الرئيس المشاط يؤكّـد في كلمته بمناسبة العيد الـ33 للوحدة اليمنية: ندعو لسرعة تصحيح المواقف قبل فوات الأوان التاريخُ لا يرحم واليمنُ أيضاً لن يرحم
– موقفُنا مع مظلومية أهلنا جنوباً وشمالاً وحقهم في تصحيح مسار الوحدة وجبر مآسي النظام البائد والعدوان الغاشم
– الفيصلُ بين الجد واللعب والأخلاق والسقوط هو الموقف من وحدة اليمن وحصار شعبه ونهب ثرواته ومرتباته
– القرار 2216 يدعو لاستسلام صنعاء والأخيرة ليس في قاموسها الاستسلام
المسيرة: صنعاء
ألقى الرئيسُ المشير الركن مهدي محمد المشاط، أمس الاثنين، كلمةً بمناسبة العيد الوطني الـ33 للوحدة اليمنية المباركة، مجدّدًا التأكيدَ على مضي اليمن واليمنيين الأحرار في مشروع الحِفاظ على وحدة اليمن أرضاً وإنساناً، واستعادة السيادة والاستقلال والحرية، ومحذراً في الوقت ذاته من مغبة استمرار دول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ومرتزِقته في مؤامراتهم الاحتلالية التمزيقية التشطيرية.
وفي كلمته التي هنّأ فيها قائدَ الثورة والشعب اليمني، أكّـد الرئيس المشير المشاط أن “عيدَ الوَحدةِ يأتي في خضمٍّ هائلٍ من الأحداث والمتغيرات المتسارعة، تُظهِرُ لنا كشعبٍ يمني مدى الحاجة للاعتصام بحبل الله ومبادئ السلام والتسامح والتصالح”.
وقال الرئيسُ في كلمته: “من الصادِمِ للغاية أن خصومَنا ومرتزِقتَهم لا يستشعرون كارثيةَ الإصرار والاستمرار على ما هم عليه من الصلفِ نحو شعبنا المحاصر منذ تسع سنين على التوالي”.
وَأَضَـافَ “من المؤسف للغاية أننا ما زلنا نرى إخوةً عرباً لا هَمَّ لهم إلَّا كيف يفتِّتون ويمزِّقونَ وَحدةَ اليمن، ويتفنَّنون في حصار وتجويع شعبنا المظلوم”.
وفي التأكيد المتجدد على استحالة التفريط بوحدة اليمن، أكّـد الرئيسُ المشاط أن “الأصواتَ التي تتحدث عن الانفصال ودعوات التقسيم والأقلمة، تتلقى كاملَ الرعاية والدعم من تحالف يزعم أنه عربي ويفترَضُ أن يكون شقيقاً لا عدوًّا”.
وعلى الصعيد العربي والإقليمي، قال الرئيس المشاط: “كنا نأملُ من إخوتنا العرب في “قمة جدة” أن تتغيَّرَ طريقةُ تفكيرهم السلبي تجاه اليمن، لكنهم أخفقوا في صنع أي شيء من ذلك”، منوِّهًا إلى أن “إعلانَ جدّة خلا من أي إعلان لإنهاء العدوان على اليمن أَو رفع الحصارِ المفروض على شعبه الأصيل منذ تسع سنين بلا أي مبرّر أَو مسوِّغ”.
وتابع حديثه بالقول: “إعلان جدة خلا حتى من تهنئة الشعب اليمني العظيم بحلول ذكرى وحدته المجيدة، ومشاطرة صنعاء احتفالاتها وابتهاجاتها بهذه المناسبة العزيزة”، في إشارةٍ إلى تمسك العدوّ بتفتيت اليمن وخضوع أدواته لكل المؤامرات.
وأردف بالقول: “المجتمعون في القمة العربية لم يتذكّروا أن صنعاء أحد الأعضاء الستة المؤسّسين للجامعة العربية، كما لم تلتزم الجامعةُ حتى بأبسطِ الأدبيات الدبلوماسية تجاه أهدافها التأسيسية”، مُشيراً إلى أن “البيان العربي المشترك تمسك بالقرار 2216 كمرجعية للسلام في اليمن مع أن مبعوثي الأمم المتحدة يجمعون على أن هذا القرار يطيل أمد الحرب، ويغلق الطريقَ أمام أية مفاوضات سلام”، منوِّهًا إلى أن “القرار 2216 يدعو إلى استسلام صنعاء، والأخيرة ليس في قاموسها الاستسلام”.
