مخادعةُ “الرياض” لن تطول.. العدوانُ بانتظار اللحظة الفاصلة!
الزنم: تحضيراتُ القيادة الثورية والسياسية ستفاجئُ الرياض وتجعلها تعُضُّ أصابع الندم
عيسى: السعوديّة والإمارات ستدفعان ثمنَ الاستهتار بفرص السلام
المسيرة – إبراهيم العنسي
تتزايدُ أطماعُ القوى الإمبريالية العالمية في المناطق الرخوة وفي اليمن، حَيثُ كانت اللا دولة كان حضور الأطماع على أشده، في تكرار لأحداث ومراحل تاريخية مرت بها اليمن منذ قرون، وُصُـولاً إلى العقد الثالث من القرن التاسع عشر ومُرورًا بالقرن العشرين، حَيثُ لم تتنفس فيه اليمن سوى لعقود ستة تقريبًا -على الأقل-.
وَبعيدًا عن الاحتلال المباشر الذي تعيشه اليمن اليوم تعود قوى الاحتلال من بوابة عرب الخليج في مرحلة ستوثق على أنها أكبر جريمة لعرب الخليج في حق اليمن والشعوب العربية التي شهدت تآمرًا خليجيًّا فاضحًا -باستثناء دولتين خليجيتين- على سيادة واستقلال العرب.
والشاهد اليوم في هذه المؤامرة التي قادتها الرياض والإمارات على العرب وتمخضت عن هزيمة مدوية لمتآمري الجزيرة ربما تشهد آخر فصولها في اليمن بعد إرغام الخليج على إعادة العلاقات مع سوريا الحرة، حَيثُ مؤشرات عصر جديد يكشف عن معالم جديدة ارتفعت فيها أسهم محور المقاومة وتحولت أنظار العالم تدريجيًّا صوب الشرق، حَيثُ الصين التي تقود حراكاً دبلوماسياً هادئًا لإعادة ترتيب المنطقة وترتيب التحالفات القائمة على أسس اقتصادية في المقام الأول، فيما تحضر روسيا كقوة عسكرية تشكل مع بكين وتحالفاتهما قوة مناوئة، بل متجاوزة للقوة الأمريكية، حَيثُ تشير أرقام ومؤشرات محللي ومراقبي تحوُّلات مراكز القوة في العالم أن القوة المنفردة لواشنطن ونيويورك في أفولٍ مُستمرٍّ، وإن حاول قادتُها المكابَرَةَ وحرفَ الأنظار بعيدًا عن الحقائق الماثلة.
ماركوس نولاند، نائب الرئيس التنفيذي مدير الدراسات في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يؤكّـد أن التخلف عن سداد الديون في الولايات المتحدة يعني انخفاض أسعار الخزانة الأمريكية، وارتفاع أسعار الفائدة، وهبوط قيمة الدولار، وزيادة التقلبات.
ويضيف: “من المحتمل كذلك أن يكون مصحوباً بانخفاض في سوق الأسهم الأمريكية، وزيادة الضغط على القطاع المصرفي الأمريكي، وزيادة الضغط على قطاع العقارات”.
وعلى المدى الطويل، حَيثُ يقول بعض المحللين: إن التخلف المحتمل عن السداد في الولايات المتحدة، قد يدفع الصين إلى تسريع سعيها لإنشاء نظام مالي عالمي أقل اعتماداً على الدولار.
تسريع الخطى الصينية تمخض عن إبرام الحكومة الصينية بالفعل سلسلة من الصفقات مع روسيا والسعوديّة والبرازيل وفرنسا لزيادة استخدام اليوان في التجارة والاستثمار الدوليين.
مُشرِع روسي، العام الماضي، قال “إن دول مجموعة البريكس، وهي، الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، تستكشف إنشاء عملة مشتركة للتجارة عبر الحدود”.
وأوضح كابري: “سيكون هذا بالتأكيد بمثابة حافز للصين؛ لمواصلة دفع تدويل اليوان، ولمضاعفة جهودها لجلب شركائها التجاريين إلى مبادرة “عُملة بريكس” المعلَنة حديثًا.
هذا التوجّـه الذي قد يستمر لسنوات يسير بالتوازي مع تلاشي هيمنة الدولار التدريجي؛ أي أن المسألة مسألة وقت لا أكثر.
