إنطلاق فعاليات الذِّكْــرَى السنوية الأُوْلَى لاغتيال شهيد الوطن.. الخيواني يواصل
صدى المسيرة: إبراهيم السراجي
تطلُّ الذِّكْــرَى السنويةُ الأوْلَى لاغتيالِ الشَّـهِـيْد عبدالكريم الخَـيْـوَاني والتي توافِقُ الـ18 من مارس الجاري وعلى بعد أسبوع من إكمال العُـدْوَان على الـيَـمَـن عامه الأول، ولذلك لم يخطئ الذين قالوا إن اغتيالَ الخَـيْـوَاني بما يمثّلُه وما كان يتمتع به من شجاعة، كان الرصاصة الأوْلَى في العُـدْوَان على الـيَـمَـن، وأن دول العُـدْوَان وعملاءَها كان يخشَون من وجود الخَـيْـوَاني وصوتِه؛ ولذلك رأوا ألا تكون الغارة الأوْلَى إلا وقد تخلصوا منه.
ومنذُ استشهاده وبشكل غير مسبوق بقي الخَـيْـوَاني حالةً يوميةً ظاهرة في وعي الناس والكُتّاب والناشطين، ولا يَزَالُ عن مَن عرفوه ومن أحبوه مناضلاً وثورياً وصحفياً وأديباً، ينشرون صورَه في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لمجرد النشر أَوْ التذكير، وإنما لأن الخَـيْـوَاني يذكّرهم بما يجبُ فعلُه إذا استجدَّ حدَثاً ثورياً يستقون من سيرته ومن سلوكه وكتاباته ما يجيبُ على كُلّ أسئلتهم، ويجعلون من خطواته مساراً لمواصَلة الطريق، وهو الذي ترك فيهم حالةً ديناميكية ثوريةً لا تهدأ ولا تنطفئ، فهو صاحبُ كلمة (سنواصل) التي أَصْبَــحت (دينامو) يحرك الناس وأشبَــهَ بلوحة إرشادية مكتوبٍ عليها (ممنوع التوقف).
لم يوفَّقْ مرتزقةُ الهيمنة الإقليمية والدولية، الذين جرى توظيفُهم لاغتيال الخَـيْـوَاني، في جعل رصاصاتهم، التي اخترقت جسدَه غدراً، تنهي وجودَه، بل إن اغتيالَه تحول لمناسبة أَصْبَــح فيها الشَّـهِـيْدُ أكثرَ مما كان في ضمير ووعي الأحرار، ومنذ تلك الطلقة والخَـيْـوَاني يحضُرُ فيما يقوله الناس والثوار والكُتاب، فهم مع كُلّ جريمة ارتكبها العُـدْوَانُ كان ردهم وتحدّيهم وصمودهم وتعبيرهم عن ذلك دَائماً ما يكون كما يفترض أن يقولَه أَوْ يفعله الخَـيْـوَاني.
والخَـيْـوَاني منذ استشهاده يقولُ على ألسنة مَن اقتفوا أثره (لا) لكل فاسدٍ، ولاءات لكل عميل وخائن، وكان يقفُ على امتداد قاماتهم في الساحات حين يتخذون موقِفاً شُجاعاً وقفَه من قبلهم وبعد ذلك وقفه معهم الخَـيْـوَاني الذي اقترن اسمُه وحضورُه وسيرتُه بالرفض للظلم والاستبداد، وهو الذي حين استشهد أعزلَ وتلقى الرصاصات بشجاعة كما كان يواجه جلّاديه، فكانت بسالته وبأسُه كما استشهاده تجعلُ منه جلاداً لجلاديه.
- استهدافُ ثورة الصحافة والإعْـلَام
حين تفرّد الشَّـهِـيْد الخَـيْـوَاني بأن كان هو شرارة ثورة الصحافة والإعْـلَام وكسر حواجز الصمت بشجاعة ودفع ثمَنَ ذلك سنواتٍ من حياته في المعتقلات ومن صحته بما لاقاه من تعذيبٍ نفسي وجسدي فانتصر لهذه الثورة، وأَصْبَــح علامةً مميّزةً في عالم الصحافة على مستوى الـيَـمَـن أولاً والوطن العربي وعلى المستوى العالمي.
ولأن العُـدْوَان كان قد حشد آلتَه الإعْـلَاميةَ الضخمة واشترى صمْتَ الصحافة والإعْـلَام العربي والدولي، كان لا بد أن يوقفَ الإعْـلَام المضاد للعُـدْوَان رغم محدوديته وفي هذا الجانب كان اغتيالُ الخَـيْـوَاني أول خطوة لاستهداف الكلمة التي كان لا بد أن وجودَها سيكونُ فارقاً، بعد ذلك جرى استهدافُ المؤسسات والمقرات الإعْـلَامية؛ بغرض إسكات الآخر في وقت تضخ الآلة الإعْـلَامية السعودية والمموّلة سعودياً سُمُومَها التي انحازت للقاتل على حساب الضحية.
