النظامُ السعوديُّ بين فرصة الاستجابة لـ “صنعاء” وكارثة الانصياع لـ “واشنطن”
بعد أن رسّخ اليمن معادلة “الاستقرار” مقابل “الاستحقاقات الكاملة” وأعلن قرب نفاد الصبر
المسيرة: محمد يحيى السياني
بمرورِ أكثرَ من عام على اتّفاقِ الهُدنة في اليمن الموقَّعِ بين الوفدِ الوطني ودولِ تحالف العدوان والحصار على اليمن، والذي تم فيهِ طرحُ شروطِ معالجة وحل المِلف الإنساني، المتمثل في: صرف المرتبات لجميع الموظفين في اليمن التي قطعها التحالف العدواني وإطلاق الأسرى بين الطرفين، وفك الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وقد ظلت هذه المطالب –التي طرحتها صنعاء مقابلَ استمرار الهُدنة– محل المراوحة والمماطلة من الجانب السعوديّ ولم تثمر إلَّا عند إطلاق دفعة من الأسرى للطرفين أواخر شهر رمضان الماضي، وظلت باقي استحقاقات الملف الإنساني عالقة تحت التنصل والمماطلة السعوديّة والتواطؤ الأممي والعرقلة الأمريكية التي حالت دون الدفع بعجلة السلام أكثر من خلال اعتبار واشنطن هذه المطالب الإنسانية والحقوق المشروعة بأنها مطالب تعجيزية؛ ما يؤكّـد مدى مراهنة العدوّ الأمريكي على الورقة الإنسانية للضغط أكبر على اليمن واليمنيين.
هذا التعاطي السعوديّ ومن خلفه الأمريكي مع هذا المِلف الإنساني جعل منه ورقةً يستخدمُها التحالف العدواني؛ لإطالة وكسب الوقت؛ بغرض ترتيب أوراقه، والدخول في مناورات سياسية، ومعها الضغط على صنعاء للحصول على بعض التنازلات والمكاسب السياسية غير المشروعة، والتي قوبلت من السلطة الوطنية في صنعاء، بصلابة الموقف والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب اليمني هذه المرحلة.
أمريكا صاحبةُ القرار وعليها حُسْنُ الاختيار:
والحالةُ القائمةُ للمفاوضات بين اليمن الذي تمثّله صنعاء، ودول العدوان بقيادة النظام السعوديّ، كشفت بوضوح حجم التدخل الأمريكي والبريطاني في هذا الملف وفي مسار مفاوضات السلام في اليمن عُمُـومًا، كدور خبيث ومعرقل لكل الجهود التي تُفضِي للسلام، كما أظهرت رضوخ السعوديّ للضغوطات الأمريكية، والتي كانت لها انعكاسات على السلوك السعوديّ في التنصل وَالمماطلة والهروب من الالتزامات واستحقاقات هذا الملف الإنساني.
وبرغم هذا التعنت الواضح للسعوديّة ومن ورائها أمريكا، في هذا الملف؛ فقد أتاحت القيادة الثورية والسياسية في صنعاء الوقت والمساحة الواسعة لاستمرار الجهود والمساعي العمانية؛ مِن أجل فتح كُـلّ الطرق والمسارات أمام السلام وإزاحة معاناة اليمنيين، وتعزيز مسارات التفاهم للوصول إلى حلول ومعالجات لهذا الملف كباب للدخول لمفاوضات شاملة تفضي إلى السلام العادل والمشرف وإنهاء العدوان والحصار.
ومع استمرار هذه الحالة، بدأت تلوحُ في الأفق بعضٌ من ملامح المرحلة القادمة، التي قد تكون مليئةً بالردع اليمني إذَا ما أصر النظام السعوديّ على الانسياق وراء الرغبات الأمريكية البريطانية التصعيدية؛ فالسيد القائد أشار في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة لهذا العام قائلاً: «بقدر ما أعطينا مساحة لجهود الإخوة في عمان لكن لا يمكن أن نستمر إلى ما لا نهاية فيما يظن الآخرون أنهم يكسبون الوقت لتنفيذ المؤامرات»، في تأكيد ثوري على لسان القائد بأن هذه الحالة التي أراد لها تحالف العدوان أن تكونَ عليه في اليمن هي قطعاً مناورة فاشلة ومكشوفة لدى الشعب اليمني وقيادته، ولا يمكن بأي حال أن تستمر ولن تمنح النظام السعوديّ أية مكاسب أَو ثغرة؛ للهروب من التزامات السلام في اليمن المرتبط أصلاً -بحسب واقع الأحداث والمتغيرات والتحولات – بسلامة السعوديّة والمنطقة معاً، وقد أكّـد ذلك السيد القائد في سياق خطابه بقوله: «السعوديّة ستتحمل كُـلّ الالتزامات الناتجة عن هذا العدوان وَإذَا أرادت السلام فلتتحمل التزاماته».