واستطرد “البيان العربي جدّد دعم مجلس العار المعين من دول العدوان على حساب أربعين مليون يمني محاصَر وكأن الحرب القائمة حربٌ أهلية بحتة لم تُعلَنْ من واشنطن، في قفزٍ معيبٍ على الواقع وعلى كُـلّ ما يدخل ضمن معنى الحقيقة واحترام الذات”.
وأكّـد أن “الجامعة العربية لا تزال عاجزةً عن إدراك واجباتها تجاه قضايا الأُمَّــة، وهكذا عقلية مأساوية لن تحرز لأمتنا أي موقع متقدم في النظام العالمي المرتقَب”.
وجدّد الرئيس المشاط التأكيدَ على ثبات مسارات السلام وتمسك اليمن واليمنيين الأحرار بها، وقال: “نؤكّـد للجميع أن اليمن اليوم هو المقياس الصحيح لتصحيح المواقف، وهو الفلتر الحقيقي لبيان الصدق من الكذب”، مُضيفاً أنه “لم يعد بمقدور أمريكا ولا الغرب أن يلقوا على العرب محاضراتٍ في حقوق الإنسان بعد أن صنعوا في اليمن بأسلحتهم وتواطؤهم أسوأ أزمة وكارثة في التاريخ”.
ولفت إلى أن “الموقفَ من وَحدةِ اليمن وحصار شعبِه، ومعاناته وحرمانه من ثرواته ومرتباته هو الفيصلُ بين الجد واللعب، وبين الأخلاق والسقوط”، معبِّراً عن أمله “بالجميع سرعة المراجعة والتصحيح قبل فوات الأوان؛ لأَنَّ التاريخ لا يرحم، واليمن أَيْـضاً لن يرحم”.
وفي ختام خطابه، جدّد الرئيس المشاط التأكيدَ على “موقفنا مع مظلومية أهلنا في الجنوب وفي الشمال وحقهم التام في إصلاح وتصحيح مسار الوحدة وكلّ ما لحقهم من مآسي النظام البائد والعدوان الغاشم”، داعياً “جميع الفرقاء اليمنيين وكلّ الخصوم في شمال الوطن وجنوبه إلى مغادرة مربع الخارج المعتدي على أهلهم وبلدهم، الالتقاء بعد ذلك على كلمة سواء”، كما دعا لتوقيع “ميثاق شرف تحت رعاية ورقابة شعبنا يقوم على حقن الدماء وصون الحرية والسيادة والاستقلال وعلى إخراج الأجنبي من مياهنا وأراضينا”.
وتطرق الرئيس المشاط إلى جملةٍ من القضايا ذات الصلة تستعرضها صحيفة المسيرة في نص الكلمة تالياً:
كلمة فخامة الأخ الرئيس مهدي المشاط بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لقيام الوحدة اليمنية:
بسمِ الله الرحمن الرحيم.
الحمدُ للهِ وحدَهُ، نصرَ عبدَهْ، وأعزّ جندهْ، وهزمَ الأحزاب وحدهْ، والصلاةُ والسلام على من لا نبيَّ بعدهْ، وعلى آله الأطهار، وارضَ اللهُمَّ عن صحابتهِ الأخيار، والتابعين له بإحسان إلى يومِ الدين وبعد:
بمناسبةِ الذكرى الثالثةِ والثلاثينَ لقيامِ اليمنِ الواحدِ والموحَّد، يسعدُني ويشرِّفُني -بالأصالةِ عن نفسي وبالنيابةِ عن زملائي -في المجلس السياسي الأعلى للجمهورية اليمنية- أنْ أتقدَّمَ بخالصِ التهاني والتبريكات إلى شعبنا اليمني العزيز، وإلى قائدِ ثورتهِ الخالدةِ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظهُ الله-، وهيَ موصولةٌ لكلِّ العلماءِ الإجلاء وكافّةِ النُّخَبِ اليمنيةِ في جميع المجالاتِ والتخصصاتِ، كما لا يفوتني أنْ أُهنَّئَ بهذهِ المناسبة حكومةَ الإنقاذ الوطني وأبطالَ قوَّاتنا المُسلّحةِ والأمن، وكافةَ قبائل اليمنِ الوفية، وكُلَّ رفاقِ السلاحِ وشركاءِ الموقف من مشايخ وأعيانَ ومناضلين، وهي أَيْـضاً لكُلِّ الشرفاء والأحرار من أبناء وبناتِ اليمن في الداخلِ والخارج.
