حيثياتٌ واضحة ودلائلُ دامغة ونتائج تبدد آمالَ العدوّ في مسار استراتيجي متواصل
شعار الصرخة بعد عقدَينِ من الزمان
المسيرة: محمد يحيى السياني
شعارُ البراءة من أعداء الله الصرخة في وجه المستكبرين، الذي أطلقه الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في العام 1422هـ – 2002م في إطار مشروعه القرآني الرادع لمخطّطات واشنطن التوسعية الاستعمارية آنذاك والمُستمرّة حتى اليوم، فكان لهذا الشعار حيثياته وأسبابه ودافع التحَرّك من خلال خطورة المرحلة التي كانت تمر بها الأُمَّــة الإسلامية حينذاك والتي تزامنت مع مسرحية ما يعرف بـ”أحداث الـ 11من سبتمبر” 2001م التي خلقتها أمريكا لتكونَ الذريعةَ والمبرِّرَ للتحَرّك عسكريًّا مع حلفائها لغزو أفغانستان واحتلالها في أواخر العام 2001م تحت عنوان “الحرب على الإرهاب” والرد على أحداث 11 سبتمبر (المسرحية) بإعلان انتشار عسكري في المنطقة والإقليم، فكان التزامن التاريخي لإطلاق الصرخة في وجه المستكبرين عند تلك الأحداث وطبيعة تلك المرحلة مع انطلاقة المشروع القرآني وإعلان ورفع الشعار وما تلاها من تحَرّكات عسكرية وسياسية لأمريكا وحلفائها في المنطقة، ومن أبرزها غزو العراق في العام 2003م.
مفرداتٌ تسد أبواب الجدل.. الشعار كحاجة ملحّة:
هذه التحَرّكات العدائية والأعمال الإجرامية لأمريكا وإسرائيل تجاه الأُمَّــة أعطت صوابية وصحة المشروع القرآني وشعار الصرخة، الذي تمثل بعبارات موجهة ومصوبة إلى الأعداء الحقيقيين للأُمَّـة الإسلامية أمريكا وإسرائيل؛ فكان هذا الربط متوافقاً تاريخيًّا للمرحلة ومناهضاً للمشروع الصهيوأمريكي الذي يستهدف الأُمَّــة، ومن خلال ما شهدته تلك المراحل وُصُـولاً إلى اليوم يتأكّـد أن المشروع القرآني النهضوي كان حاجة ملحة وليس حاجة عابرة؛ ولذلك فالشعار موقف وصرخة تعبر عن موقف ديني وليست عملاً حزبياً أو طائفياً وعباراته مستوحاة من القرآن الكريم قال تعالى: «وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ومصداقاً لحديثِ الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في الأمر لأمته بموالاة أولياء الله ومعادَاة أعدائه من اليهود والنصارى، وأن تكون هذه المسألة ظاهرة ومعلنة من الأُمَّــة تجاه أعداء الله؛ فالشعار بدأ بعبارة “الله أكبر”؛ ليقدمها ثقافةً ويرسِّخها وعياً وإيمَـاناً، في مرحلة حرصت فيها أمريكا وإسرائيل ومن معهم من قوى النفاق والعمالة على أن يرسخوا في قلوب الناس أن أمريكا أكبر من كُـلّ شيء وعلى الشعوب أن ترهبها وتخضع لها فوق كُـلّ شيء.
ثم تأتي عبارة “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” في مرحلة أرادت منا أمريكا وإسرائيل والمنافقين والعملاء أن نقدس أمريكا ونترك لها المجال؛ لكي تفعل بالأمّة ما تشاء وتريد؛ وهو ما كان قد حصل بالفعل عندما ذهب كُـلّ زعماء العرب والمسلمين ليعلنوا الولاء لأمريكا والخضوع أمام توسعاتها واحتلالها لأي بلد في المنطقة، وكانت بلادنا آنذاك قد شهدت بدايات الاحتلال الأمريكي المباشر؛ ما زاد من وتيرة التحَرّك الفاعل بسلاح الصرخة كمشروع عمل استراتيجي ينتهي عند تفتيت مؤامرات أمريكا، فأمريكا وإسرائيل تريد لهذه الأُمَّــة الموت في كُـلّ المجالات والحالات قتلاً وخضوعاً واستسلاماً وعجزاً وانهياراً، والموت بكل أشكاله المعنوية والفعلية الحقيقية أيدت ذلك وساندته الكثير من الشواهد والأدلة التي تثبت وتدين أمريكا عن جرائمها التي ارتكبتها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وبلدان أُخرى، وما تفعله ربيبتها في المنطقة إسرائيل من جرائم بشعة وقتل وتدمير وتشريد للشعب الفلسطيني واحتلال أرضه لأكثر من سبعين عاماً.