يومَ اغتيال الشَّـهِـيْد الخَـيْـوَاني صدر عن الاتحاد الدولي للصحفيين بياناً قدّر فيه حجم الخسارة التي لحقت بالصحافة العالمية بعملية الاغتيال قائلاً: إن الخَـيْـوَاني “ناضل في حياته من أجل الصحفيين المستقلين ووضعَهم في قمة أولويات نقابة الصحفيين الـيَـمَـنيين ليتمكنوا من العمل دون تهديد ودون أيّ تدخل سياسي”.
وأضاف البيان “خسر مجتمع الصحفيين قلَماً شُجاعاً وصوتاً حراً وزميلاً ملتزماً بالدفاع عن الحريات الإعْـلَامية”.
فالخَـيْـوَاني لم يناضل من أجل أن ينال حريتَه فحسب في الصحافة دون ملاحقة أَوْ مضايقة، بل إنَّ ما دفعه من ثمن باهض لذلك النضال كان من أجل هدفٍ جامعٍ يسعى لتهيئة الأجواء للكلمة الحرة على مستوى الوطن والعالم بكه.
- جريمةٌ عابرةٌ للحدود
لم يكُنْ من الصعب التكهُّنُ يومَ جريمة اغتيال الخَـيْـوَاني أنها نتاجُ مخطَّط يتجاوز الداخل الـيَـمَـني ويتعداه إلَـى المستوى الإقليمي والدولي، بما تمثله (الهيمنة الإقليمية والدولية) على الـيَـمَـن مقابلَ مع ما مثّله الخَـيْـوَاني كثائر وصاحب قلم حر خلال المراحل التي أفضت على ثورة 21 سبتمبر، وكان الخَـيْـوَاني أحد عرابي تلك الثورة، وهو ما يعني تهديد الهيمنة الإقليمية والدولية على الـيَـمَـن.
ولأن الجريمة بتلك الوضوح جاءت البياناتُ التي أدانت اغتيال الخَـيْـوَاني على المستوى المحلي والدولي في معظمها تؤكّد ضلوعَ أطرافٍ خارجية في عملية الاغتيال، بينها ما صدَرَ عن أَنْـصَـار الله، ورأت تلك البياناتُ أن اغتيال الخَـيْـوَاني هو محاولةٌ لاغتيال الوطن واغتيال الدولة الـيَـمَـنية واغتيال للثورة؛ ولذلك كان الخَـيْـوَاني جديراً بأن يجمَعَ في شخصه ثلاثية الوطن والدولة والثورة.
بيانُ أَنْـصَـار الله يوم الجريمة اعتبر أن “اغتيالَ الثائر والناشط عبدالكريم الخَـيْـوَاني، هي محاولة بائسة لاغتيال الثورة وإيقاف مسيرة التغيير الشامل الذي كان ينادي به، مؤكداً أن دمَه لن يذهب سُدَىً”.
كما أضاف البيان: “نحنُ في أَنْـصَـار الله كمؤمنين بالثورة الشعبية في مواجهة كافة المتآمرين ضد الـيَـمَـن دولة وشعباً وحضارة، لَنؤكِّدُ على أن دَمَ الشَّـهِـيْد الخَـيْـوَاني لن يذهَبَ سُدَىً، وسوف يكون لعنةً على قاتليه ومَن تآمر معهم”، منوهاً إلَـى أن الجريمة تؤكد فشل المجرمين، الذين “كعادتهم حيث لا مشروع لهم سوى القتل، مدللين بذلك على فشلهم السياسي، وانحطاطهم الأخلاقي، وفقدانهم أي مشروع لبناء الدولة العادلة”.
وأخيراً لا يمكنُ للجريمة دَائماً أن تحقّق أهدافَها وعلى مدى التأريخ ظل المجرمون يعانون من صعوبة فهم أن الجريمة عقيمة، وعندما تستهدف رجلاً لم يعد ملكَ نفسه ويمثل جُملةً من القيم والمبادئ التي تلهم الناسَ فإن نجاحَ المجرم في تحقيق الهدف المباشر من الجريمة كما في اغتيال الخَـيْـوَاني، حيث فشل المجرمون فشلاً ذريعاً، فالخَـيْـوَاني اليوم في كُلِّ إرادة حُرّة وفي كُلّ موقف شجاع وفي كُلّ واقعة تضحية وفي كُلّ قصة كفاح وفي كُلّ وعي.. اليوم الخَـيْـوَاني يخرُجُ كرصاصة من كُلّ قلم حُرٍّ، ويظهر كإعصار في كُلّ صرخة ثائرة.. والخَـيْـوَاني الذي قال يوماً لوحده: سنواصل. هو اليوم يقول: سنواصل في صوت كُلّ الأحرار.