واليوم ضمن هذه المتغيرات العالمية يحاول محمد بن سلمان أن يظهر للآخرين أنه متمرد على الإدارة الأمريكية وأن هناك توجُّـهًا لتقليص العلاقة مع واشنطن لحساب القوى الجديدة، لكنها أدوارٌ -برأي الدكتور علي الزنم، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان- “مدروسةٌ” هدفُها تلميعُ ابن سلمان لدور مستقبلي يكون أكثرَ طاعةً للقيادة الأمريكية، حَيثُ يدرك ووالدُه الملكُ حجمَ التدخلات الأمريكية في شؤون الأسرة المالكة في السعوديّة.
ومع تصوير ضغوط يواجهها ولي العهد الشاب تحاول المملكة السعوديّة استغلال هذا في حوارها مع صنعاء وإظهار نفسها أنها بين نارين مجبرة على مسايرة الأمريكان وتحيُّنِ فرصة للخلاص؛ وهذا ما ليس بصحيح البتة، حَيثُ تترسَّخُ أطماعُ الجارة في اليمن كما أطماعها في دول الخليج حولها دون استثناء، وإن كانت بصورة أكبر نتيجة لكبر وثقل حجم اليمن التاريخي والجيوسياسي والبشري.
وحول تقارب الرياض الكاذب مع صنعاء في مفاوضات سرعان ما طوى مِلَفَّها الجانبُ السعوديُّ، يعتبر الدكتور الزنم أنه “رغم المؤشرات الإيجابية التي ظهرت على السطح مؤخّراً من خلال زيارة الوفد السعوديّ إلى العاصمة صنعاء وتكرار الزيارات باسم المفاوضات التي كانت توحي بأن هناك تغيرًا وإن كان طفيفاً في السياسة السعوديّة؛ مِن أجل التهدئة لكنها خطوات ظلت “متأرجحة” ولا يبنى عليها كون الموجه الرئيسي كما تريد الرياض أن توحي لنا “هناك في واشنطن”، حيث التحكم بالنظام السعوديّ؛ وهذا ما يوجب الاستعداد الكامل للحرب قبل السلام، والقيادة الثورية والسياسية اليوم قد أشَارَت إلى تحضيرات كبيرة تقول: إنها ستفاجئ الرياض وتجعلها تعض أصابع الندم أي أنها قد تركت الخيار للنظام السعوديّ ما بين السلام والحرب بعد مدة من هدوء جبهات صنعاء لأربعة عشر شهراً؛ باعتبار أن فرض وضع اللا حرب واللا سلم مرفوض جملةً وتفصيلاً مع الرياض وأبو ظبي وأدواتهم وحلفائهم”.
وعلى الرغم من صعود نجم بكين السياسي والاقتصادي في المنطقة مقابل تهاوي الحضور الأمريكي تظل أمريكا حتى اليوم الراعي الرسمي لأمن واستقرار وتنمية وانفتاح نظام آل سعود، وبالتالي يظل هذا النظام مستغَلاً وبصورة مزرية للحد الذي ربما لا يرغب في فك ارتباطه بحاميه الأمريكي، مستغلاً جزء من وضع الاقتصاد العالمي لإرضاء الصين لا أكثر، وربما كان أُسلُـوب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هو الأكثر صراحةً ووضوحاً في ترجمة شكل العلاقة بين واشنطن والرياض، حَيثُ تبدو الأخيرة مُجَـرّد حارس منتفع لثروات المملكة فيما تجني الولايات المتحدة الأمريكية مئات، بل آلاف المليارات على شكل استثمارات بمسميات سعوديّة تظل في نظر الأمريكان ملكية أمريكية خالصة؛ إذ يصعب بل يستحيل تمكّن الرياض من إعادة تلك الأموال من بنوك وشركات أمريكا، فضلاً عن الهبات والمنح وأشكال مختلفة يتم بها سرقة أموال الشعب السعوديّ برعاية ومباركة حكام آل سعود.
