تدخُّلاتٌ أمريكية متواصلة.. تدميرٌ ممنهجٌ لاقتصاد الوطن
خبراءُ اقتصاديون: أمريكا استهدفت الاقتصادَ اليمني بطرق كثيرة أهمها الربا
المسيرة: عباس القاعدي
لا تزالُ أمريكا تمارِسُ الحربَ الاقتصادية ضد اليمن، منذ وقت بعيد؛ لأَنَّ لديها بياناتٍ ومعلوماتٍ خَاصَّةً عن مكامن القوة الاقتصادية في اليمن، حَيثُ كانت قبل العدوان تمتلك بياناتٍ دقيقةً حول مختلف الثروات التي تتواجد في اليمن، وخَاصَّة الاحتياطات المخفية عن اليمنيين بخصوص النفط الخام والغاز المسال، يضاف إلى الثروة المعدنية بما فيها الذهب؛ ولذلك فرضت وصايةً اقتصاديةً، من خلال استهداف الاقتصاد الوطني عبر تدخلات البنك والصندوق الدوليين أَو وكالة التنمية الأمريكية خلال مرحلة ما قبل العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي؛ أي في عهد نظام الخائن عفاش، ولهذا كانت الحرب الاقتصادية أمريكية بامتيَاز، منذ بداية العدوان على اليمن؛ فهي المخطِّط والمنفذ لنقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء؛ ولفرض الحصار على الشعب اليمني، ولفرض قيود على الحركة المالية بين اليمن والخارج، وكذلك لا تزال تمارس دوراً عدائياً اقتصادياً كبيراً على اليمن حتى اليوم، وتراهن على الورقة الاقتصادية لتحقيق أجنداتها الاستعمارية.
وفي هذا الشأن وعن الاستهداف الأمريكي للاقتصاد اليمني يقول الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي في تصريح خاص لصحيفة المسيرة: إن “أمريكا استهدفت الاقتصاد اليمني بطرق كثيرة، أهمها: طريقة الربا التي تحدث عنها قائد الثورة -حفظه الله-، حَيثُ ركزت أمريكا منذ البداية على إدخَال الشعب اليمني والاقتصاد الوطني أَو الخاص في الربا، موضحًا أن عملية استهداف الاقتصاد الوطني “الحكومي” وإدخَاله في الربا تمت من خلال اقتصاديات وزارة المالية والبنك المركزي وعبر ما يسمى “بأذون الخزانة” التي ظهرت في التسعينيات عندما بدأت أذرع الصهيونية العالمية والأمريكية بالتدخل في الاقتصاد الوطني عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.
وحول ما يسمى “أذون الخزانة”، يؤكّـد الجعدبي أن أذون الخزانة أُطلقت تحت شعارات رنَّانة تمثلت في سحب السيولة النقدية والتخفيف من التضخم، وكذلك التوجّـه نحو عمليات استثمارية، بحيث يتم سحب الفائض من السيولة من الناس وتوجيهها في عمليات استثمارية ولا ذاك تأتَّى ولا ذا حصل، مبينًا أنه عندما بدأت أذونات الخزانة كانت مستويات التضخم أعلى من السنوات التي استمرت فيها أذونات الخزانة، وبالتالي كان أثر أذونات الخزانة على مستويات التضخم أثراً عكسياً وفق اقتصاداتهم ووفق القواعد الاقتصادية والسياسية القاتلة التي وضعها صندوق النقد الدولي، ومنها أنه كلما زادت عمليات أذون الخزانة وزادت سحب السيولة وزادت نسبة الفائدة خفت السيولة لدى الناس وبالتالي يخف التضخم وعلى العكس تماماً وجد أن الأثر أثر عكسي.
ولم يتوجّـهوا بها نحو عمليات استثمارية، وإنما كان يتم استخدام هذه الفوائض من الأموال سواء صناديق التقاعد أَو مستحقات الناس أَو مدخرات الناس، وكان يتم توجيهها إلى تعويض العجز من الإنفاق العام للحكومة ودفع المرتبات في الوقت الذي كان يتلاعب فيه الأمريكي بثروات وإيرادات الشعب اليمني.
وعن الهدف من ظهور أذون الخزانة في اليمن، يقول الكاتب والخبير الاقتصادي رشيد الحداد، في تصريح لصحيفة المسيرة: “ظهرت أذون الخزانة لأول مرة كآلية للحصول على التمويلات المالية في أعقاب حرب صيف 1994، فحينها كانت الوضع المالي للحكومة الخائنة آنذاك معقداً، وتم اللجوء إلى الصندوق والنقد الدوليين وبدأت مرحلة الإصلاحات الربوية على مراحل، وتم اعتماد أذون الخزانة كآلية حكومية للحصول على قروض قصيرة الأجل تتراوح من 30 يوماً إلى 90 يوماً و360 يوماً وكانت الفوائد تتفاوت من 12 %, وحتى 15 %، و21 %”.