ثم تأتي عبارة “اللعنة على اليهود” فالله سبحانه وتعالى قد لعنهم على لسان أنبيائه في كتابه الكريم فهم حقاً وعبر التاريخ المفسدون في الأرض ومنبع الشر والإجرام والتآمر على الأمم الأُخرى، واختتم الشعار عباراته بعبارة “النصرُ للإسلام”؛ لأَنَّ الأعداء يسعون أن يكون الإسلام مشوهاً وأن يرسخوا على مستوى الذهنية العالمية بأنه دين الشر ومنبع الإرهاب وأنه دين الهزيمة، ولذلك ومع الحاجة الملحة لإعلان مشروع وشعار ضد أمريكا وأدواتها، فقد كان الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، حريصاً على اختيار الكلمات الجامعة لكل شرائح العرب والمسلمين؛ وبهذه العبارات سد كُـلّ المجالات أمام الجدل المفرغ المحتوى.
عقدان تؤكّـدان صوابية المشروع وفوز حامليه وسقوط محاربيه:
عقدان من الزمان منذ إطلاق شعار الصرخة في وجه المستكبرين عكستا عباراته حقيقة واقع الأُمَّــة الإسلامية وما تعاني منه جراء المؤامرات والحروب التي قادتها وشنتها أمريكا وإسرائيل ضدها وضد بلدانها، والتي كانت برهاناً واضحاً ودليلاً دامغاً على صوابية وفاعلية هذا الشعار تجاه أعداء الأُمَّــة الإسلامية.
الشعار الذي أطلقه الشهيد القائد في العام 2002م مع ثلة من طلابه والقليل من أنصار المشروع القرآني في ذلك الوقت وتلك المرحلة كانت أمريكا وإسرائيل وعبر نظامها العميل وأدواتها الداخلية (الجواسيس) تراقب عن كثب واهتمام وقلق كبير تحَرّكات الشهيد القائد وخطورة المشروع القرآني على مخطّطاتهم التآمرية وأطماعهم التوسعية في البلدان الإسلامية وفي اليمن على وجه الخصوص، وما ستسببه لهم هذه الصرخة من انزعَـاج وخوف من انتشارها وتوسعها في الداخل والخارج فأعطت أمريكا أوامرها وتوجيهاتها عبر سفيرها في اليمن حينذاك للسلطة العميلة بالتحَرّك بكل الوسائل والإمْكَانيات لإيقاف هذا المشروع وإسكات الهتاف بهذه الصرخة، وبدأت معها تحَرّكات السلطة العميلة والأدوات التابعة لشن حملات الاعتقالات للمناصرين للمشروع القرآني والمكبرين بشعار الصرخة وقامت بكل إجراءات المضايقات والاستفزازات التي كانت تمارس ضد الشهيد القائد وأتباعه المناصرين.
ولم تتوقف الحملات التعسفية التي كان يقوم بها النظام العميل ضد الشهيد القائد ومشروعه القرآني وضد الشعار، ووصلت مخاوف أمريكا وإسرائيل وقلقها الكبير إلى ذروتها؛ ما جعل أمريكا أن تدفع بالسلطة العميلة إلى أن تستخدم القوة العسكرية وتشن حرباً ظالمةً على الشهيد القائد ومن معه؛ بهَدفِ القضاء على المشروع القرآني وشعار الصرخة وأفضت هذه الحرب إلى استشهاد السيد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- مع أغلب رفاقه في العام 2004م وكانت هذه هي الحرب الأولى التي شنتها السلطة العميلة ضد المشروع القرآني بتوجيهٍ ودعمٍ أمريكي.
وبعد هذه الحرب ظنت أمريكا وعملاؤها في النظام السابق بأن استشهادَ الشهيد القائد واستشهاد أغلب رفاقه في هذه الحرب قد حقّقت هدفَ الحرب وتم القضاء على المشروع القرآني، إلَّا أن حساباتِهم كانت خاطئةً، وسقطت أوهامهم، وتبخرت آمالُهم، ومضت إرادَة الله سبحانه، وواصل المجاهدون بقيادة السيد القائد العَلَمِ عبدالملك بدرالدين الحوثي، المسيرة القرآنية والدرب الجهادي في التصدي لأدوات أمريكا وإسرائيل وفق المشروع القرآني وتوالت بعدها خمس حروب ظالمة على المجاهدين في محافظة صعدة، فكانت أمريكا هي من تحَرّك وتوجّـه النظام العميل وتدفعه بأن يشن هذه الحروب؛ مِن أجل القضاء على هذا المشروع وإسكات شعار الصرخة، وقد أكّـدت الوثائق التي نشرتها دائرة التوجيه المعنوي، العام الماضي أن الحروب على صعدة والمشروع القرآني كانت بتوجيه وإدارة واشراف أمريكي بامتياز.