ومع التشابك والارتباط السعوديّ بأمريكا سياسيًّا واقتصاديًّا يظل الارتباط السعوديّ بنظم التسلح الأمريكية حلقة قوية ليس بالسهل تجاوزها، فانتقال السعوديّة إلى نظم تسلح جديدة صينية روسية كمثال بحاجة لسنوات طويلة، فيما لن تبقى واشنطن صامتة افتراضاً مع أي تحَرّك سعوديّ بهذا الاتّجاه، حَيثُ يمكن اعتبار نظام محمد بن سلمان في الحقيقة النظام الأقل قبولاً وتماسكا داخلياً في تاريخ المملكة الحديث وإن أظهر النظام الحالي عكس ذلك؛ هذا ما يجعل بقاءَه في الحكم ولياً للعهد ثم ملكاً مرهوناً بعلاقته مع واشنطن، فيما تبدو تناقضات الداخل السعوديّ الكثيفة وحالة الصراع الدائم والصامت داخل الأسرة الحاكمة أوراقًا تخبر واشنطن كثيرًا من تفاصيلها.
وحسب رأي الدكتور الزنم، هناك فيتو أمريكي حول تقارُبِ الرياض مع طهران والصين والذي عده من ضمن مَـا هو متفق عليه “أسفل الطاولة”، حَيثُ ستسعى السعوديّة للتهدئة مع صنعاء بقدر المستطاع لكن كيف وقد وصلت اللعبة السعوديّة بنظر صنعاء إلى نقطة فاصلة؟
واشنطن ولندن يمسكان بخيوطِ المؤامرة:
في المقابل تلعبُ السعوديّة مع الإمارات في جنوب الوطن وتعتبران ذلك ملفاً آخرَ، حَيثُ هناك استعدادات كبيرة لفَـكِّ ارتباط شمال البلاد عن جنوبها وإحلال قوات بصبغة جديدة لا علاقة لها بالقوى الموجودة والعتيقة، ما يسمح للرياض ومن يقف خلفها بالتحَرّك بأمان في المحافظات الجنوبية والشرقية دون الخشية من انقلابات، أَو مفاجآت تكون لصالح صنعاء واليمنيين عُمُـومًا، حَيثُ تبدو المؤامرة السعوديّة الامارتية ومن خلفهم الغرب على كُـلّ اليمنيين، بما فيهم من هم بصف العدوان.
حيث تسعى السعوديّة والإمارات لسحب البساط في المحافظات النفطية من تحت أقدام قوى “الإخوان” وأتباع السعوديّة القدامى لصالح القوى الجديدة التي ترتبط بشكل مباشر بالسعوديّة أَو الإمارات؛ فيما تمسك واشنطن ولندن بخيوط المؤامرة في الرياض وأبو ظبي، وأيٌّ من هاتين الدولتين المأجورتين أفلحت في تحقيق أطماع القوى الكبرى ستكون محل تقدير هذا المحتلّ المتواري عن الأنظار.
لكن هذه التحَرّكات التي توحي بانفصال مِلف المحافظات الجنوبية عن الملف اليمني -في رأي الزنم- لن تنجح، حَيثُ تقديرات المحتلّ الخاطئة للوضع ستقوده للفشل، فضلاً عن المتغيرات التي أشرنا إليها وفق إرهاصات مرحلة جديدة تعيد بعضاً من التوازن للعالم في ظل تراجع قوة القطب الواحد وبروز عالم متعدد الأقطاب، حَيثُ ستقلب الطاولة وتعرقل الكثير من أجندة المحتلّين في اليمن، في ظل تنامي الوعي الشعبي العام المناهض لسياسات وأهداف العدوان الخليجي الأمريكي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي.
ورغم الارتباط السعوديّ بواشنطن إلا أن هذا مع تنوع تحليلات الوضع السعوديّ يستدعي الأخذ بالاعتبار التغيرات التي تقودها الصين وروسيا وأمريكا الجنوبية والهند، حَيثُ القائمة تتوسع شيئاً فشيئاً، وهذه تستدعي مراجعة سعوديّة لسياساتها التي تقول بعض الآراء أنها تتم على نحو هامشي نحو تصفير مشاكلها في المنطقة، مستشهدة بعودة علاقات الرياض بدمشق وعودة علاقاتها مع طهران، استعداداً للمرحلة المقبلة التي ستُجبر واشنطن فيها عن التخلي عن أُحادية قيادة العالم، وهذا برأي البعض ما يدفع للقول: إن السعوديّة لم تعد مستعدةً لدفع مزيد من الخسائر في حرب اليمن التي تتزعمها مع واشنطن ولندن، حَيثُ هي اليوم أوهن من بيت العنكبوت، في حين أن أية مجازفات ستكون ذات نتائج عميقة الأثر لن تقف عند التصعيد ضد الرياض عسكريًّا، بل ستتعداه إلى تأثيرات اقتصادية وأُخرى قد تحَرّك المياه الراكدة في الداخل السعوديّ على نحو واسع ومفزع لحاكم المملكة.
