اليمنيون الأحرار وشرف الاستثناء.. مواقف الأنظمة العربية أماتت شعوبها..بقلم/ حسن محمد طه*
رُوِّضَتْ غالبية الأنظمة العربية خلال العقود الأخيرة على القبول بالذل في ظل الأوضاع المتأزمة ومشاهد الدمار والتدمير والقتل الجماعي، وتراجعت مشاعر الرحمة وروح المسؤولية ودوافع الإيمان والإخوة التي كان المفترض أن تتحَرّك في نفوس حكام تلك الأنظمة لتحَرّك معها الشعوب العربية والإسلامية لنصرة المستضعفين منها.
ولأن (الشعوبَ على دينِ ملوكها) كما يقول المَثَلُ العربي الأصيل، فَــإنَّ غالبيةَ الشعوب العربية والإسلامية تسير تبعاً لأنظمتها؛ فتدير ظهورها غير مكترثة للظلم والجور والقتل والتجويع والتشريد والحصار بحق مناطقَ عديدة، وبعض الشعوب استهدفت بأكملها، ولا يزال مسار الترويض يتوسع في مختلف الشعوب، باستثناء أحرار اليمن الذين غيّروا واقع الذل إلى مشهد الانتصار للعزة والكرامة؛ بفضل صمودهم خلف قيادتهم الثورية والسياسية.
وَما يؤسف له في حال شعوب أمتنا العربية والإسلامية، أن غالبية أبنائها لا يعرفون ما يدورُ في محيطهم العربي والإسلامي من أحداث كبيرة وحروب وقتل وتدمير ممنهج، رغم أنهم في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، التي لا يخلو منزل من حضورها، غير أن الجميع يتابع الوسائلَ الممولةَ من الدول الاستعمارية ذات المحتوى الكفيل بتغيير الفكر والهُــوِيَّة بالتدرج للوصول لمرحلة فقدان الحمية والغِيرة.
وفي أحسن الأحوال نجدُ أعلى مستوى لاهتمامات الشعوب العربية وَأكثر تفاعل نجدُه مع مباريات الأندية الأُورُوبية والمسلسلات المدبلجة والحملات الانتخابية خارج الوطن العربي وبشكل ملفت نراها تحتلُّ صدارةَ الترويج والتداول على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات، حتى في نفس الساعات التي تتعرض مدينة غزة وأبناء فلسطين (المنتمون للعروبة والإسلام) لهجمات عدوانية من طائرات جيش الاحتلال الصهيوني، إلا أحرار الشعب اليمني، فقد كان لهم شرف الاستثناء في مواجهة قوى الاستكبار وأدوات الاستعمار.
ليس لدى الحكام العرب متسع من الوقت للتفرغ لإدارة وتنفيذ أقل نسبة من الخطط والبرامج الاقتصادية والتنموية والخدمية التي تخفف من معاناة شعوبهم؛ نتيجةً لاعتكافهم المفرط في تنفيذ مهامهم (ذات الأولوية) والمتمثلة في إدارة الأزمات والحروب في دول (شقيقة) وتوسيع دوائر الانقسامات والتباينات والنزاعات (البينية)؛ ما غَيَّبَ المواقفَ المشرِّفة، والأعمال والمشاريع الجامعة، وأصبحت الأهدافُ العربية المشتركة غيرَ واردة في قائمة اهتماماتهم.
الأخطرُ في مشهد الجمود الماثل على الساحة العربية أن الشعوب نفسها لم تتحَرّك لرفض تلك السياسات، بل دخل الجميع في سُباتٍ عميق؛ ما يجعل من المهم البحثَ الواعيَ في أسباب تراجع تطلعات واهتمامات الشعوب العربية التي كانت تخرج للتعبير عن رفضها لسياسة الحكام ومواقفهم من القضايا العربية المصيرية، وفي مقدمتها (فلسطين) أَو أية دولة عربية أَو إسلامية.
وإذا كانت الأنظمة الحاكمة قد خلعت رداء القومية وحذفت من قوائم برامجها ما يتعلق بمصالح الشعوب واستبدلتها بحزمةٍ من البرامج والخطط المجهزة مسبقًا من عواصمَ غربية وشرقية للتنفيذ فقط، فَــإنَّ واقعَ الشعوب مؤسف ومحزن؛ فلا نرى للمكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني أي تحَرّك ولا مواقفَ مؤثرة رغم فارق الإمْكَانيات بين الماضي واليوم؛ فكل وسائل الإعلام متوفرة: قنوات فضائية والإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي (بشكل خاص).
ومن يقرأْ -بعين فاحصة، وبصيرة نافذة- مشهد النكوص العربي في القضايا القومية يدركْ جيِّدًا أن السبب الرئيسي لغياب دور المكونات والنخب السياسية والأكاديمية والاجتماعية والمرجعيات الدينية والأدباء والتربويين والمثقفين والفنانين والاتّحادات الطلابية في الوطن العربي يرجعُ إلى عدم التفافهم وتمسُّكِهم بالمشروع القرآني العظيم ومنبع الهدي النبوي الصافي، الذي أراده الله لنا ومضى عليه رسوله وتركه للأُمَّـة من بعده.
وعند هذا السبب تتجلى أهميّة موقف الشعب اليمني الذي خصَّه اللهُ بشرف الاستثناء في التفاعُلِ مع قضايا الأُمَّــة العربية والإسلامية، وهو في حالةٍ أحوج ما يكون فيها للنُّصرة والمساندة ورفع عنه ظلم العدوان والحصار الجائر منذ أكثر من 8 أعوام، ومع ذلك تميز الشعب اليمني الحر عن بقية الشعوب خلال العقد الأخير بتوأمة وتوحيد الموقف الشعبي والرسمي وأصبح موقف الشعب اليمني الحر هو المعبِّر عن موقف الأحرار في بقية الشعوب العربية.
ومن المؤكّـد أن هذا الموقفَ ما هو إلا نتيجةٌ لموقف رفض الهيمنة والطغيان وانطلاق مشروع الصرخة في وجه المستكبرين الذي أطلقه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-؛ ليكسرَ حاجز الخوف والخنوع من قلوب وعقول اليمنيين، وعلى بقية الشعوب الحرة أن تتجاوز تلك الحواجز وتعلنَ موقفها من أعداء الله وأعداء الأُمَّــة من منطلق إيماني؛ لتحظى بتأييد ورعاية الله، وتجبر العدوّ على إيقاف تنفيذ أجندته وخططه التآمرية على شعوب الأُمَّــة الإسلامية.
* عضو مجلس الشورى