وقبل ذلك كان الرئيس المشاط قد أكّـد في كلمته التي ألقاها في محافظة حجّـة بقوله: «نحن في اليمن لن نبقى إلى ما لا نهاية إذَا لم تستطع السعوديّة تجاوز الابتزاز الأمريكي؛ فالسعوديّ هو من يتحمل المسؤولية وهو المسؤول الأول؛ فهو من جلب كُـلّ هذا الوضع لنا وله وللمنطقة جميعها.. وقد اتحنا له الخلاص والفرصة للخروج من الابتزاز الأمريكي، والسعوديّ هو المعني بقراره ونحن في الجمهورية اليمنية لا يوجد ما نخسرُهُ بعدُ» وهنا تلميح آخر يشير إلى جزء من ملامح المرحلة القادمة، والتي قد يكون الردع فيها سيد الموقف حال أصرَّ تحالفُ العدوان -بقيادة أمريكا- على المساومة والمماطلة والتلذذ بمعاناة اليمنيين.
وبما أن القيادة الثورية والسياسية قد شقَّت في مسار المفاوضات مع السعوديّة طريقاً للسلام المشرِّف، الذي يضمنُ للبلدين الأمنَ والاستقرار، وعليه فَــإنَّ تحالف العدوان -وعلى رأسه النظام السعوديّ- معنيٌّ بشكل أَسَاسي باستيعاب وإدراك الرسائل التحذيرية التي أطلقتها صنعاء عبر القيادة الثورية والسياسية، وعليه قراءتها بالشكل الصحيح وأن يفهمها كيف شاء نصحاً كان أَو تحذيراً أَو حتى تهديداً وتغليب مصالحه على الانصياع للابتزاز الأمريكي؛ فترك مصالح أمريكا هو الأسلم؛ لأَنَّه وبحسب تأكيدات القيادة الثورية والسياسية سيجنبه الخسارة الفادحة التي يجره إليها الأمريكي والبريطاني.
معادلةٌ يمنية راسخة.. الغلطةُ القادمة باهظةُ الثمن:
وفي هذا السياق، كان السيد القائد واضحًا في رسالته التي وجهها للسعوديّ في هذا الصدد وعزز ترسيخ المعادلة الحتمية بقوله: «لا يمكن أن يجلب السعوديّ السلام والأمن والاستقرار لنفسه ولتحقيق طموحاته الاقتصادية إلَّا بسلام الشعب اليمني ورفع الحصار عنه»، كما أن الرئيس مهدي المشاط كان قد أوضح هذه المعادلة في خطابه الهام بمحافظة حجّـة، حَيثُ أكّـد بقوله: «العدوّ السعوديّ أدرك أن استقراره مرتبط باستقرار اليمن وهذه الحقيقة التي وصل إليها لكن المشكلة تتمثل في أن هناك قوًى إقليميةً ودوليةً لا تريد للسعوديّة الاستقرار وتحاول منع السعوديّة من الخروج من مستنقعه الذي وقع فيه»، في إشارة إلى الابتزاز الأمريكي، وفي تأكيد إلى أن أوهام واشنطن التي باعتها للسعوديّة قد تحولت إلى هواجس وكوابيس تشكل تهديداً حقيقيًّا للنظام السعوديّ.
والسؤال المطروح اليوم، هو: هل ستتلقف السعوديّة ودولُ التحالف العدواني بقيادة أمريكا، الرسائلَ التحذيريةَ للسيد القائد والرئيسِ المشاط على محمل الجِدِّ والمصلحة المفترضة والتعاطي معها بإيجابية ومسؤولية وتغليب مبدأ السلام الذي يخدم أمن واستقرار الإقليم والمنطقة والعالم على الحرب، التي لن يتضرر منها اليمنيون فقط بل سيعم ضررُها الجميع كما أكّـد الرئيس المشاط؟
نجدُ أن المعنيَّ بالإجَابَة على هذا السؤال الذي يُطرح في هذه المرحلة الفارقة هو السعوديّ المتزعم والقائد لهذا التحالف العدواني، وذلك من خلال سلوكه الجاد للاتّجاه للسلام الحقيقي الذي لن يتحقّق إلَّا بتنفيذ الالتزامات والاستحقاقات العادلة للشعب اليمني وإنهاء العدوان والحصار وحالة الاستهداف المُستمرّ لليمن وشعبه، فمن غير المنطق والعدل وخلاف التشريعات السماوية وقوانين البشر والفطرة الإنسانية أن يظلَّ الشعبُ اليمني على مدى تسع سنوات تحت العدوان والحصار ويئن من معاناته التي سببها العدوان والحصار، وأن يتضوَّرَ جوعاً وثرواته تُنهَبُ وحقوقه تُمنع وتُصادر ويُمارس ضده كُـلّ أشكال الظلم والإجرام والمؤامرات!