ورغم أن جدوى استخدام هذه الآلية تراجع منتصف العام 98، وأدى فيما بعد إلى تراجع الاستثمارات الحكومية أَو الخَاصَّة، لا سيَّما وأن الهدف الأَسَاسي من هذه الآلية كان تمويل الجانب الاستثماري في الموازنة العامة، يوضح الحداد أن قيمة أذون الخزانة استخدم من قبل الحكومات السابقة التي أمعنت فيها، في تمويل العجز العام في الموازنات السنوية وترتب على ذلك حرمان القطاع الخاص من الحصول على التمويلات اللازمة لتنفيذ الخطط الاستثمارية التابعة له، خَاصَّة وأن القطاع العام استحوذ على نصيب الأسد من تلك التمويلات واستخدمها في تمويل النفقات، واعتمد على التوسع في إصدار وبيع أذون الخزانة والتي تحولت إلى ظاهرة شهرية، وكانت النتيجة ارتفاع كبير للدَّين العام الداخلي، وارتفاع الفائدة على تلك الأذون.
استثمارُ ودائع عملائها:
وحول المستثمرين في أذون الخزانة، يبيّن الحداد أن البنوك التجارية والإسلامية كانت من أوائل المستثمرين في أذون الخزانة؛ بهَدفِ الحصول على الفوائد بشكل دوري، حَيثُ ذهبت لاستثمار ودائع عملائها في أذون الخزانة، رغم وجود مجالات أُخرى أكثر أماناً لاستثمار تلك البنوك، سواءٌ أكان من خلال تمويل القطاع الخاص بفوائد موازية للفوائد التي يحصل عليها من الاستثمار في أذون الخزانة أَو إنشاء مشاريعَ مربحة للبنوك مثل: إنشاء مدن سكنية أَو تمويل مشاريع استراتيجية والمشاركة فيها، موضحًا أن ما حدث كان سوءَ تقدير من قبل قادة البنوك خلال العقدين الماضيين، وكذلك استمرار الحكومات السابقة في إصدار أذون خزانة لتمويل نفقاتها، رغم علمها أن الاستمرار في هذه الآلية لم يعد مُجْدياً وآثارها السلبية أكبر من أية إيجابيات منذ ما قبل العام 2000م؛ ولهذا فَـإنَّ العمل كان مشتركاً بين الحكومة والمستثمرين.
وعن تداعيات آلية أذونات الخزانة، يقول رشيد الحداد: إن “خبراء الاقتصاد حذروا من وقت مبكر من تداعيات الاستمرار بهذه الآلية بالطريقة التي استحسنتها الحكومات السابقة، وكانت هناك أصوات تطالب بأن تخصص هذه التمويلات لإنشاء مشاريع خدمية على الأقل، ولكن تضخمت الآثار السلبية لهذه الآلية التي فقدت جدواها منذ وقت مبكر، وأصبح اليوم الدين العام الداخلي عبئاً كبيراً، ويتهدّد مستقبل اليمنيين، بل إن الفوائد السنوية للدين العام بشكل عام بلغت وفق موازنة عام 2014، نحو نصف تريليون ريال يمني وقرابة ملياري دولار، وهو ما يؤكّـد أن هذه الآلية أصبحت أحد أسباب العجز العام في الموازنة نتيجة الأعباء المالية المترتبة عليها، فمثلاً في العام 2014، بلغ فوائد الدين العام، 64.2 % من إجمالي الإيرادات العامة، و34.6 %، من إجمالي النفقات العامة للدولة واستحوذت مدفوعات الفوائد على نفقات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والبرامج الاستثمارية، يضاف إلى أن فوائد القروض الخارجية أَو الدين العام الخارجي التي بلغت عام 2016، نحو 606 ملايين دولار”.
وبحسب الحداد فَـإنَّ الدين العام الداخلي تساهم فيه أذون الخزانة نحو 37 %، وكذلك السندات الحكومية التي تشكل 22 %، ويبقى مديونية الحكومات هي الأعلى.