لكن هذه الحروب برغم وحشيتها وجرائمها التي ارتكبها النظام العميل ضد المجاهدين وضد أبناء محافظة صعدة، فلم يستطع النظام السابق من خلال هذه الحروب أن يحقّق لأمريكا وإسرائيل أهدافها وآمالها في القضاء على المشروع القرآني وإسكات الهتاف بشعار الصرخة الذي كان يتنامى ويزداد قوةً وتوسعاً وانتشاراً وتخطى حدود صعدة حتى وصل هذا المشروع أغلب المحافظات اليمنية؛ فتزامنت هذه التحولات والمتغيرات خلال ثورة 11 فبراير 2011م وما بعدها وما تخللها من أحداث ومتغيرات على المستوى الشعبي وعلى مستوى تخلخل النظام وبداية التصدع والزوال حتى الوصول إلى المرحلة الفارقة في تاريخ الشعب اليمني والمسيرة القرآنية باندلاع ثورة 21 سبتمبر 2014م التي كانت الحاضنة الشعبيّة الأبرز للمشروع القرآني والتوسع الأكبر لشعار الصرخة، التي كانت صوت الثوار وهتافهم الذي أسكت وأخرس صوت السلطة العميلة وأسقطها إلى غير رجعة، وأنهت هذه الثورة مخطّطات أمريكا ووضعت حداً للوصاية الأمريكية على اليمن وأنهت دور سفيرها كمندوب سامي كان هو الحاكم الفعلي لليمن بعد أن علمت أمريكا بأن هناك وعيًا شعبيًّا يتصاعد تجاه مخطّطاتها وأنه لم يعد من السهل عليها احتواءه، ومع توسع المشروع القرآني الذي شكل قلقاً بالغاً على أمريكا وإسرائيل ودفع بأمريكا إلى الرحيل وإغلاق سفارتها في صنعاء وهروب جنود المارينز في بداية العام 2015م.
صرخة دوت أينما توجّـهت أمريكا.. مواكبة ومفارقات على المدى الاستراتيجي:
ومع رحيل واشنطن المذل من اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر عادت أمريكا وإسرائيل للبحث عن طرق ووسائل أُخرى لتركيع الشعب اليمني والعودة عبر بوابة الخونة والعملاء مرة أُخرى، فكان العدوان على الشعب اليمني الذي أعلن من واشنطن في العام 2015م، وكان هذا العدوان رغم بشاعته ووحشية جرائمه ضد الشعب اليمني كان أحد الرهانات الفاشلة للقضاء على المشروع القرآني وشعار الصرخة وثورة الشعب المباركة؛ فمُنِيت أمريكا وإسرائيل وأدواتها الإقليمية والمحلية بالفشل والهزيمة، بفضل تنامي الوعي الشعبي وحنكة وشجاعة القيادة وعظمة المشروع القرآني وفاعلية شعار البراءة والصرخة في وجه المستكبرين.
21 عاماً على إطلاق ورفع الشعار ودوي الصرخة في كُـلّ ميادين الجهاد في الجبهات العسكرية والتجمعات الشعبيّة والمناسبات الدينية والوطنية والمظاهرات والمسيرات الشعبيّة المختلفة، فسكنت الصرخة حناجر مكبريها وتعالت بالعزة والشموخ والإباء أصواتها وهتافاتها المدوية ليصدع صوت الحق عاليًا ويزهق الباطل ويهبط إلى الزوال وتحقّقت بفضل الله وتأييده تجليات حكمة رفع الشعار وأهميته وأهدافه التي أفرزت النتائج المختلفة، والتي منها أن الشعار حقّق نقلة نوعية على المستوى النفسي والمعنوي ونقلة واقعية وعملية وحطّم جدار الصمت وانتقل بالأُمة من حالة اللا موقف إلى حالة الموقف، ومثّل بداية مدروسة للمشروع القرآني وأوجد حالةً كبيرةً من السخط على أمريكا وإسرائيل.
كما أن الشعار هيأ للمقاطعة الاقتصادية التي تنهك العدوّ، فضلاً عن أن الشعار فضح الشعارات الأمريكية الزائفة في ادعائهم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير فانطلقوا لمواجهته وتحَرّكوا لإسكاته، كما أن الشعار بنى واقعاً محصناً من الاختراق، وقد أسّس لهذه المعركة بنية استراتيجية صلبة، فعلى مدى ثماني سنوات لم يستطع معها هذا التحالف العدواني تحقيق أي إنجاز أَو انتصار يُذكر؛ ففقدت بذلك أمريكا وإسرائيل كُـلّ عوامل قوة التأثير المباشر وغير المباشر على المشروع القرآني وشعار الصرخة والشعب اليمني كله، فخسروا وخابوا جميعاً وعلت الصرخة وانتصرت بقوة الله وتأييده، وما تزال الانتصارات تباعاً ومعها تتساقط مؤامرات أمريكا توالياً؛ ليتأكّـد للجميع أن المسار الاستراتيجي لهذا المشروع وُلِدَ لكي يقتل كُـلّ ما يحيكه الأعداء.