الصرخةُ: شعارٌ أطلقه الشهيد القائد فأصبح منارةً للأُمَّـة.. بقلم/ حسام باشا
في مطلع العام 2002م، كانت الأُمَّــة العربية والإسلامية تعيش واقعًا مزريًا، مع تحديات كبيرة تعصف بها في بيئة تسيطر عليها حالة التيه، وزمن أخرست فيه الألسن وأُصمت فيه الآذان وأُبكمت فيه البصائر، حَيثُ نجح الأعداء في حرف مسارِ الأُمَّــة وقرارها وثقافتها.
حينها، ظهر موقف مختلف وصوت حر يُطرق أبواب الأُمَّــة، حَيثُ أطلق السيد حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه) مشروعه القرآني، والذي قاده بالصرخة في وجه المستكبرين، وبالدعوة إلى البراء من أعداء الله وبالتمسك بالهُــوِيَّة الإسلامية المحمدية الأصيلة، واستطاع أن يحدّد للأُمَّـة هُــوِيَّة الأعداء (أمريكا وإسرائيل) ودورهما الشيطاني في المنطقة، لتبرز بذلك دورة الإيمان والجهاد ضد أعداء الله، والتي صارت رمزاً للثورة اليمنية ومنطلقا للحق في قلب الأُمَّــة.
لقد كان ولا يزال ذلك المشروع القرآني، المرتبط بمعاني الإسلام الأصيلة وبالهُــوِيَّة الإيمانية وقيمها هو الدافع الذي يدفع اليمنيين لتحقيق النصر على أعدائهم، واليوم نرى الشعب اليمني وهو متمسك بالأهداف التي رسمها الشهيد القائد، يمضي قدماً بالتعاون والتضامن مع جميع أحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية في هذه الرحلة الطويلة من طريق المواجهة الفعلية مع أعداء الله.
في ذلك الوقت، في زمن التيه، والصمت والخذلان، لم يملك الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) سوى قلبه وروحه، لكنه بحكمته وصوته النابض بالحق وبهديه ودروسه ومحاضراته وملازمه، وعلى الرغم من الحرب التي تعرض لها والحصار والتنكيل ومحاولات وأد مشروعه القرآني بالمهد، إلا أن الله أبى إلا ليتم نوره ولو كره الكافرون.
لا شك أن السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- يُعتبر منذ صغره مدرسةً في ثقته بالله وبالإيمان، حَيثُ حافظ على ارتباط وثيق بالله العزيز، وسعى دائماً لتوعية مجتمعه بكتاب الله الكريم، وبفضل هذا الارتباط الوثيق، تمكّن من تجسيد الإيمان والتفاني في حياته اليومية، سواء من خلال أخلاقه الحسنة أَو من خلال قيمه المستقاة من القرآن الكريم، ولهذا أصبح رافداً أَسَاسياً للعلم والمعرفة، يتقاطر إليه الناس من قرى صعدة وما حولها لحضور دروسه والاستماع لهديه رضوان الله عليه، وكما برزت نماذج كثيرة منه تأثر بها الأشخاص المحيطين به، وكانت كلماته دائماً مفعمة بالروحانية والرحمة والإحساس بالأمّة، وهو ما يدلل على عمق دينه وأعلميته وتقواه بشكل عام.
إن الشهيد القائد هو مهدي وهادي الأُمَّــة، وشجرة رفيعة تظلل إلى اليوم الأُمَّــة بأغصانها الطيبة، لذلك فَـــإِنَّه حتى بعد رحيله سيظل حاضراً في قلوبنا، فهو نهج نبيل بيننا، وروح تجسد لنا معاني الدين، الوطن والحرية والكرامة.
حقيقية، لم تك نظرة الشهيد القائد لشعار الصرخة في وجه المستكبرين محصورة في ذلك المجلس الذي احتضن أول صوت هتف بشعار البراءة من أعداء الله، إنما نظرة عالمية تحقّقت اليوم وشملت أرجاء المعمورة، وقد سبق أن أعرب -رضوان الله عليه- عن ثقته بتأثيرها العظيم، الذي سيتحَرّك بها المؤمنون، مستمدين منها العزم والقوة لمواجهة أعداء الله والأمّة في جميع توجّـهات الحياة بوعي ثاقب لا يقبل بالمساومة حتى بتوجيه واحد من توجيهات الله تعالى.
