الفدائي الأول.. كلُّنا فداءٌ له..بقلم/ منصور البكالي
على مر التاريخ يقدم الله نماذج عظيمة للبشرية في الفداء والتضحية تجسيداً لأثرها وأهميتها وأهميّة دورها المحوري في تغيير واقع البشرية والأخذ بها إلى طريق الفلاح والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة.
وتقدم لنا شخصية أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- ومسيرة حياته التي واكبت الأيّام الأولى للبعثة النبوية الشريفة والرسالة الخاتمة، ومواقفه العظيمة إلى جوار رسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، مدرسة إيمانية متكاملة في كُـلّ المجالات، لنقتبس منها ونقتدي بها، ونعرف من خلالها كيف يمكننا الوقوف إلى جانب أهل الحق، وكيف يمكننا نصرهم ومؤازرتهم، وكيف يمكننا تحقيق الاستجابة التامة لله تعالى وتعاليم ومبادئ وقيم دينه الحنيف في واقع حياتنا، في أي زمان وأي مكان كنا.
لن يكتفي الإمام علي -عليه السلام-، طيلة حياته بموقف من المواقف العظيمة، ولم يعجب بها وبما وصل إليه من الكمال الإيماني، ولا بما تحدث الله عنه في القرآن الكريم ولا بما قاله له رسول الله -صلى الله عليه وعلى آل بيته الأطهار- كما يحصل عند البعض ممن يعيشون ذات الواقع الإيماني في واقعنا، بل سخر كُـلّ لحظة في حياته لله لنصرة دين الله وللحفاظ على رسالة الله وتقديمها للأُمَّـة واقع عملي على الأرض، عكست مستوى ورفعة وسعة وعيه وفهمه للدين، وعبرت عن كيفية حبه لله ولرسوله وللمؤمنين، وعن عظيم جهادة واستبساله وتضحياته في مواجهة أعداء الله وأعداء دينه ونبيه ورسالته، منذ نشأته حتى لحظة استشهاده.
أدواره الفدائية منذ يوم الهجرة النبوية ورقوده على فرش رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، واستعداده للشهادة في سبيل الله يومها كحماية وضمان للنجاة بالرسول والرسالة والمشروع الإلهي، من مؤامرة قريش التي عدت وجهزت للقضاء على رسول الله وقتله على فراشه، محطة واحدة، تبعها العديد من المحطات والأدوار الفدائية التي يقدمها الله عبرة لعباده المؤمنين بإخلاص وتفانٍ وصدق، ولكل من عرف الله ووثق به وبإرادته، وصدق وعده، ليقول لنا ها هو النموذج الذي يجب عليكم اتباعه إن أردتم الفلاح والنصر والثبات في معركة الحق أمام الباطل، وهو النموذج الأوفى والأنقى والأصفى لإرادَة الله ولرسوله ولرسالته، وللفوز يوم القيامة.
فلنا في غزوة الخندق ومعركة خيبر ويوم أحد، وغيرها من المحطات دروس عظيمة يقدمها كحلول لأمة الإسلام، وقيمة إيمانية يمكن الذوبان فيها ومعها للوصول إلى ما يرضي الله ويعز به الأُمَّــة مما هي فيه منذ استشهاده -عليه السلام-، وإلى اليوم.
فما أحوج شباب الأُمَّــة اليوم لتعزيز هذا النموذج القرآني في واقعهم الجهادي والعسكري، وما أجلها وأعظمها من شخصية قدمها الإيمان الحقيقي السليم كنموذج يجب الاستفادة منه والاتباع لسيرته وتطبيقها في واقعنا العملي ونحن نخوض ذات المعركة المُستمرّة إلى اليوم مع أعداء الأُمَّــة الذين استهدفوها يوم استهدفوه، محاولين تغييبه عنا وعن المنتمين لمساره الإيماني والمتبعين لمدرسة آل البيت -عليهم السلام-.
فكم فدائي من شباب أمتنا كعلي في يمن الصمود وفلسطين الجهاد وعراق الاستبسال ولبنان العزة وسوريا المكلومة، وكم علي في شبابنا وقياداتنا في كُـلّ محور المقاومة؟ وكم هي المحطات والمحن التي تتطلب استحضار علي وشجاعته وحنكته وإيمانه وإخلاصه وتسليمه وعزمه وإرادته ووعيه وبصيرته، وكم هي قلاع خيبر وخنادق الأحزاب، ومعارك صفين في واقع أمتنا الضائعة خلف متون فارغة وقيادات منافقة، ونماذج ساذجة، هي لليهود أقرب، لولا فضل الله ورحمته وحفظه لدينه عبر قرناء القرآن، وعترة آل البيت المطهرين الذين رفعوا راية علي عاليةً خفّاقة أمام قوى الاستكبار العالمي اليوم.