المدارسُ الصيفية: استثمارٌ في مستقبل..بقلم/ حسام باشا
تستند نهضة الوطن والأمة بشكل عام على جيل قيادي مسلَّح بالمعرفة والإيمان؛ فالريادة والنهضة على مر التاريخ يجب أن تكون مدفوعةً بجيل من القيادات القادرة على تجاوز التحديات والتغلب عليها. ومع ما تواجهه الأُمَّــة ووطننا اليمن في المقدمة من تحديات عدة إلا أنه يمكن تجاوز تلك التحديات وتحقيق التفوق والتقدم بجيل مسلح بالعلم والإيمان. فالعلمُ هو الأَسَاس في بناء الحضارة، في حين أن الإيمانَ يعملُ على إطلاق طاقات النفوس وتحفيزها على التحدي والبذل. وعندما يتزامن العلم مع الإيمان، ينشأ جيلٌ قادرٌ على تحسين حياة المجتمعات وتحقيق التقدم في مختلف مناح الحياة؛ لذلك، فَــإنَّ العمل على تنمية جيل مسلح بالعلم والإيمان يجب أن يكون أولوية قصوى ومن أهم الاستثمارات المستدامة في مجتمعاتنا.
وكما وأنه بدون إغناء الأجيال بالمعرفة والإيمان والأخلاق والثقة بالنفس، لن يكون لدينا قادة حقيقيون بين أجيالنا؛ مما يجعل وطننا ضعيفا وهشيما ومنصاعا لرغبات أعدائه وأعداء الأُمَّــة بشكل عام، إذ تعد تنمية وتسليح الأبناء ركيزةً لبناء جيل قوي قادر على مواجهة التحديات والتغلب عليها؛ مما يساعد الأُمَّــة بالنهوض وتطوير قدراتها وقدرات أجيالها اللاحقة.
إن الدروس والعبر التي قدّمها نبينا الكريم تؤكّـد على أهميّة بناء الإنسان منذ الطفولة قبل بناء المؤسّسات؛ فالإنسان هو الركن الأَسَاسي في بناء أية دولة أَو مجتمع. بالتالي، يمثل النشء والشباب ثمرةَ قلب الوطن والأمة؛ فهم عماد المجتمع وقادة المستقبل ونواة الحاضر. وتعد مسؤولية تربيتهم وحمايتهم من الفساد والشذوذ الفكري والأخلاقي كبيرة جِـدًّا، خَاصَّة في هذا الوقت، إذ يتطلب ذلك اهتماماً خاصًّا وعنايةً شديدة؛ لما من شأنه ضمان نموهم بشكل سليم وتحقيقهم لأعلى المراتب في سير حياتهم.
إن مسؤوليةَ حماية النشء والشباب من الفساد والشذوذ الفكري، لا سيما في هذا العصر الذي يشهد انتشارا واسعًا لظاهرة الفساد وانحراف الأخلاق، تتطلب توجيهًا دقيقًا لضمان بيئة نمو صحيحة لهم بعيدًا عن الأفكار الهدامة التي تغزو مجتمعَنا والحرب الناعمة التي يشنها أعداء الأُمَّــة؛ بهَدفِ تمزيق وعي شبابنا بثقافات منحلة عن قيمنا وأخلاقنا. وينبغي هنا على الجميع -الآباء والأُمهات والمعلمين والمربين والمجتمع بأكمله- أن يتحلَّى بالوعي والحكمة فيما يتعلق بتربية الأبناء. بالإضافة إلى الإشراف على استخدامهم للتكنولوجيا والإنترنت؛ لمنع تعرّضهم للمحتويات الخطرة بما يسهم في غرس الخلق الحسن والقيم السامية اللازمة في نفوسهم وبناء مجتمعنا على أسس صحيحة والحفاظ عليه من الأفكار المضللة والهدامة.
ومن غير الصحيح أن يُترَكَ النشءُ والشبابُ في العطل الصيفية بشكل يتخبطون فيه بين استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية والتجول في الأسواق؛ لذا فَــإنَّ المدارس الصيفية هي أفضل طريقة لحمياتهم من الفساد والفراغ؛ لما لها من أثر في تنمية القيم والأخلاق، وصقل مهاراتهم الإبداعية في مختلف المجالات، وتزويدهم بالمعرفة في جوانب الحياة كافة، والدفع بهم نحو الارتقاء بالمجتمع والوطن والأمة من خلال تنشئتهم بشكل قرآني وإيماني؛ الأمر الذي يساعد على تكوين شخصيتهم المستقبلية. فالقرآن الكريم وسنة النبي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- هما المرجعية الأَسَاسية لتعزيز القيم الإنسانية الحضارية؛ وهو ما يجعل المراكز الصيفية مكاناً يحصّن شبابنا من التأثيرات الغربية السلبية والثقافات المغلوطة والأفكار التي لا تتماشى مع قيم الإسلام؛ إذ تمثل الحلَّ الأنسب لتعزيز الهُــوِيَّة الإيمانية وتربية النشء والشباب تربيةً قرآنيةً وإيمانيةً وأخلاقية، ورعاية المواهب والأنشطة الخارجية التي تعمل على تنميتها وتأسيسها.
إن للمدارس الصيفية -التي تجري إقامتها كُـلّ عام في مناطق السيادة الوطنية- دورًا مهمًّا في تنمية مهارات القيادة لدى الأبناء، حَيثُ توفر لهم فرصةً للتعلم والتطوير في بيئة مختلفة عن البيئة المدرسية التقليدية، وهذا ما يساعدهم على تنمية مهاراتهم الإبداعية، وتحسين ثقتهم بالنفس، وتعزيز قدراتهم على اتِّخاذ القرارات. كما تساهم في فتحِ مدارك الوعي لديهم بأهميّة القيادة والتميز من خلال توفير الفرص المناسبة لهم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المدارس الصيفية على تنشئة أجيال قادرة على النجاح في الحياة، وتحفيزهم للاستمرار في التعلم والتطور المُستمرّ وتحصنهم من الأفكار المضللة التي تستهدف المجتمعات وتنذر بخطر كبير على الأُمَّــة. وعليه فَــإنَّ الأهميّة الكبرى للمدارس الصيفية تكمن في استغلال العطل الصيفية للأبناء؛ مِن أجل توسيع مداركهم وتنمية مهاراتهم وثقافاتهم في سبيل بناء جيل قيادي قادر على تحقيق النجاح في الحياة والعمل.
أخيرًا، يمكن القولُ إن المدارسَ الصيفية تعد استثماراً في مستقبل أجيالنا؛ فهي تحمي شبابَنا من الانحلال الأخلاقي والفكري وتغرس في نفوسهم الإيمان والقيم والأخلاق وتساعدهم على تعزيز مهاراتهم وتطوير قدراتهم الفكرية والعلمية خلال فترة العطلة الصيفية. لذلك، إن دعمَ وتشجيعَ إقامة هذه المدارس الصيفية وإلحاق النشء والشباب فيها يمثل استثماراً في مستقبل أمتنا، ويساعد في بناء جيلٍ قادرٍ على تجاوز التحديات وتحقيق الإنجازات في كافة المجالات.