اليوم تمثل الصرخةَ في وجه المستكبرين بما تحمله من مضامين توجيهية مستمدة من القرآن الكريم لتحقيق البراءة من أعداء الله اليهود والنصارى وتحديد هُــوِيَّة الأعداء (أمريكا وإسرائيل) وإعلان العِداء لهم، منهجًا ومحطة لتهيئة الناس، حَيثُ تعبر عن موقف إيماني وسلاح رباني يكشف مخطّطات المستكبرين ويعري المنافقين، ويرسخ ثقافة أن العدوّ الذي تخشاه الأُمَّــة مهما كان قوياً وكَبيراً فَـــإِنَّ الله هو الأكبر، مما يولد في النفوس ثقافة الإيمان بقوة الله، ويعطي الأُمَّــة الثقة اللازمة لمواجهة عدوِّها في كُـلّ المجالات الحياتية، بل ويمنحها المنعة من الوقوع في المستنقع المظلم للعمالة والولاء لأعدائها، فهو إذ يؤدي إلى تحقيق البراءة من أُولئك الأعداء، فَـــإِنَّه يجعل الأُمَّــة محصنة ضد مختلف أنواع الهيمنة والاختراقات، ويلعب دورًا كَبيراً في وضع البوصلة نحو العدوّ الحقيقي، مما يعد خطوة عملية في الاتّجاه الصحيح لمواجهة رأس الشر أمريكا وإسرائيل، وبذلك يتشكل شعار الصرخة على الأرض في شكل حضور حقيقي وتحدٍ نهائي لكل الأعداء الذين يحاولون النيل من أمتنا.
إن لشعار الصرخة في وجه المستكبرين أهميّة كبيرة للحفاظ على الثوابت الإيمانية ومبدأ الولاء لأعلام الهدى والبراء من أعداء الله، فهو يكشف حقيقة أمريكا وطغيانها وإجرامها وجبروتها، بالإضافة إلى أُسلُـوب اليهود الخادع في التضليل والدجل، ويعيد توجيه الوعي ويزيل أثار الثقافة المستوردة أَو المفروضة.
وفي ظل التطبيع الذي تقوم به الأنظمة العربية، فَـــإِنَّه يحصن من السقوط في مستنقع التطبيع مع إسرائيل، ويعمل على إخراج الأُمَّــة من حالة السكوت والخنوع إلى الموقف الحق، ويمنحها القدرة على مواجهة العدوّ على المستويات المختلفة، ويرفع من قدرتها ويجنبها الاستسلام للوصاية الخارجية، بل ويحثها على بناء الواقع المحصن من الاختراق وعدم الانحناء لأي نوع من أنواع الهيمنة، إلى جانب تحفيز الأفراد وتعبئتهم وإلهامهم بتبني المشروع الجامع للاستنهاض وتصحيح الوضع الذي تتخبط فيه الأُمَّــة.
كما يستند ذلك الشعار على ركائز متينة وحقائق واقعية، حَيثُ يؤكّـد على ضرورة العودة إلى القرآن الكريم والتمسك بالإسلام وترسيخ الانتماء له، والتصدي لمؤامرات الأعداء والتوجّـه الصادق الذي ينسجم مع مصلحة الأُمَّــة ويحقّق لها عزتها وفلاحها واستقلالها ويحصَّنها من الأخطار المحتملة التي يتسبب بها أعدائها، وعلاوة على ذلك فَـــإِنَّ هذا الشعار يدعو إلى بناء مجتمع محصن وقوي، يُغلِق بابه بوجه الأعداء والمؤامرات ويكون عصياً على المحاولات الداخلية والخارجية الرامية إلى تدمير جسد الأُمَّــة ونفسيتها.
فالصرخة اليوم كوسيلة فعالة للدفع بالناس نحو الاستيقاظ والتحَرّك قد حقّقت نقلة نفسية ومعنوية وواقعية وعملية في واقع الأُمَّــة، إذ تمكّنت من تحطيم جدار الصمت الذي ظل لقرون يخيم على الأُمَّــة، وعملت على إخراج أمتنا من حالة السكوت والاستكانة إلى الموقف والمواجهة، وأوجدت حالة من السخط بين أوساط الأُمَّــة تجاه أعدائها، كما مثلت أدَاة فعالة في كشف وفضح الأمريكيين في أهم دعاياتهم، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، وسلطت الضوء على التحَرّكات الأمريكية في المنطقة وما ينجم عنها من معاناة ومآس، وبذلك لعب الشعار دوراً مهماً في كشف النفاق والتدجين، حَيثُ أصبح شعارًا لمقومات العدالة والحرية والدفاع عن المظلومين والمستضعفين، وبفضل تحول شعار الصرخة إلى ثقافة وتربية، بقيت بوصلة العداء بالاتّجاه الصحيح.
وبالتأكيد أن شعار الصرخة، الذي يعد أهم الشعارات في تاريخ الإسلام، والذي يتضمن رسالة واضحة وصريحة للعالم بأن الإسلام دين الصراط المستقيم، وأنه لن يرضى بأي شيء يخالف هذا المبدأ الأَسَاسي، سيظل حياً ونابضاً بالحياة ما دام هناك مسلمون يؤمنون بأهميته ويجدون فيه مصدرًا للعزة والكرامة وللوحدة والإخاء لمواجهة العدوّ المشترك أمريكا وإسرائيل.
لذلك وباعتبارها انعكاساً لحقيقة الأُمَّــة العربية والإسلامية التي تعاني من الوقائع المؤلمة التي خلقتها الصراعات الإقليمية والدولية، ستظل الصرخة في وجه المستكبرين شعارًا يقف عنده اليمنيون والمسلمون متخذين منها رمزًا لمقارعة قوى الهيمنة والاستكبار والتصدي لمحاولات تفريغ الأُمَّــة من مضمونها وهُــوِيَّتها والتحديات التي تهدّد وجودها.