مخزون الصبر على وشك النفاد.. الكرة في ملعب السعوديّ:
والملاحظ من خلال مسار الهدنة والتهدئة وما تخللها من مفاوضات بين الطرفين لأكثر من عام إلى اليوم، كانت صنعاء على أعلى درجة من التعاطي الإيجابي معها وأعلى درجة في الصبر وضبط النفس تجاه المماطلة السعوديّة والتهرب من تنفيذ التزاماتها، بل واستفزازاتها المتكرّرة للشعب اليمني وقيادته، ومع بقاء الملف الإنساني معلقًا في تلابيب السعوديّ ومناوراته التي باتت تعريه أمام العالم كأدَاةٍ رخيصة ومطية خانعة ومنصاعة للرغبة الأمريكية، فَــإنَّه حتماً سينفد صبر الطرف الوطني وسوف تتجه صنعاء قطعاً لجهوزيتها العالية تجاه كُـلّ الاحتمالات التي تقرّرها القيادة في أية لحظة وفي أي وقت للرد على التصلف السعوديّ والمؤامرات الأمريكية البريطانية الرامية إلى قتل اليمنيين جوعاً وحصاراً، وبالتأكيد قد سمع التحالف العدواني والعالم الأصم، صوت السيد القائد عندما قال: «ليسمع العالم، استمرار حالة الاستهداف لبلدنا معناه أن نستمرَّ في التصدي لهذا العدوان بكل ما نملك بعون الله»؛ لذلك بات على الجميع الأخذ بعين الاعتبار لعواقب ما ستسببه الغطرسةُ الأمريكية البريطانية في عدم رفعِ المعاناة عن الشعب اليمني، وإنهاء العدوان والحصار؛ لأَنَّ المماطلة وتجميد الحالة عند اللاسلم واللاحرب، ستؤدي لعودة التصعيد العسكري والعمليات العسكرية الكبرى التي كما أكّـدت القيادة لن تجعل من المعاناة حكراً فقط على اليمنيين، بل ستجعل العالم كله يتضرر ويتشارك المعاناة التي يكابدها الشعب اليمني منذ ثماني سنوات من العدوان والحصار.
ومن خلال كُـلّ المعطيات، فَــإنَّ الكرةَ باتت في مرمى تحالف العدوان بقيادة أمريكا والسعوديّة؛ لأَنَّ التوجّـه بكل صدق وجدية في إزاحة معاناة الشعب اليمني، من شأنه درء العواقب الوخيمة على الإقليم والمنطقة والعالم، والعكس من ذلك حال أصرت واشنطن على موقفها وغطرستها وسوء تقديرها، وهذه نتيجة حتمية يتحمل مسؤوليتها تحالف العدوان وعلى رأسه أمريكا، أما الطرف الوطني فقد أقام كُـلَّ الحجج، وبدّد كُـلّ الأكاذيب، ووضع العالم أمام الصورة الحقيقية للمشهد اليمني؛ فالمشهد لهذه المرحلة قد أصبح أكثر اتضاحاً في ظل وصول هذه المرحلة التي ألقت بظلال معاناة الشعب اليمني إلى الحد الذي لا يمكن الاستمرار معه والرضوخ له، والذي يحتم على السعوديّة أن تعيَ بأنها اليوم في مفترق حقيقي لإعادة حساباتها ومراعاة مصالحها والتخلي عن نظرتها الاستعلائية تجاه الشعب اليمني، وأن تدرك أن السلام التزام واستحقاق لا يخضع للمناورات والمماطلات، فوضع اليمن اليوم بشعبه وقيادته ليس ذلك الذي كان بالأمس؛ لأَنَّ تسع سنوات من المواجهة الشاملة فيها من الدروس الكفاية، وبما أن الكُرةَ في ملعب العدوّ عليه أن يحسِنَ تصويبَها إلى خارج مربع المناورات والمساومات المكشوفة والمحرمة، لا أن يسدِّدَها باتّجاه معاناة الشعب اليمني؛ لأَنَّ هنا هو الخطرُ الكبيرُ الذي سيجلِبُ “الوجعَ الأكبر” عليه.