أولوياتُ الشيطان في مضمونِ كلام السيد القائد..بقلم/ أمة الملك قوارة
نندمج في تفاصيل الحياة وننسى أغلب التفاصيل أهميّة، ننسى كوننا في امتحان، وأن كُـلَّ حركاتنا وتصرفاتنا محسوبة علينا! وأننا قد نُفتن ونضل الطريق إذَا ما أدركنا أنفسنا! وقد تغيب عنّا الرؤيةُ والهدف من تواجدنا الحقيقي، بينما نحن نُطرق بنظرنا وتركيزنا في الأمور الحياتية المؤقتة! ونتناولها بكل اهتمام وشغف وننسى مجملاً أَو قد نتناسى، ضاربين بحياتنا على أجنحة سراب الأمل الزائف.
إننا في ميدان حرب وعداء سيستمر معنا إلى آخر لحظات حياتنا ليجعلنا إما ضمن الغاوين ونعوذ بالله أن ينالنا ذلك، أَو علنا ندرك أنفسنا لتدركنا رحمة الله بعدها فننجو، قال تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْـمُخْلَصِينَ} قالها عنوةً وتحَرّك بعدها عمليًّا ليكن أول بوادر توعده لبني آدم هو خروج أبونا آدم وأُمنا حواء من الجنة، وقد دلهما بغرورٍ حتى استجابا له، كان ذلك بإصرار ومحاولات عديدة، ولم يكن ذلك الحدث إلا عبرة لنا؛ علَّنا نحذر من أن نقع في شِراكهِ فنخسر.
أن ندرك أننا في ميدان صراع في حياتنا مع الشيطان؛ فنعي ونحذر أن تذهب أوقاتنا متقلبين فيها بين رغبات وشهوات لا تمُتُّ لدار القرار الذي يليق بالمؤمنين بصلةٍ، وما هو أعظم من ذلك أن تذهب أعمارنا في معصية الله الذي خلقنا وبيّن لنا من هو عدونا، وما الذي قد يمكنه فعله لأن ينحرف بنا ويغوينا متخذاً من كُـلّ نقطة ضعف فينا هدفاً له لأن يصل بنا إلى الشقاء المبين، قال تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَـمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَـمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
إننا أكبر أولويات الشيطان فقد نصب كُـلّ عدائه وجمع وحشد أولياءه مستهدفاً بكل ذلك فطرتنا وعقيدتنا وَتفكيرنا ومجمل تفاصيل حياتنا، وهنا قد لا يمكننا رؤية الشيطان وحزبه من بني ذريته بشكل حسي، لكن يمكننا الإحساس بوسوستهم والتي لطالما تستهجنها الفطرة والتربية الإيمانية ومن الوهلة الأولى لظهورها، وَهنا يمكننا إدراكها.
إن فطرتنا ترفض الفحشاء والمنكر والبغي والظلم وسائر أنواع الفساد، والتربية الإيمانية تفرض على صاحبها القدرة على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل ولن يشتبه في قلب مؤمن حق وباطل مطلق؛ فالإيمان يربينا على رؤية تعاليم الله من منظورها النوراني، والتعامل مع الحياة بمنطقية تحقّق الهدف العام من التواجد البشري، إذاً الحجّـة رادعة وشامخة بوضوحها وقوتها فلا سبيل إلى أن نعتذر إلى الله يوماً كون الشيطان قد أضلنا!
إذ إنه كيف لنا أن يضلنا عدونا وقد أخبرنا الله عنه وعن عدائه ومكره وخبثه ورؤيته لنا من حَيثُ لا نراه، قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ من حَيثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أولياء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} وأن يكون الإنسان من أولياء الشيطان، أي أنه سيكون من ضمن جهنم ولبئس المصير، وهنا حقّق الشيطان انتصاراً.
لن يدخل الشيطان جهنم بمفرده، بل مع أمم من بني البشر، من قد زين لهم ورهبهم ورغبهم وفتنهم وأضاع طريقهم، فما بين رغبة في ملكٍ زائل وما بين شهوت مؤقتة وما بين غرور وكبرياء تمادى فيه الإنسان حتى ظن أنه ليس بمفارقٍ وإلى الله ليس بعائدٍ! وما بين تعاطٍ مع الحياة بدون قوانين إلهية إلى استسلام كبير لكل مظاهر الإغواء والافتتان لتصبح من المسلم بها كما نراها الآن!
فعصرنا يضج بالآلاف من بني البشر من يتزعمهم الشيطان ويقود مركبهم، ومن بينهم علماء دين يصدحون بما يمليه عليهم من ظلم وضلال وفسق وفقهاء ومثقفين وطلاب علم يتعلمون على يديه فدلهم بغرورِ، وكلهم يدينون بالولاء للشيطان علموا أو لم يعلموا، وهم مع كُـلّ يوم يجرون المئات نحو الولاء لزعيمهم، ومنهم من غرهم الأمل ينتظر الوقت الذي لن يأتي ليتوب، وما أسوأ الحال في الدنيا وبئس المصير في الآخرة قال تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْـمُخْلَصِينَ، قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَـمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} فكيف للإنسان أن ينجو؟ وما السبيل إلى أن يتغلب على الشيطان وترغيبه وغروره وأمانيه؟
إن الإنسان إذَا أدرك الكُنّ من تواجده، وعرف من عدوه واستجاب لربه فلا خوف عليه ولا هو من المحزونين، فلا أساليب الشيطان ولا وسائله المختلفة ممكن أن تؤثر فيه، فهو عارضٌ نفسه على القرآن بين الفينة والأُخرى، مستغيثٌ لربه كي لا يضل، متجه نحو رضاه حثيث الخُطَى في سعيه، ومتيقنٌ أن الأمد قصير وإن الموعد سيجعله يقف في ميدان حساب بمفرده، وذلك ما قد يجعله ينجو وببياض وجهٍ سيلاقي ربه، وَإذَا ما زالت الحياة تسري فينا ونحن على قيدها فهناك فرصة، فكيف يمكننا استغلالها لكي نكون ضمن الفائزين في الدارين؟!