مناورةٌ عسكرية لحزب الله.. ومحاكاةٌ لعمليات نوعية.. الرسائل والدلالات
في ذكرى عيد المقاومة والتحرير الـ23..
المسيرة | متابعات
أجرى حزبُ الله مناورة عسكرية رمزية، الأحد، بالذخيرة الحية في أحد معسكراته في جنوب لبنان، استعرض فيها أسلحةً وصواريخ وآليات بمشاركة عناصرَ من مختلف الاختصاصات العسكرية، وذلك في الذكرى الـ23 لعيد المقاومة والتحرير.
وتزامناً مع هذه الذكرى الخَاصَّة بالانتصار الكبير للمقاومة في لبنان على الكيان الصهيوني، دعا حزب الله حشداً كَبيراً من الإعلاميين، لم يقتصر على وسائل إعلام محلية بل شمل أُخرى عربيةً وأجنبية على اختلاف انتماءاتها السياسية؛ للقيام بجولة في إحدى معسكراته في الجنوب بمحاذاة معلم مليتا، وذلك لمشاهدة عرض عسكري بالذخيرة الحية وبعضاً من عتاد المقاومة كالصواريخ وسلاح القناصة والمدفعية والمسيرات.
هذه المناورة الميدانية ودلالات توقيتها، وما تحمل من رسائل تحذيرية، شكَّلت محورَ متابعة وترقب من قبل العدوّ الصهيوني، بالتزامن مع انتهاكاته واعتداءاته على قطاع غزة والمسجد الأقصى، وحديث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن أهميّة معادلة “وحدة الساحات” على مستوى محور المقاومة، عقب المواجهة الأخيرة “ثأر الأحرار” التي خاضتها الفصائل الفلسطينية بكل شجاعةٍ واقتدار، والتي حقّقت أهدافَها لجهة ردع العدوّ، وتأكيد فشله في تدمير أَو لجمِ قوة المقاومة ووحدتها وقدرتها على الرد.
الرسالةُ للعدو الصهيوني أن المقاومة التي صنعت الانتصارات لم تتعب:
وعقب انتهاء الجولة التي شهدت عروضاً عسكرية ومناورات حية، أعلن رئيسُ المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين من مكان المناورة، أن ”مقاومة اليوم هي قوة ممتدّة ومحورٌ كامل سيبقى يتطور من غزة والضفة والداخل المحتلّ ولبنان انطلاقا من إيران”، متوجّـهاً للعدو بالقول: “التفكيك بين الجبهات خيالي”.
وفي تعليق على ما تم تداوله عقب إعلان حزب الله عن إجراء المناورة بأن الأخير سيعرض “سلاحاً نوعياً” خلالها، قال السيد صفي الدين: إن “ما عُرض اليوم هو جزء بسيط ومتواضع من جهوزية وقدرة المقاومة”، مؤكّـداً أن “العدوّ سيرى فعل الصواريخ الدقيقة في قلب كيانه إذَا ارتكب أية حماقة”، متوجّـهاً “لنتنياهو وفريقه الأخرق”، القول: “راقبنا قدراتكم جيِّدًا وعرفنا عجزكم عن أحداث معادلة جديدة لهث لها نتنياهو ولكنه فشل”.
وتابع السيد صفي الدين، أن “رسالتنا اليوم للعدو أن المقاومة التي صنعت الانتصارات مع شعبها لم تتعب ولم تتراجع رغم محاولتكم إخضاعها بكل أشكال الضغوطات السياسية والاقتصادية”، مؤكّـداً أن “الجُهُوزيةَ الدائمةَ كما طلب السيد نصر الله لمواجهة أي عدوان ولتثبيت معادلة الردع التي حمت لبنان وحمت ثرواته”.
وهنا أعلن السيد صفي الدين أن الأعين مفتوحة على ما تبقى من أرض محتلّة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر “حتى يكتب لها التحرير”، وتوجّـه بالتحية والتبريك للمجاهدين الأبطال الذين يرابطون في مواقع الفداء، بالقول: “عيد المقاومة والتحرير أنتم أيها المجاهدون صنعتموه مع كُـلّ الشهداء والمضحين”.
ولفت السيد صفي الدين إلى أنَّه “هنا، سُكبت الدماء، وهنا هُزم العدوّ الذي كان الظنّ يوماً أنه لا يهزم، وهنا بدأت كتابة التاريخ الجديد لوطننا وأمتنا بتحقيق الانتصار على الكيان الغاصب؛ إيذاناً ببدء الانتصارات”.
وختم رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله بالقول: “إن الوعود التي تحدثت عنها المقاومة، تتحقّق وعدًا بعد وعد، وإنَّ القدرات التي اتكأت عليها المقاومة، يمكن لشعبنا أن يتكأ عليها في لبنان وفلسطين وسورية وفي كُـلّ منطقة فيها مظلوم يواجه الهيمنة الأمريكية، وإن هذه القدرات موجودة وقوية وبإمْكَانها أن تفعل فعلها في كُـلّ زمان ومعركة وجبهة”.