أيها الإخوة والأخوات:
تأتي هذهِ المناسبة العزيزةِ على قلوبنا في خِضَمٍّ هائلٍ من الأحداثِ والمتغيراتِ المتسارعةِ محلياً وإقليمياً ودوليًّا، وهذه الأحداثُ في مُجملِ ما تحملهُ من تحدياتٍ وفرصٍ تُظهِرُ لنا -كشعب يمني وكأمّة مسلمة بشكل عام– مدى الحاجة المُلِحّةِ للاعتصام بحبلِ الله، وبكلّ ما دُعِيَ إليهِ في كتابهِ المجيد من مبادئِ السلام والتسامح والتصالح، وتُحَتِّمُ على الجميعِ استعادةَ كُـلِّ معانِي الإخاءِ والتعاونِ والتكاملِ وغيرها من معالي الأمورِ التي هي في جوهرها امتداداتٌ مضيئةٌ لمعاني الوحدةِ والأُلفةِ بينَ أبناء البلدِ الواحد، والشعبِ الواحد، والأمّةِ الواحدة، ولعل من الصّادِمِ للغايةِ أن خصومَنا ومرتزِقتَهم لا يدركون -حتى الآن- خطورةَ القفزِ على هذه المعاني النبيلةِ والتّنكرِ لهذا الاحتياج المُلِحِّ والصّارم، ولا يستشعرونَ أَيْـضاً كارثيةَ الإصرار والاستمرار على ما هم عليه من الصَّلفِ نحونَا ونحو شعبنا المحاصَرِ منذ تسعِ سنين على التوالي، وما يمكن أن يُفضيَ إليهِ كُـلُّ ذلك من تداعياتٍ سَتُحَوِّلُ حتماً دون الجاهزية العامة للأُمَّـة، والاستعداد الجَمعِي المفترَضِ للتقارُبِ الحقيقي والمصالحات الجادّة، كمتطلباتٍ أَسَاسيةٍ لمواجهةِ التحدياتِ والاستحقاقاتِ المستقبليةِ للمنطقة، والبحث عن موقعٍ أفضل في سُلَّمِ النظام العالمي الجديد الذي تؤذن بميلادهِ مخاضاتُ الحراكِ العالميِّ وتحولاتهِ المنظورة.
أيها الشعبُ اليمنيُّ العظيم، يا جماهيرَ أمتنا العربية والإسلامية:
إنّ من المؤسفِ للغاية، أن نرى الأممَ الأُخرى تسابق الزمنَ في كُـلِّ مرحلة، وتحضِّرُ نفسَها عندَ كُـلِّ تحوُّلٍ للقفزِ إلى الأعلى، والاستحواذِ على كُـلّ أسباب التأثير والفاعليةِ والدورِ والمكانةِ.
في حين نرى أمتنَا في كُـلّ مرحلةٍ وعندَ كُـلّ تحولٍ تقفزُ إلى الأسفل وتزدادُ هواناً وتفكُّكَاً، وفي هذه المرحلةِ العصيبةِ من تاريخ أمتنا والتي تقتضي منّا جميعاً التسامي على الجراح -ورَصِّ الصفوفِ ووقفِ التبايناتِ والمكايداتِ والصراعات، واستعادة كُـلّ معاني الوحدة- يؤسفُنَا أننا ما زلنا نرى إخوةً عرباً لاهَـمَّ لهم إلَّا كيفَ يُفتِّتونَ ويُمزِّقونَ وَحدةَ اليمنِ الميمون، وكيف يَتفنَّنونَ في حصارِ وتجويع شعبها المظلوم.
حتى ونحن نحتفلُ بوحدتنا اليمنيةِ يكثُرُ اليومَ الحديثُ عن الانفصال وتكثرُ دعواتُ التقسيمِ والأقلمَةِ والشرذَمة، وكلّ هذهِ الأصوات والدعواتِ النَّشاز تتلقى كاملَ الرعايةِ والدعمِ من تحالفٍ عربيٍ يُفترضُ أن يكونَ شقيقاً لا عدواً ولكنهم لا يفقهون، وقبل يومينِ فقط استضافَتْ قيادةُ التحالفِ ما يُسمى بالقمّة العربية، وقد كُنّا نتمنّى من مُجمَلِ أُخوتِنَا العرب أن يكونوا قد تغيّروا، وأن يفاجئونَا بتفكيرٍ جديدٍ ومُختلفٍ بُحكمِ التطوراتِ التي تُوجِبُ عليهم فعلاً أنْ يتغيروا وأن تتغير طريقةُ تفكيرهم السلبي تجاهَ أمتهم بشكلٍ عام، وتجاهَ بلدهم الثاني (اليمن) بشكل خاص، لكنهم وبكلِّ أسَفٍ أخفقوا في صُنعِ أي شيءٍ من ذلك.