إذن كان ينبغي على الحكومات السابقة إيجاد بدائلَ أكثرَ فاعلية وجدوى من آلية أذون الخزانة التي فشلت وتحولت إلى تحديات تحول دون تنفيذ أية خطط تقود إلى التعافي الاقتصادي، مؤكّـداً أنه لو تم استثمار تلك الأموال في إنشاء مشاريع خدمية من خلال تمويل الجانب الاستثماري في الموازنة كانت الآثار ستكون إيجابية.
قروضٌ وسيطرة:
وامتداداً للاقتصاد الوطني الذي تم فيه استهداف الشعب اليمني بعملية الربا، يقول الجعدبي: “إن العدوان الأمريكي الصهيوني ركز على الربا في القطاع الخاص أَيْـضاً، حَيثُ تدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بما يسمى أذرعهم الممتدة إلى القطاع الخاص عبر مؤسّسة التمويل الدولية التي تهتم بالقطاع الخاص عن طريق القروض، وهي عبارة عن قروض ربوية ولديها فوائد كبيرة يتحصل عليها الأمريكي بشكل مباشر.
وعلى سبيل المثال فَـإنَّ القروض التي يتم منحها للقطاع الخاص من البنك الدولي أَو مؤسّسة التمويل الدولية، جعلت المؤسّسة الدولية تدير أكثر من 35 من أكبر الشركات سواء مصانع الدقيق أَو السكر أَو الألبان وكذلك مصانع المياه المعدنية عن طريق مجموعة من القروض منحتها لها بفوائد ربوية عالية، وهذه الفوائد تنعكس على أسعار السلع والمنتجات على شكل تكلفة، وبالتالي يتحمل المواطن اليمني دفع الربا في كُـلّ سلعة يشتريها، سواء الدقيق والقمع والسكر والألبان حتى في الخبز الخاص أَو الروتي”.
ويوضح الجعدبي أنه تم إبرام هذه القروض عندما كانت أسعار الدولار منخفضة وبالتالي حتى مع ارتفاع أسعار الدولار في ظل التضخم المستورد الذي يأتي من الخارج على شكل مدخلات خام أَو مدخلات المنتجات الخام، وبالتالي تتحول هذه المبالغ إلى تكاليف كبيرة تعكس على سعر المنتج ويتحملها المواطن وبالتالي يجب أن تتم معالجة مشكلة الربا.
معالجة مشكلة الربا:
وبخصوص معالجة مشكلة الربا، يؤكّـد الجعدبي أن معالجة مشكلة الربا تتم عن طريق تحويل هذه القروض إلى مساهمات، بمعنى يحدّد كم القرض على كُـلِّ مصنع، ونحوله إلى مساهمات يساهم فيها أبناء الشعب اليمني عن طريق شركات المساهمة بدلاً عن أن تدفع فوائد ربوية وحرباً مع الله تتحول إلى أرباح للمساهمين، وبالتالي يجب اتِّخاذ كثير من إجراءات المعالجة، أهمها: التخلص من الحرب مع الله وإيقاف كُـلّ أذونات الخزانة الأمريكية بشكل كامل، سواء في الجهات الحكومية أَو للبنوك التجارية، هذا بنسبة للاقتصاد الوطني.
أما فيما يتعلق بمعالجة مشكلة الربا في القطاع الخاص، يقول الجعدبي: “يتم حصر المبالغ الربوية عن طريق وزارة الصناعة والتجارة وهيئة الاستثمار وكلّ الجهات المختصة، وثم عمل شركات مساهمة تساهم بها وتحويلها من عمليات ربوية إلى عمليات مساهمة يستفيد منها المواطن”.
وفي إطار المعالجة للاقتصاد -بحسب الجعدبي- التحول إلى الاكتفاء الذاتي ومنع استيراد أية مدخلات خام طالما والمدخلات الخام تتوفر لدى الشعب اليمني، والتخلص من أعباء الفوائد والتحول إلى الاقتصاد الحقيقي عن طريق منع تصدير الذهب والتحول إلى الاستخراج الكامل للذهب والفضة، وبالذات خلال عملية الانهيار للبنوك الأمريكية والتخلص من النظام المصرفي المالي الصهيوني الذي ينهار وبإذن الله أنه على انهيار بشكل كامل.
