معركةُ بدر الكُبرى غيَّرت مجرى التاريخ..بقلم/ خديـجة الـمرّي
يقُول الله -سبحانَهُ وتعالى-، مُذكراً عباده المُؤمنين بالنصر العظيم الذي امتن بِهِ عليهم وأكرمهم في معركة بدر الكبرى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، وقد أراد الله سبحانهُ وتعالى، من خِلال هذه المعركة أنّ يُحق الحق ويزهق الباطل، ويُهيئ الأجواء والسُنن بحكمته وإرادته، ويُمحص المُؤمنين الصادقين من المُنافقين، ويفتح لهم باب الجهاد والقتال في سبيله وكسر شوكة الكفر والنفاق.
فعندما نرجع لنتذكر الأحداث والأسباب التي أَدَّت إلى هذه المعركة، نتذكرها لنستلهم منها الدروس والعبر، في واقعنا العملي، لا سِـيَّـما ونحن نُواجه أعتى عدوان غاشم عرفتهُ البشرية، وعلينا أنّ نُدرك مدى امتنان الله علينا كمُسلمين جميعاً بنصره وتأييده، وكسر الظلم والهيمنة، وكسر جبروت الطاغوت وأعوانه منذ ذلك العصر وإلى اليوم.
وقد أراد الله عز وجل، أنّ تقع هذه المعركة، وهيأ لها بإرادته وحكمته المُتغيرات، فما حصل للنبي -صلوات الله عليه وآله- من ظلم ومُعاناة خلال دعوته الإسلامية في ذلك المجتمع وتلك البيئة والقبيلة العربية القُرشية، التي عانى منها -صلوات الله عليه وآله- ومن معه من المُستضعفين الذين وقفوا بجانبه، وبعدها أمرهُ الله بالهجرة كما قال في محكم كتابه: «كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ» وأراد الله سبحانه وتعالى، بعد ذلك النصر لهم والتمكين، بالرغم من تلك النفوس الضعيفة التي كانت مع النبي تتوق إلى الغنائم والقوافل، ولكن إرادة الله شاءت غير ذلك: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إحدى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِـمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ» وأراد أَيْـضاً بذلك إظهار الحق، وإزهاق الباطل: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُجْرِمُونَ».
فما حصل في تلك المعركة هو بالفعل امتنان من الله وفضل امتنّ بنصره لعباده المُؤمنين، ومد إليهم الملائكة لتكون في صفوفهم تُقاتل معهم وتسندهم: «إذ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْـمَلَائِكَةِ مُرْدِفِين».
ومن خِلال هذه المعركة ندرك كيف عمل الله على تثبيت الأقدام، وتثبيت النفسيات الضعيفة، وإنزال الله المطرَ ليُطهِّرَ ويُقوي به القلوب، ويُرسل النعاس أمَنةً منه، والأرض كأنها رملية، ترتيبات كثيرة كان التدخل الإلهي فيها الذي حدث، كما ذكر الله عز وجل في سورة الأنفال: «إذ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَام».
فكان هذا بداية نصر عظيم للمؤمنين وللرسالة الإسلامية؛ فجعله الله طمأنينة لرسوله -صلوات الله عليه وآله-وبشرى وفتحاً كبيراً للمُؤمنين: «وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
وفي تلك المعركة وما نتج عنها من نتائج عظيمة سماها الله “يوم الفرقان”؛ باعتبار ذلك اليوم بما وقع فيه من انتصار تاريخي عظيم، ومهم كانت أهميته كبيرة وشكل فارقاً حقيقياً للبشرية بشكل عام وفي واقع المسلمين بشكل خاص كما تحدث بذلك السيد القائد -يحفظه الله-.
وامتدت تلك الواقعة المُهمة إلى عصرنا، وامتد أثرها بشكل عام إلى يومنا هذا، وهي مُمّتدة وإلى قيام الساعة، فغيرت مجرى التاريخ، ولولا تلك الحادثة لما نحنُ في عزة وكرامة، ولكنا مستضعفين أذلاء في أيدي الصهاينة والعملاء، يتحكم فينا الأعداء ويسيطرون علينا وعلى نفسياتنا.
ويجب على الأُمَّــة وهي تُواجه الصراع مع الطاغوت والشر أن ترجع إلى سورة الأنفال التي تتحدث عن تلك المعركة، والتي قدمها الله كمدرسة للأُمَّـة تستفيد منها وتأخذ الدروس والعبر، تهتدي بها وتتأثر على المستوى التربوي للحفاظ على فريضة الجهاد لما يعود به لها كما أشار بذلك قائد الثورة -حفظه الله-
وما أحوجنا اليوم خَاصَّة ونحن نُواجه قوى الشر والإجرام أنّ نتعلم من تلك المعركة ما يزيدنا قوة وارتباطاً بالله.، وثقة بوعده ونصره لمن ساروا في طريقه وجاهدوا في سبيله، نتعلم منها الصبر وقوة الإرادَة، الثبات على الحق، اليقين الصادق بجبروت الله وقوته، وتأييد الله وإنزال السكينة والطمأنينة لمن هم واثقون بنصره وتوفيقه، ونحنُ في هذا الشعب العظيم متوكلون على الله، واثقون بنصره وتأييده، وما النصر إلا من عند الله «وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ ظَلَـمُوا أي مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».