فقد خلا ما يُسمى بإعلان جدّة من أي إعلان لإنهاء العدوانِ على اليمنِ أَو رفع الحصارِ المفروض على شعبِها الأصيلِ منذُ تسعِ سنينَ عجافٍ بلا أي مُبرّر أَو مسوِّغ من حقٍّ أَو قانونٍ أَو دينٍ أَو أخلاق، لا بل خلا الإعلان العربيُّ حتى من تهنئةِ الشعبِ اليمني العظيم بحلول ذكرى وحدته المجيدة، ومشاطرةِ صنعاءَ احتفالاتها وابتهاجاتها بهذه المناسبة العزيزة التي تتزامنُ مع انعقادِ القمة.
لم يحاول المجتمعونَ في القمة أن يتذكَّرُوا بأن صنعاءَ أحدُ الأعضاء الستةِ المؤسّسينَ لهذهِ الجامعة، ولم تحاول الجامعةُ العربيةُ أن تلتزمَ بأبسطِ الأدبياتِ الدبلوماسيةِ تجاهَ أهدافها التأسيسيةِ؛ فتستشعرَ مثلاً أهميّةَ مباركةِ بلدٍ عربي يحتفلُ بالذكرى الثالثةِ والثلاثينَ لقيامِ وحدته، ونسِيَتِ الجامعةُ النظرَ إلى موضوع الوَحدة اليمنية كخطوةٍ على طريق الوحدةِ العربية التي تُعتبرُ أحد أهم الأهداف المعلنة لهذه الجامعة.
أكثر من ذلك تمسك البيان العربي المشتركِ بالقرار 2216 كمرجعية للسلامِ في اليمن، مع أن مبعوثي السلام إلى اليمن -وكبار الباحثين في المراكز العالمية- يُجمِعون اليومَ على أن هذا القرار يُطيلُ أمَدَ الحرب، ويُغلِقُ الطريقَ نهائيًّا أمامَ أية مفاوضاتِ سلامٍ أَو حَـلٍّ سياسيٍّ جادٍّ؛ باعتبارهِ يدعو صراحةً إلى استسلامِ صنعاء، وصنعاء كما تعلمونَ صاحبة أطولِ تاريخٍ سياسيٍّ وعسكري على المستوى العربي ككل، وقاموسُها الحضاري وإن كان يمتلئ بكل مفردات الخير والمحبة والسلام إلا أنه يخلو تماماً من أي شيءٍ اسمه الاستسلام.
وإضافةً إلى كُـلّ الملاحظاتِ السابقة، وبدلاً عن حثِّ كُـلّ الأطراف الحقيقيةِ والثانويةِ في هذه الحرب -وتشجيعها على السلام العادل والشامل- جاء البيانُ العربيُّ المشترك ليؤكّـد على الاستمرار في دعمِ مجلس العار المُعيّنِ أَسَاساً من دول العدوان، والمشكَّلِ من بِضْعَةِ أشخاص موزَّعين في فنادق الشَّتَاتِ على حسابِ أربعينَ مليون يمني محاصَر، وكأن الحربَ القائمةَ حربٌ أهليّة بحتةٌ لم تُعلَنْ من العاصمةِ الأمريكية واشنطن ولم يُكتَبْ بيانُ إعلانها باللُّغة الإنجليزية، ولم تُنَفّــذْ منذُ تسعِ سنينَ عبرَ تحالفٍ من دولٍ متعددةٍ بقيادةِ المملكة العربية السعوديّة في قفزٍ معيبٍ على الواقعِ وعلى كُـلّ ما يَدخل ضمن معنى الحقيقة واحترام الذات.
أيها الإخوة والأخوات يا جماهيرَ شعبنا اليمني وأمتنا العربية والإسلامية:
إننا في اليمنِ لا نتوسلُ إلَّا الله، ولا نعتمدُ إلَّا عليه، ولا نثق إلا به سبحانَهُ هو مولانا ونعم النصير، وقد أردتُّ من وراءِ هذا العتابِ الأخويِّ التنبيهَ فقط إلى أن العقليةَ التي تسير بها أنظمتُكُم وجامعتكُم العربية ما تزال عاجزةً عن إدراكِ واجباتها تجاهَ قضايا الأُمَّــة، وهكذا عقلية مأساوية لن يكون بمقدورها أن تحرز لأمتنا أي موقعٍ متقدمٍ في النظام العالمي المُرتقب والذي تُنذرُ بميلادهِ التمخُّضَاتِ الكونية؛ ولذلك فَــإِنَّ أمتَنا -بكل إمْكاناتها ومقدراتها الهائلة– مثلما بقيَتْ مُجَـرّد أُمَّـة تابعةٍ تقبَعُ تحتَ رحمةِ الأمم الأُخرى لمِئة عامٍ مضت، ستبقى أَيْـضاً على موعدٍ مع مِئة عامٍ أُخرى من الوهن والضعف، ولا شيء سيتغيرُ ما لَمْ تدرك الأُمَّــة قاطبة -حكاماً وشعوباً- حاجتها الماسة إلى المراجعة والتصحيح، واستعادة خيراتها وسلامها الداخلي؛ وهذا أمر لم ولن يتأتَّى إلَّا باستشعار الجميع أهميّةِ العدل في القول والفعل والإنصاف من الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكلُّ الأمم التي ذلَّت وهانت إنما كُتب عليها الذلة والهوانُ؛ لأَنَّهم كما قال الله: (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ).
