الصرخةُ كمشروعٍ عالمي..بقلم/ سند الصيادي
لم تكن الصرخةُ مُجَـرَّدَ يافطةٍ عُلِّقَت على واجهات المباني، أَو عنتريات لفظية فضفاضة وحماسية؛ للتسويق التنظيمي واللعب على عواطف الجماهير، كما أنها لم تكن عنواناً استهلالياً بلا تفاصيل، بل كانت ملخصاً لمشروع كان قد اكتملت أفكاره ومؤشراته، ومسيرًا كان قد دشّـن خطواته الأولى على طريق نشر الوعي في المجتمع، وهيَّأ -قَدْرَ ما أمكن- إلى الاستعداد النفسي والبدني لما سيليه من أحداث كانت قد ابتدأت نُذُرُها تلوحُ في الآفاق.
ثم ما كان لهذا الشعار الذي ميّز المنهجية القرآنية للسيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، أن يكون غريباً أَو مبالغاً فيه.. أَو حتى حصرياً ومؤطراً لتنظيم أَو جماعة أَو حزب، لولا الجهل والتغرير الذي بسط نفوذه على العقول على حين غفلة، وَبموجب هذا الجهل اندفع الكثير من العامة والخَاصَّة إلى استنكاره والسخرية منه، بل ومواجهته تحت هالة الآلة الإعلامية الضخمة التي كانت ولا تزال مسلطة عليه.
والحقيقة تقال إن مهمة التوعية بقيمة وأهميّة هذا الشعار ومحاولة ربط الوعي الجمعي به وَاستشعار الحاجة الملحة له، كانت لدى السيد الشهيد ورجاله القلائل مهمة صعبة وجبارة في البدايات، مفخَّخة بالتراكمات وَمعقَّدة بالمخاوف وَمظلَّلة بانعدام الرؤية الواضحة للوقائع.
اليومَ وبعد أكثر من عشرين عاماً من انطلاقة الصرخة قولاً وَفعلاً، وبعد ما حدث خلال هذين العقدين من أحداث وَتحولات، تلاشت تلك النظرة المستغربة التي كانت توهم العقول عن وجود فجوة ما بين الشعار وبين الواقع، وَصارت المهمة في التعريف بالشعار والحديث عنه أسهلَ وأيسر؛ فالأدلة والشواهد تتصاعد وتتزاحم على الميدان، لدرجة أنها لم تعد تُبقِي للكاتب شيئًا ليضيفَه على طريق التوعية وَالتعريف.
لقد نجح الشعار المعزَّزُ بالصدق والمسؤولية، المدعَّم بالقيم والتوجّـهات العظيمة، في انتشال الأُمَّــة من مستنقع الوهن الثقافي والمادي، من خلال توصيف العدوّ وتوجيه الأنظار والعقول وَالمسير نحو تحَرّكاته ومخطّطاته وَكذلك مواجهته، وكانت التسمية لأمريكا و”إسرائيل” تشخيصاً علاجياً ناجعاً للداء الخبيث، وَتوصيفاً صائباً لعدو جمعي لم يعد بالإمْكَان إنكاره، أَو التذرع عن التحشيد في مواجهته.
في ذكرى الصرخة يمكننا القول إن الشعارات السياسية والإنسانية تبلى وَتصبح باهتة مع الزمن، إلَّا شعار الصرخة الذي كلما تقادم زاد حضوراً واتساعاً، ووفق مؤشرات الواقع فَــإنَّه سيتجاوز كُـلَّ السقوف والحدود السياسية والجغرافية؛ ليجمع الأُمَّــة بفرض الحاجة إليه، بل ومعهم كُـلّ دعاة الحرية والإنسانية والمستضعفين في العالم.