رسائلُ سياسيةٌ وعسكرية من المناورة العسكرية اليمنية الجديدة..بقلم/ محمد علي الحريشي
نفذت وزارة الدفاع بحكومة الإنقاذ الوطني للجمهورية اليمنية مناورة عسكرية تكتيكية كبيرة في المنطقة العسكرية الرابعة، المناورة تحاكي حرباً هجوميةً ضد المواقع الافتراضية للعدو الأمريكي والصهيوني، اشتركت في المناورة العسكرية مختلف التشكيلات القتالية وأنواع متعددة من الأسلحة وشملت منطقة جغرافية واسعة تمتد لأكثر من (100) كم مربع.
فما هي الرسائل السياسية والعسكرية التي أرادت صنعاء إيصالها وما هي الجهات التي توجّـه إليها مثل هذه الرسائل القوية؟
المناورة بقدر ما هي تدريبات عسكرية تندرج في إطار البرنامج التدريبي للقوات المسلحة اليمنية، لكنها تحمل عدداً من الرسائل الموجهة لتحالف العدوان، خَاصَّةً في هذه الأوقات الحساسة التي تبذل فيها الإدارة الأمريكية جهوداً سياسية وتمارس ضغوطاً مكثّـفة؛ مِن أجل إفشال التفاهمات اليمنية السعوديّة التي تتم بوساطة عمانية والتي حقّقت خطوات متقدمة.
أمريكا أظهرت انزعَـاجاً كَبيراً إزاء الخطوات المتقدمة في الحوار الذي رأت فيه تقويضاً خطيراً لقبضتها في المنطقة وخروجاً عن سياسة الهيمنة التي تريد الإمساك بكل الملفات بيدها وتحريكها وفقاً لمصالحها، كما رأت أن اليمن يحقّق مكاسباً سياسية مع الجانب السعوديّ بفرضه الشروط التي أصر على تلبيتها أثناء الحوار قبل الشروع في نقاش الجوانب السياسية، أمريكا تريد خلط الأوراق وعرقلة الحوار اليمني السعوديّ؛ مِن أجل إطالة معاناة اليمنيين واستمرار الحصار والمماطلة في تسليم المرتبات للموظفين المدنيين والعسكرين، فهي تقدم مقترحات لا تخدم العملية السلمية ولتنهي العدوان والحصار وتبعاته وتأجيل مناقشة موضوع المرتبات إلى المرحلة التالية، المقترح الأمريكي هدفه ترحيل بند المرتبات ربما لسنوات قادمة وربطه بالتوافق بين القوى السياسية اليمنية بما فيها الجماعات والأحزاب المنضوية في صفوف التحالف التي لا تمتلك قراراتها وتتلقى التوجيهات من المشغل الأمريكي.
القيادة اليمنية في صنعاء تعي جيِّدًا الألاعيب والنوايا الأمريكية الشريرة في إطالة أمد العدوان والحصار وعدم رغبتها إحلال السلام، أعلنت صنعاء انزعَـاجها من المساعي الأمريكية لإفشال الوساطة العمانية وأعلنت موقفها الرافض للمساعي الأمريكية، أرسلت صنعاء عدة رسائل تحذر فيها النظام السعوديّ من الانجراف نحو الضغوط الأمريكية والتراجع عن التقدم الذي جرى في رمضان الماضي مع الوفد السعوديّ في صنعاء.
اليوم صنعاء ترسل رسائل قوية بمناوراتها العسكرية وهي موجهة بالدرجة الأولى للجانب الأمريكي ومن خلفه كُـلّ من بريطانيا والكيان الصهيوني المحتلّ مفادها أن مقترحاتكم للسلام مرفوضة ولن يتم التعاطي معها ولن يلتفت إليها؛ لأَنَّها تتعارض مع مصالح اليمن.
السعوديّة أَيْـضاً لها نصيب من الرسائل السياسية والعسكرية من المناورات، وهي الجهوزية العسكرية في حالة تراجعها عن تعهداتها التي قطعتها على نفسها في رمضان الماضي بصنعاء بحضور الوسيط العماني.
هناك رسائل أُخرى موجهة لمجاميع المرتزِقة في الساحل الغربي وفي المحافظات الجنوبية المحتلّة في حال فكرت بعمل أية اختراقات عسكرية في مناطق التماس وحاولت التقدم عسكريًّا بدعم أمريكي.