واليوم مع تغيير صنعاء لمعادلة المواجهة مع تحالف العدوان ظهرت السعوديّة أمام العالم بحجمها الطبيعي، فلولا حشد تحالفات الدول المعتدية على اليمن بسنوات الحرب الأولى لكان الأمر مختلفاً ولما تجاوزت الرياض وأبو ظبي بهشاشتهما أحلامهما المجنونة إلى السطو على ثروات اليمن ومحاولات التوسع في الجغرافية اليمنية الملتهبة في حضرموت والمهرة والجوف وشبوة كمحافظات يمنية غنية بموارد الطاقة فضلاً عن الجزر والموانئ؛ هذا ما يقودُ لوضع علامة استفهام كبيرة حول المرتكزات التي تتحَرّك على أَسَاسها الرياض وأبو ظبي ضمن مشاريعها التوسعية المكشوفة على حساب استقرار اليمن، ورغم التحولات والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية.
ورغم تغيير صنعاء لمعادلة المواجهة وكبح جماح المحتلّ في أكثر من مسار ما بين عسكري واقتصادي وسياسي، لا تزال محاولات آل سعود وآل نهيان قائمة على حساب استقرار وأمن اليمن والمنطقة.. لكن كيف؟
يقول الدكتور عبدالملك عيسى، أُستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء: “إن محاولة جديدة قديمة لا تفتأ يقوم فيها المخطّط الخارجي على تضخيم المسائل الداخلية اليمنية باستمرار بدعم فرنسي بريطاني سعوديّ أمريكي عمل عليه العدوان في الأيّام الماضية، ولقادم الأيّام عبر الضخ الإعلامي الكاذب والمبالغة في تناول الملفات الداخلية؛ بهَدفِ النيل من الجبهة الداخلية المتماسكة مع مرور الوقت، لكن هذا الأُسلُـوب الذي يمارسه هؤلاء بدا عقيماً منذ البداية، في حين أن وعيَ الشارع اليمني صار أكثرَ إدراكاً لتحَرّكات وأهداف تحالف العدوان وفق شواهد الأحداث وتراكماتها التي واجهها منذ ثمانية أعوام من الخنق والحصار في مناطق ومحافظات البلاد دون تمييز، حَيثُ يظهر تصاعد الاحتجاجات وبروز التكتلات المناهضة لمشاريع المستعمرين في المناطق التي تسيطر عليها قوى تحالف العدوان كمؤشرات على تنامي وتوسع رقعة الممانعة في الجنوب المحتلّ لتحالف العدوان وهذا ما سيقود -إلى جانبِ عواملَ دولية ومحلية- إلى إفشال مشاريع واشنطن وحلفائها بما فيها السعوديّةُ والإماراتُ اللتان ستدفعان ثمنَ الاستهتار بفرص السلام في اليمن؛ وهو ما تؤكّـدُ عليه تصريحاتُ صنعاء مؤخّراً”.
ولعل ما يتناوله الإعلام السعوديّ كمثال؛ بعرض قصص وأحاديث عن انتهاكات يتهم بها صنعاء يعبر عن حالة إفلاس لدى إعلام وصانع القرار السعوديّ ومحاولة يائسة للنيل من الجبهة الوطنية في الداخل؛ الأمر الذي فشل فيه تحالف العدوان فشلاً ذريعاً، حَيثُ يظهر الوضع المتأزم فقط في وعي صانع السياسة السعوديّ وسفراء وممثلي دول العدوان والغرب المتآمر لا أكثر، بل يعبّر عن حالة الإحباط وانتهاء خيارات العدوّ في مواجهة اليمن وصمود صنعاء، بانتظار لحظة فاصلة تفصح عن مرحلة جديدة تتلاشى فيها كثير من الصور التي رسمها المحتلّون الجدد على الجغرافية والواقع اليمني.