وفي هذا السياق، أؤكّـد للجميعِ بأنّ اليمنَ هي اليومَ المقياسُ الصحيحُ لتصحيحِ المواقف، وهي الفِلترُ الحقيقي لبيان الصدق من الكذب، اليوم بلادُنا تُعَرّي كُـلّ الزيفِ؛ فلم يعد في مقدورِ أمريكا ولا في مقدور الغربِ عُمُـومًا أن يُلقوا عليكم محاضراتٍ في حقوق الإنسان بعد أن صنعوا في اليمن -بأسلحتهم وتواطؤهم واصطفافهم- أسوأ أزمة وكارثةٍ إنسانيةٍ في التاريخ.
لقد تضمّن بيانُ جدّة أَيْـضاً كلاماً جميلاً وفريداً عن سيادة الكثير من البلدان ووحدة وسلامة أراضيها، ولكن ما إنْ وصلَ إلى البند المتصلِ باليمن حتى وضع مصداقيةَ كُـلّ ذلك الكلام الجميل في مهبِّ الريح، وتعاملَ مع اليمن وكأنَّه وشعبه ووحدته وسلامة أراضيه حمًى مستباحٌ؟ وهو في الحقيقة حِمًى ممنوعٌ، وهذا أمرٌ ستثبته الأيّامُ والسنونَ، إن شاء الله.
إنّ الموقفَ من وَحدةِ اليمن ومن حصار الشعب اليمني، ومعاناته وحرمانه من ثرواته ومرتباته هو الفيصَلُ بين الجِدِّ واللعب، وبين الأخلاق والسقوط، وإني آملُ من الجميع سرعةَ المراجعةِ والتصحيح قبلَ فوات الأوان؛ لأَنَّ التاريخَ لا يرحم، واليمن أَيْـضاً لن يرحم..
وفي الختام أجدد التهاني لشعبنا اليمني العزيز بمناسبة ذكرى وحدته الخالدة، وأقف بكل قوة إلى جانب مظلومية أهلنا في الجنوب وفي الشمال وحقهم التام في إصلاح وتصحيح مسار الوحدة، وكلّ ما لحقهم ولحقنا جميعاً من مآسي النظام البائد والعدوان الغاشم، وأدعو جميع الفرقاء اليمنيين وكلّ الخصوم في شمال الوطن وجنوبه إلى مغادرة مربع الخارج المعتدي على أهلهم وبلدهم، والالتقاء بعد ذلك على كلمةٍ سواءٍ إخوةً، أعزاءً، كرماءَ، فَــإِنَّ الخللَ في النفوس وليسَ في الوحدة ولا في المبادئِ والقيم، وتعالَوا جميعاً إلى حُكمٍ محلي واسع الصلاحيات، وإلى ميثاق شرفٍ على دروب العلياءِ والمحجّـة البيضاء، وعلى محضِ النقاء والوفاء، والعدلِ وتغليب الحكمةِ والعقل، وحقنِ الدمِ والتزام القيم، ومناهضةِ الظلم والإرهاب، ورفض الاستبداد والفساد، وصَوْنِ الحرية والسيادة والاستقلال، وعلى إخراج الأجنبي من مياهِنَا وأراضينا، ولنوقّعَ جميعنا هذا الميثاق تحتَ رعايةِ ورقابةِ هذا الشعب العظيم فهو أكرمُ وأعزُّ، ويجب أن تثقوا في إيمَـانه وحكمته أكثرَ بكثير من ثقتكم بالخارج، بهذا تفلحوا ويفلحُ اليمنُ، وبدونه تسقطون أكثر، وأمّا اليمنُ فسيفلحُ أكثرَ وأكثر.
تحيا الجمهورية اليمنية.
المجد والخلود للشهداء.
الشفاء للجرحى.
الحرية للأسرى.
والنصر لليمن وشعبها العزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.