العدوانُ على اليمن أهم العوائق أمام رؤية 2030م لابن سلمان..بقلم/ محمود المغربي
لعقود طويلة شهدت المملكة السعوديّة طفرات نفطية وتدفق أموال طائلة إلى خزينة الدولة السعوديّة، وبما يفيض عن حاجاتها من الأموال، على الرغم من حالة البذخ الذي يعيشها آل سعود والمقربين منهم، وما يذهب إلى خزينة أمريكا من أموال النفط السعوديّ، وما ينفق النظام السعوديّ من مليارات في المؤامرات وتغذية الصراعات والفتن وفي نشر التطرف والفكر الوهَّـابي في الأقطار العربية والإسلامية إلا أن الأموال استمرت في التراكم نتيجة الإنتاج المفرط للنفط دون الاكتراث إلى أن هذا النفط هو ثروة غير مستدامة وأن الجيل الحالي يعبث بثروات عشرات الأجيال القادمة.
حتى إن حربَيْ الخليج الأولى والثانية وأزمة انهيار الشركات والبنوك الأمريكية في 2008م لم تؤثر كَثيراً على تراكم الأموال السعوديّة في الداخل والخارج رغم تحمل الخزينة السعوديّة أغلب خسائر تلك البنوك والشركات الأمريكية، إلا أن القرار السعوديّ بشن عدوان على اليمن قد غير قدر ومصير تلك الأموال وبدد كُـلّ مدخرات الآباء والأجداد على شراء أسلحة ومواقف وضمائر الحكومات والهيئات والمؤسّسات الدولية وعلى تغطية أفظع المجازر والجرائم المرتكبة بحق أطفال ونساء وأبرياء اليمن.
فمنذ بدء العدوان على اليمن في 2015م، اضطرت المملكة السعوديّة إلى صرف مئات المليارات، وبحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة، تكلف الحرب في اليمن السعوديّة ما يقارب 200 مليون دولار يوميًّا، ما يعادل 73 مليار دولار سنوياً.
هذا الإنفاق الهائل أَدَّى إلى تراجع احتياطيات النقد الأجنبي للسعوديّة من 732 مليار دولار في 2014م إلى 496 مليار دولار في 2019م.
كما أَدَّى إلى زيادة عجز الموازنة من 15 مليار دولار في 2014م إلى 79 مليار دولار في 2019م، ولتمويل هذا العجز، اضطرت المملكة إلى اقتراض أكثر من 100 مليار دولار من الأسواق المحلية والدولية منذ بدء الحرب.
وقد كان لإنفاق كُـلّ تلك الأموال آثار سلبية عظيمة على الداخل السعوديّ ووصلت تداعيات وآثار تكاليف العدوان الباهظة إلى كُـلّ بيت سعوديّ ليجد المواطن السعوديّ نفسه أمام فواتير لم يكن متعوداً على مشاهدتها وأمام وضع معيشي لا يستطيع تحمل تكاليفه، ولأول مرة أصبح المواطن السعوديّ يعمل حساب لقيمة دبة البترول ويحرص على إطفاء محرك السيارة عند الدخول إلى السوبر ماركت بعد أن كان يبقي محرك السيارة شغالاً أثناء فترة الدوام لتشغيل مكيف السيارة حتى تكون باردة عند العودة إليها.
وهذا ما دفع بالنظام السعوديّ للبحث عن مخرج من العدوان على اليمن وعن موارد مالية إضافية لتغطية العجز الذي يتصاعد كُـلّ يوم بالسعي إلى هدنة وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية وتهيئة الظروف المناسبة لجلب تلك الاستثمارات عبر الانفتاح وأطلق رؤية 2030م التي تهدف إلى تحويل المملكة من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع ومتطور.
ولتحقيق هذه الرؤية، يحتاج النظام السعوديّ إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 500 مليار دولار لبناء مشروعات ضخمة مثل مدينة نيوم والبحر الأحمر والقدية، إلا أن العدوان والحرب في اليمن شكلت أهم عائق أمام أحلام وطموحات ابن سلمان وجعل الاستثمار في المملكة ضرباً من الخيال، ومحاولات النظام السعوديّ إصلاح الوضع القائم أمر مستحيل بوجود حرب المملكة السعوديّة طرف فيها، تجعل من المملكة عرضة للقصف بالطائرات والصواريخ وبلداً غير صالحة وطاردة للاستثمار والمستثمرين الذين يبحثون عن بيئة عمل آمنة ومستقرة، كما أنهم لا يستطيعون تجاهل حقيقة أن المملكة تواجه انتقادات وضغوطات دولية شديدة؛ بسَببِ انتهاكات حقوق الإنسان والإغلاق البري والجوي والبحري على الشعب اليمني، هذه الظروف تجعل من المستثمرين يفضّلون بلدانًا أُخرى أكثر سلاماً وديمقراطيةً وشفافية.
وهذا يجعل النظام السعوديّ أمام خيارات صعبة للغاية لا يمكن الجمع بينهَا، وعليه إما وقف العدوان والخروج النهائي من اليمن والوصول إلى تسوية مرضية يقبل بها اليمنيون ويقفل بها وبشكل كامل أبواب العودة إلى المواجهات العسكرية مع اليمن وأية مخاطر تهدّد بيئة الاستثمارات التي يسعى إليها لإنقاذ بلاده ونفسه من السقوط، وإما الاستمرار في العدوان والحرب في اليمن والتخلي عن رؤية 20 / 30 ومدينة نيوم وجلب الاستثمارات الأجنبية ويصبح كُـلّ الانفتاح وكلّ تلك المليارات التي صرفت في الدعاية وتلميع المملكة تذهب هدراً والذهاب نحو الهاوية.