هناك صراعات دولية محتدمة بين محور أمريكا وحلفاءها في الناتو من جهة وبين روسيا والصين ومحور المقاومة من جهةٍ أُخرى، أمريكا لا تريد وضع نهاية للعدوان على اليمن وتريد إطالة حالة اللا سلم واللا حرب مع استمرار الحصار وتعطيل الحياة الاقتصادية حتى تتحسن الأوضاع الدولية لصالح المحور الأمريكي، وبالتالي تعاود العدوان على اليمن منتشية بالنصر السياسي والعسكري على خصومها (روسيا والصين) وهي ترى في وضع نهاية للعدوان وإحلال السلام يجعل اليمن يخرج منتصراً من الحرب ويحقّق مكاسب سياسية وعسكرية، هذا يعني من وجهة النظر الأمريكية هزيمة حلفاءها وخروج اليمن عن نطاق هيمنتها ونفوذها وفقدانها لمصالحها في البحر الأحمر وباب المندب ويكون ذلك على حساب خصومها الصين وروسيا، أَيْـضاً لا نغفل قلق صناع القرار في البيت الأبيض الأمريكي على أمن كيان الاحتلال الصهيوني الذي يعتبر استقرار الأوضاع في اليمن يشكل تهديداً لأمن الكيان المحتلّ، لا نغفل هذه النقطة في الحسابات الأمريكية، التوجّـهات الأمريكية لعرقلة الوساطة العمانية هي توجّـهات جدية سوف تقوم بعرقلة السلام بكل طاقاتها وقدراتها ولا ينفع معها أنصاف الحلول وكذا التزامها بحماية الكيان الصهيوني.
على السعوديّة تحديد خياراتها والمضي في الوساطة العمانية حتى تكتمل أهدافها وبالتالي سوف تفقد أمريكا الرافعة التي تحاول من خلالها استمرار العدوان والحصار على اليمن، هذا هو الخيار الصحيح والذي أتوقع أن تسلكه السعوديّة، الخيار الثاني لا تستطيع تحمل نتائجه ولا يتماشى بالتوازي مع تطور العلاقات السعوديّة الإيرانية، ومن خلف تلك العلاقة علاقات السعوديّة بكلٍ من روسيا والصين التي بدأت تمشي بخطى متقدمة، فالنظام السعوديّ يؤمل في علاقاته مع إيران استقرار نظامه، وتطور علاقاته مع الصين يلبي طموحات ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان بتحقيق قفزات اقتصادية كبيرة سوف يكون للشركات الصينية والروسية الدور الكبير في تحقيق تلك الطموحات والأهداف، نظراً لتلك العوامل لن تغامر السعوديّة في الاستجابة للمطالب الأمريكية وسوف تمضي بخطى هادئة لمواصلة التفاهمات مع صنعاء والتوقيع على اتّفاق ينهي العدوان ويدخل المنطقة في مرحلة جديدة.
هنا تتقلص الخيارات الأمريكية وتحترق أوراقها التي تراهن عليها في قلب الموازين داخل الساحة اليمنية لصالح عملاءها.
المناورات العسكرية اليمنية أوصلت رسائلها وسوف ينتج عنها امتناع النظام السعوديّ عن الاستجابة للمطالب الأمريكية لعرقلة السلام، سينتج عنها أَيْـضاً أن العملاء والمرتزِقة في المناطق المحتلّة سيعيدون حساباتهم مرات ومرات قبل الإقدام على تنفيذ أية مغامرات تعجل بزوالهم وتواجدهم في المناطق المحتلّة.
أمريكا سوف تظل تمارس مزيداً من الضغوط ولكن حينها سوف تجد نفسها وحيدة ولن يستجيب لها أحد، وهي أمام خيارين إما أن تغير سياساتها وتعترف بهزيمتها أَو أمامها الخيار الآخر وهو المواجهة العسكرية مع اليمن، وبالتالي تحمل العواقب في تدمير قواتها العسكرية بعرض البحر، لن تستطيع تحمل هذا الخيار المر الذي ستكون عواقبه وانعكاساته وخيمة على الداخل الأمريكي وعلى مستوى صراعها مع القوى الدولية الجديدة الصاعدة مثل روسيا والصين.
على الشعب اليمني أن يكون مستعداً لكل الاحتمالات ومزيداً من التعبئة والاستعداد للتنكيل بأعداء الله حتى يتحقّق السلام وينتهي العدوان والحصار.