وعَمَّا تسمى بخطط الإنقاذ الاقتصادي الأمريكي الذي كان يتشدق باسم الإنتاج المحلي، يؤكّـد الخبير الاقتصادي الجعدبي أن خطط الإنقاذ الأمريكية كان يتم التركيز فيها على مصانع عبارة عن مصانع للتعبئة والتغليف فقط، أما كُـلّ المدخلات فهي كانت من الخارج، وبالتالي يتحمل الشعب كُـلّ تكاليف الاستيراد، وبالعكس أحياناً يكون المستورد بهذه الطريقة أفضل من المنتج؛ لأَنَّ المنتج يحمل أعباءً إضافية؛ كونه لا يعتمدُ على عملية الاكتفاء الذاتي، موضحًا أنه يوجد لدينا الكثير من مصانع البقوليات ويتم -حتى خلال الفترة القليلة الماضية- استيرادُ سفنٍ من الفاصوليا والفول والعتر وهذا يدمي القلب ولهذا يجب أن تحول إلى الاكتفاء الذاتي.
وتطرق الجعدبي إلى الاستهداف الأمريكي للشباب ووفق ما جاء في خطاب السيد القائد قائلاً: “ركّزت أمريكا على الشباب في اليمن والدول الإسلامية والعربية الذين يعتبرون عماد أية ثروة اقتصادية، وتم تدميرهم تدميراً ممنهجاً عن طرق المخدرات والترويج لها، وكذلك الحرب الناعمة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي كان هذا أبرز الاستهداف الأمريكي، مُضيفاً أن أمريكا وحلفائها جعلت بعد ذلك من أسواق اليمن والوطن العربي عبارة عن أسواق لمنتجاتهم، وبالتالي تم تدمير عملية الاكتفاء الذاتي في اليمن منذ قيام الخائن عفاش بتدمير الزراعة وكل المجالات الاقتصادية وتحويل اليمن من دولة منتجة إلى مستوردة، وجعل الشعب يعتمد على القمح المستورد الذي كان يُعطَى على شكل هبات أَو منحة مجانية حتى اعتمد عليها المزارعون وتكاسلوا عن عملية الزراعة، وفي الأخير تحولنا إلى بلد مستهلك بدلاً عن بلد منتج ويصدر إلى الخارج”.
نهب بحماية أمريكية:
وفيما يتعلق بنهب ثروات الشعب اليمني، وفق ما ذكر قائد الثورة بأن الأمريكي والصهيوني حرص على أن ينهب ثروات الشعب اليمني، يقول الجعدبي: “إن عملية النهب للثروات تمت عبر طريقتين، الأولى الطريقة المباشرة وهي عن طريق الشركات الأمريكية أَو عدد القطاعات الموجودة في اليمن حوالي 112 قطاعاً لا يتواجد منها أَو يتم الإنتاج منها سوى من 12 قطاعاً و13 قطاعًا أَيْـضاً تحت الاستكشاف وكل الشركات التي تدير القطاعات معظمها أَو 100 % أمريكية وأُورُوبية ما عدا شركتي صافر وبترومسيلة التي تم خصخصتها فيما بعد، ووجدنا ونحن نتحرى عن الشركات أن هناك شركة تتبع وزارة الدفاع للكيان الصهيوني وهي شركةٌ تحت مسمى كوريف للغاز المسال، وبالتالي تواجدت شركة هنت وشركة توتال الفرنسية وتواجدت شركات كنديات وشركات كلبالي القبرصية وتواجدت شركة نمساوية كانوا ينهبون ثرواتِ الشعب اليمني و75 % من الإيرادات تذهب إلى هذه الشركات بشكل مباشر، وهي الطريقة التي تحدث عنها قائد الثورة عن طريق نهب الثروات، أما الطريقة الثانية فهي غير المباشرة وتمت عن طريق زرع العملاء لمدة 30 عاماً، وبالتالي كانوا يتلاعبون باتّفاقية المشاركة في الإنتاج والتلاعب في كُـلّ ما كان من شأنه تسهيل عملية نهب ثروات الشعب اليمني سواء في النفط والغاز أَو المعادن وتحويلها إلى أمريكا وحلفائها”.
وفي السياق ذاته يؤكّـد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن أمريكا مهتمةٌ باليمن، حَيثُ يواصل السفير الأمريكي ستيفن فاجن زياراتِه إلى حضرموت وشبوة بشكل كبير، والسبب يعود إلى الاحتياطات النفطية الضخمة التي تتواجد في تلك المحافظات النفطية، موضحًا أن أمريكا لا تزال تتحكم بمنابع الغاز المسال في قطاع جنة هنت في عسيلان رغم انتهاء اتّفاقية الشراكة مع هنت الأمريكية في منتصف العام ٢٠٠٥، ولعل ردةَ الفعل الأمريكية على قرار القيادة الثورية والسياسية منع نهب الثروات الوطنية يؤكّـدُ أن عمليةَ نهب كبير كان يجري بحماية أمريكية وتنفيذ إماراتي من حقوق النفط المنتجة في شبوة وحضرموت.