رسائل ودلالات.. التوقيتُ والمكان وارتباطها بالحدث:
لقد حملت المناورة حزب الله العسكرية الكثيرَ من الرسائل والدلالات التي ترابطت مع التوقيت الزماني وتموضع المكان وعمقه من الحدث، في رسالةٍ، مفادُها: أن الصراع مع العدوّ الصهيوني مُستمرّ حتى التحرير الكامل، وأن حزب الله يؤكّـد عبر هذه المناورة موقفه الثابت والدائم من استمرار المقاومة وتحرير فلسطين، ويبرهن على حضوره إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته في ظل المؤامرات عليه.
كما أن من أهم الدلالات والرسائل التي يمكن أن نستخلصها من هذه المناورة، بل ومن كُـلّ مناورة لمكون من محور المقاومة، أن كُـلّ ما يعرض هو شيء رمزي، وأن القدرات الأهم -بالذات التسليحية- هي المفاجأة التي ستصعق العدوّ يوم الحسم، كما إنها تنعكس في إطار التكامل وتبادل التقنيات والخبرات فَــإنَّ كُـلّ القدرات التسليحية عند أي مكون أصبحت تتوافر مع بقية مكونات المحور.
تعمد حزب الله تنفيذ هذه المناورة الهجومية في جنوب لبنان وأرادها محدودة، بعد أن انتهت باقتحام مستوطنة ومحاكاة لأسر جنود “إسرائيليين”، كانت المفاجأة، أن تظهر أثناء عملية الأسر الآليّة ذاتها والتي نفّذ فيها أسر الجنود الصهاينة في حرب تموز 2006م، وهو ما حمل رسائل موجهة ليست من قبيل الحرب النفسية، فقد رأى فيها متخصصون أنها تهدف إلى تدمير وسحق نفسية العدوّ.
ومن الدلالات أَيْـضاً أن مناورة حزب الله في الجنوب اللبناني جاءت امتداداً لمقاومة فلسطين، ورسالة واضحة لعمق وترابط وحدة الساحات.
الأسلحةُ والعتاد الحربي المستخدم في المناورة الرمزية:
المناورة التي وصفها القادة الميدانيون جاءت في إطار الاستعدادات العسكرية للمقاومة اللبنانية في إطارها التدريبي والعملياتي، وتعزيز جهوزيتها القتالية، تخللتها الكثير من المهارات والقدرات القتالية والبدنية والمعنويات العالية للقوى البشرية المشاركة في المناورة، كما تخللها استخدام مهاري دقيق للوسائل والأسلحة القتالية المشاركة ميدانيًّا عكست مدى الارتباط الوثيق بين المقاتل والسلاح، ومنها سلاح المسيّرات التي نفذت محاكاة لهجوم على المستوطنات “الإسرائيلية” بكل حرفية.
كما لفت ظهر سلاح “ستوبور” الروسي لأول مرة، في أيدي مقاتلي حزب الله خلال هذه المناورة؛ ما جعلها حديث الساعة لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وسلاح “ستوبور” هو صناعة روسية ويختص بمكافحة الطائرات والمروحيات المسيرة على مسافة حتى 2000 متر، وتعتمد البندقية الإلكترونية خلال عملها على الاستفادة من الخوارزميات الداخلية “للدرون” ويتم تحويل نظام عملها إلى الهبوط، وتعمل البندقية في مسافة لا تزيد عن 2000 متر، ويبلغ وزنها قرابة 12 كيلوجرامًا، وتعمل بنظام التردّدات من 430 إلى 6870 هيرتز.
يُشار إلى أن سلاح “ستوبور” الروسي دخل للخدمة العسكرية لأول مرة عام 2022م، خلال العملية العسكرية الروسية الخَاصَّة في أوكرانيا؛ إذ تكللت تجربة السلاح بالنجاح بشكل كامل على الطائرات المسيرة الأوكرانية، ويعتقد مراقبون أن روسيا هي من زودت حزب الله بهذا السلاح، غير أن خبراء عسكريين أفادوا بأن السلاح الذي ظهر في مناورة حزب الله مشابه لسلاح “ستوبر” الروسي إلا أنه متطور عنه جِـدًّا.
محاكاةٌ لعمليات نوعية واستعراض للذخيرة:
وشهدت المناورة استعراضاً للمهارات القتالية الفردية ومهارات التسلق، إضافة إلى عرض على الدراجات النارية، إضافة لمناورة حية لعملية أسر آلية عسكرية، إضافة لعملية أسر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حَيثُ استخدمت الذخيرة الحية، إضافة إلى محاكاة اقتحام مستعمرة واقتحام حاجز ومحاكاة لتفجير جدار الحدود والعبور إلى فلسطين.
كما جرى عرض لعملية هجومية نوعية على موقع بالقرب من “موقع بئر كلاب” الذي سبق أن كان موقعاً لجنود الاحتلال قبل تحرير الجنوب عام 2000م، هذا وشارك عدد كبير من المسيرات ومنها مسيرات تكتيكية، في هذه العملية التي انتهت برفع راية المقاومة.