجلب على نفسه الإثم به، قد يتجه إلى ما هو معصية، قد يعالج مشاكله بطريقة خاطئة، تحمِّله الإثم والوزر، بدلًا عن أن يلتزم حالة التقوى، والصبر، والسعي العملي في إطار توجيهات الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، والالتجَاء الدائم إلى الله “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى”، بدون يأس، بدون قنوط، {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}.
في شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لاستجابة الدعاء، واغتنام ليلة القدر، والإنسان بحاجة للاهتمام بكل الشهر؛ حتى لا تفوته ليلة القدر.
أَسْأَلُ اللَّهَ “سُبحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يَتَقبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَام، وَالقِيَام، وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَالدُّعَاءَ، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه.