مُناجاة معاذ الجنيد
رَبِّي بِبابِكَ قد أنختُ رِحالي
ورميتُ في عتَبَاتِ بابِكَ (شَالي)
أرجوكَ عفوَكَ ثُمَّ عفوَكَ سيدي
ورضاكَ ثُمَّ رضاكَ كُـلُّ سؤالي
إنْ لَمْ تُسامحني وتقبَلْ توبتي
فأنا الذي سَيُسَاقُ بالأغلالِ
إنْ لَمْ تُكفِّرْ زلَّتي؛ فصحيفتي
ستجيئُني -لا شَكَّ- عبرَ شِمالي
إنْ لَمْ تُجلِّلْني رِضاكَ -أُعيذُني
بِكَ من عذابِك- فالجحيمُ مآلي
وأنا الذي سيصيحُ مصطرِخاً بها
في يومِ لا تُنجي سوى الأعمالِ
وسأرتجي -وبِكَ العِياذُ- لأفتدي
نفسِي بكُلِّ عَشيرتي وعِيالي
بيديَّ سوف أودُّ أدفعُ فِلْذَتِي
في النارِ كي أنجو من الأهوالِ
من رهبةِ الفَزَعِ الكبيرِ ومشهدِ
اليومِ العظيمِ وذلك الزِّلزالِ
فإذا الكواكبُ والنجومُ تناثرَت
والأرضُ قد مُدّتْ بغيرِ جِبالِ
رَبِّي أغثْنِي يومَ أُبعثُ شاخِصاً
بصري، وآتي للحسابِ لحالي
خوفي من اليومِ الذي مقدارُهُ
خمسونَ ألفاً.. ليس خمس ليالي
أمسيتُ أضرِبُ صالِحي في سَيِّئي
فرأيتُ أنّي في جحيمِكَ صَالِ
وذكرتُ أنّك في الكِتابِ دعوتَني
بتعَطُّفٍ لأتوبَ توبةَ قالِ
وعن القُنوطِ نهيتني ووعدتَ أنْ
ستُواجِهُ الإقبالَ بالإقبالِ
فأتيتُ مُنكسراً ذليلاً خائفاً
من للذليل سوى العزيزِ العالي
متوسِّلاً، مُتذلِّلاً، مُتخشِّعاً
مُتضرِّعاً لكَ رَاجِفَ الأوصالِ
رَبِّي.. وهل للعبدِ رَبٌّ آخرٌ
إلَّاكَ مولانَا ونحنُ مَوالي
يا غافِرَ الذَّنبِ الكبيرِ وجابِرَ
العظمِ الكسيرِ ورازقَ الأطفال
يا رافعَ المُستضعفينَ، وواضِعَ
المُستكبرين، مُغيِّرَ الأحوال
يا عالِمَ الأعمالِ قبلَ صُدورِها
ومُقَدِّرَ الأرزاقِ والآجالِ
يا مُنزِلَ الخَيَراتِ والبرَكاتِ والـ
آياتِ تِبياناً لكُلِّ مجالِ
يا مَن هو القُدُّوسُ ليسَ كمثلهِ
شيءٌ.. تعالى اللهُ عن أمثالِ
يا مَن تُسبِّحُهُ السماواتُ العُلَى
والأرضُ في الأبكارِ والآصالِ
يا مَن يُسبِّحُ كُـلُّ شيءٍ باسمهِ
يا خالقَ الإنسانِ من صَلصَالِ
يا مَن تُمَـدُّ لهُ الأَكُفُّ، وتُرفَعُ
الأبصارُ في الإخصابِ والإمحالِ
يا مَن إليهِ الأمرُ يُرجَعُ كُلُّهُ
ومصيرُنا للقاهرِ الفَعَّالِ
يا حيُّ، يا قيّومُ، يا سُبُّوحُ، يا
قُدُّوسُ، يا جَبَّارُ، يا مُتعَالي
أرجوكَ يا ذا المَنِّ والإحسانِ والـ
إنعامِ والإكرامِ والإجلالِ
أرجوكَ من خوفي ومن طمَعي ومن
ضعفي ومن فِقري ومن إذلالي
أرجوك لا يحجُبْ دُعائي عنك يا
مولاي تقصيري وسُوءُ فِعالي
أرجوك لا تقطعْ رجائي منك يا
أقصى الرَّجاءِ ومُنتهى الآمالِ
أرجوك تُـبْ، واغفرْ، وكَـفِّرْ، واعْــفُ عَـ
مَّـا ساءَ من فعلي ومن أقوالي
(إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ)
فبمَن يلوذُ ويرتجي أمثالي؟!
أيخيبُ يا رَبِّي سؤالي عند مَن
سبَقَت عطاياهُ بغيرِ سؤالِ!
أترُدُّني رَبِّي.. وأنت مُعوَّلي
وعليكَ مُتَّكَلي، ومنكَ مَنَالي!
ووسِعْتَ رَبِّي كُـلَّ شيءٍ رحمةً
أتُشيحُ عن هذا الحَقيرِ البالي؟!
أنت الذي سمَّيتَ نفسَك غافراً
فاغفِرْ خطيئاتي وضَعْ أثقالي
إنِّي أنا العبدُ المُسيءُ الدائمُ
التقصيرِ والتفريطِ والإهمالِ
فلقد عصيتُكَ طاعةً لعَدُوِّيَ
الشيطانِ.. يا لِي من ظُلُومٍ يا لِي!!
وأُقابِلُ الإحسانَ منكَ بحالةِ
العصيانِ.. يا لِي من لئيمٍ يا لِي!!
وأتوبُ من ذَنبٍ فتقبلُ توبتي
وأعودُ مُرتكِباً لذنبٍ تالي!
ولَكَمْ دعوتُكَ فاستجبتَ وبعدَها
أعرضتُ مُنصرِفاً وغيرَ مُبالي
ربّي لقد عجِبَتْ ملائكةُ السما
مني.. وحِلمُك مُـدَّ في إمهالي
عاملتني وكأنني لا ذنبَ لي
بالجودِ والإحسانِ والإفضالِ
قرَّبتَ لي سُبُلَ الهِدايةِ مُنقذاً
وسواي بين غوايةٍ وضلالِ
أكرمتني، ونصرتني، ورزقتني
ورعيتني في الحِلِّ والتِّرحالِ
وأنا المُفرِّطُ والمُضيِّعُ غارقٌ
بالذنبِ من (مِيمي) لنُقطةِ (ذالي)
لم أعصِ أمرَك جاحداً أَو هازئاً
لكنْ سكنتُ لحِلمِكَ المُتَوَالي
وجميلُ ظني فيك أنك راحِمِي
قد ساعدَ الشيطانُ في إغفالي
والنفسُ مَرَّ العمرُ وهي تغُرُّني
ما بين تسويفٍ وبين مِطالِ
والآن مَن مِن حَـرِّ نارِك مُنقِذي؟
وزفيرُها يشتدُّ لاستقبالي
ربي احمِني وقِني، أجِرني، نجِّني
منها، وأصلِح سيئاتِ خِصالي
إن فاتني (الشهرُ الكريمُ) ولم أكُن
مِمَّن رَحِمتَ؛ فمن يَرِقُّ لحالي
إن فاتني (الشهرُ الكريمُ) ولم أكُن
مِمَّن عَتَقتَ؛ فيا لسُوءِ وبالي
إنْ لَمْ أكُنْ مِمَّن شمَلتَ بعفوكَ
اللهمَّ؛ من ينظُرْ سواكَ حِيالي؟
يا مُدخِلاً أعداءَهُ في النارِ لا
تجعلْ لنفسِ مصيرِهم إدخَالي
وأنا لهُم قد عشتُ فيك مُعادياً
ولأوليائِكَ عشتُ فيك مُوالي
إن كنتَ بين المؤمنين قِبلتني
فاعصمني مما يوجِبُ استبدالي
مولاي وارزقني صلاحاً بعدَهُ
لا يطمعُ الشيطانُ في إضلالي
مولاي لا تُعرِضْ عَلَيَّ وأنت ذو
الوجهِ الكريمِ وأنتَ أنتَ الوالي
مولاي قد ضاقت عليَّ وما لها
أحدٌ يُفرِّجُها سواك ومالي
مولاي، يا مولاي، يا مولاي، يا
مولاي لا تُرجِعْ عُبيدَك خالي
إنِّي بِبابِك واقفٌ ومُؤمِّلٌ
أنْ لنْ أعودَ بخَيبتي ونِعالي
ربِّي بجاهِ محمدٍ وبآلهِ
بعد الصلاةِ عليهِ ثُمَّ الآلِ:
أرجوك عفوَكَ ثُمَّ عفوَكَ سيِّدي
ورضاكَ ثُمَّ رضاكَ كُـلُّ سؤالي