أُسطورةُ العصر..بقلم/ د. فاطمة بخيت
8 أعوام مضت تحكي تفاصيلَها الكثيرُ من الأحداث منذ أولى لياليها وحتى اليوم، أحداث لا يسع أحدَنا إحصاءُ ما حدث خلالها، لكن يمكن تلخيصُها بقولنا: عدوان وحصار، قتل ودمار، حدثت طيلة تلك الأعوام وحتى اليوم.
لكن تلك الليلة التي باغت فيها العدوان الغاشم هذا الشعب على حين غفلةٍ منه قد تبدو أكثر سوداوية لشدة الصدمة جراء تلك الغارات الغادرة، والجرائم الوحشية، والأشلاء المتناثرة، والجميع في حالة ذهول مما يحدث ومن السبب فيه! ليستمر بعد ذلك مسلسل الإجرام والتوحش، ليصبحَ وكأنّه جزءٌ من حياتنا اليومية، فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن جرائم جديدة، أزهقت فيها أرواح وتناثرت فيها أشلاء ودمّـرت فيها ممتلكات، كُـلّ ذلك حدث والكثير من أبناء العالم المنافق ما بين صامت وخانع، ومؤيد وداعم، حتى بلغ ذلك الدعم المتنوع ما لا يخطر على بال أحد، فمن دعم لوجستي إلى دعم بالأسلحة والإمْكَانات المتطورة وجيوش المرتزِقة من مختلف البلدان.
بدت المنظمات الإنسانية بصورة وحشية لصمتها عن الإجرام الذي يحدُثُ بحق أبناء هذا الشعب، والعبث بأرواح الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم وكلّ جميل على هذه الأرض.
ظنت قوى العدوان أنّ تلك الترسانة العسكرية الهائلة والمنتشرة في مختلف المناطق داخل وخارج اليمن، قادرة على حسم المعركة لصالحهم في غضون أَيَّـام أَو أسابيع؛ لأَنَّ جنون العظمة حال بينهم وبين تقدير الأمور ورؤية الحقيقة الكامنة في أعماق الصدور والنفوس الحرة الأبية التي تأبى الذل وتأبى القهر وتأبى الهوان والخنوع والاستسلام رغم الجراح والآلام، ومن بين الدمار والركام نهض هذا الشعب كماردٍ في قمة العنفوان، وسرعان ما تبدلت الموازين، وتحولت المعادلة لصالح شعب مستضعف ينظر إليه العدوّ باحتقار، إلى شعب قوي ينظر إليه الآخرون بإجلال وإكبار، لم يكن يدرك العدوّ الأحمق الجاهل أنّ في أعماق أبناء هذا الشعب تكمن قوة خارقة ستحطم كُـلّ آلات ظلمهم وجبروتهم ليصبح أُسطورة، سطر أحداثها دم الشهداء وآلام الجرحى ومعاناة المنكوبين، قوة استمدها من إيمانه القوي بالله ليمنحه قوة من قوته وعزة من عزته وجبروته وكبريائه.
فكلما اشتد الحصار والقتل والدمار، ازداد عنفوان هذا الشعب وعزمه وإصراره على مواصلة خط سير الجهاد والمقاومة والاستبسال وأخذ حقه ممن أراد أن ينتزع منه حق الحياة والعيش الكريم، فبدأ بصنع الصواريخ الباليستية، والمسيَّرات اليمنية التي غزت العدوّ إلى عقر داره وهزت أركانه وكيانه، وتحولت العنتريات على وسائل إعلامهم –بفضل الله- إلى صراخ وعويل واستجداء من بقية العالم إلى الوقوف إلى جانبهم لمواجهة هذا الشعب، وكلما تقدمت الأيّام زادت الخبرات العسكرية والقتالية لدى اليمنيين، وكلّ ذلك ما كان له أن يكون لولا فضل الله ونعمته التي مَنَّ بها عليهم بقيادة ربانية تحمل رؤية قرآنية استلهمتها من آيات القرآن الحكيم لتبدو أكثر حكمة واتِّزاناً في التعامل مع هذا العدوان، وإدارة هذا البلد رغم المعاناة؛ بسَببِ العدوان والحصار، ليتجه أبناؤه لبناء أنفسهم بأنفسهم في مختلف المجالات، وليصنعوا من الشدة قوة فاقت كُـلّ التوقعات؛ لأَنَّه شعبٌ أدرك من خلال قيادته الحكيمة أنّ أحدَ أسباب النصر هو امتلاك أسباب القوة التي يرهب بها الأعداء، حتى أصبح العدوّ في حالة قلق وإحباط لعظيم ما فقده وكثرة ما أنفقه وعظم ما تكبده من خسائر؛ مِن أجل السيطرة على هذا البلد العظيم.
ثمانية أعوام ستسطر أحداثها صفحات التاريخ البيضاء الناصعة، وسترويها أجيالنا القادمة جيلاً بعد جيل لتستلهم منها الدروس والعبر، وتتعلم منها كيف تكون قوية في مواجهة العدوّ مهما امتلك، ومها حشد وحشّد، ومهما توحّش وأجرم، وتتعلم تلك الأجيال أنّ اليمن كانت ولا تزال وستبقى مقبرة الغزاة.