الاقتصادُ الداجني في اليمن.. إلى أين؟!..بقلم/ هلال محمد الجشاري
تعتبر أزمة الدجاج شغلاً شاغلاً للعالم طوال هذه الفترة، حَيثُ أسعارها ترتفع بصورة قياسية وبشكل ينافس أسعار الذهب في أسواق البورصة، وفي اليمن ارتفعت أسعار الدواجن بنسبة تصل إلى 80 % في ظل تضارب حول أسباب هذه الأزمة، وَإذَا نظرنا إلى الحقيقة فالموضوع أعمق وأخطر مما يتم تداوله كأحد أهم مرتكزات الأمن القومي الغذائي، واليمن كانت ولا زالت سوقاً مفتوحةً لعددٍ محدود من المستثمرين المحليين، وكلاء الدجاج الفرنسي في المنطقة ومن ورائهم عدد من المستثمرين من دول خارجية مجاورة وفق سياسات اقتصادية عالمية.
فمنذ سنوات عديدة وتمارس سياسة ممنهجة متسلسلة لاستهداف وسحق قطاع الدواجن في اليمن نهائيًّا ضمن خطوات متكاملة لإجبار وتوجيه الشعب اليمني على الاستسلام والتبعية المطلقة، ولتظل خلفية لدول خارجية، وفي المقابل ظل قطاع الدواجن مهمشًا، وحَـاليًّا وإن وجدت بعض المعالجات فهي هامشية شكلية لم تفهم اللعبة وما يحاك لهذا القطاع الحيوي الهام ولم تبذل الجهد الكافي لوضع المعالجات الجذرية الواقعية، وتم التركيز على الاستيراد من الخارج في ظل غلاء واحتكار أعلاف وغذاء الدواجن واللقاحات والعلاجات البيطرية وانتشار الأمراض وفيروسات الدواجن عالميًّا وحصدت الكثير منها وفق سياسات اقتصادية عالمية والتي جعلت تكلفة إنتاج الدواجن عالية جِـدًّا وسبب الأزمة الحالية.
وهذا يدعونا إلى أن نقول للذين يعولون على أن زيادة استيراد الدواجن ستحل الأزمة وتنخفض الأسعار بأن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق فالكميات التي من الممكن استيرادها لن تغطي استهلاك اليمن من الدواجن عدة أَيَّـام، فقطاع الدواجن لن يجد سبيله للتعافي بسهولة في ظل استمرار العمل بالسياسات التسويقية السابقة والاستسلام والهرولة إلى الحلول السهلة وعلى رأسها اللجوء إلى استيراد الدواجن من الخارج واتباع مبدأ شراء الدجاجة ولا تربيتها، أَو اتِّخاذ القرارات التخديرية ذات المفعول المؤقت التي يرافقها تخبط وخطط عشوائية غير مدروسة ولا مُجدية (ترقيع المرقَّع) وهذا فشل ذريع في إدارة الأزمة.
كما أن ضمن أسباب الفشل عدم وجود رؤية واضحة أَو خطة مستقبلية لإنقاذ مورد غذائي هام جِـدًّا بحجم قطاع الدواجن صاحب المليارات من الاستثمارات وآلاف من فرص العمل؛ فقطاع الدواجن طوال الفترة الماضية وإلى الوقت الحالي يواجه مشاكل مؤسّسية وأُخرى تسويقية وثالثة إنتاجية، الأمر الذى يحول دون الاستخدام الاقتصادي الأمثل للموارد المتاحة فيها، مما يتطلب تكاتف جميع أطراف قطاع الدواجن -حكومةً وقطاعاً خاصّاً-.
قطاع الدواجن في حاجة إلى مبادرة مصالحة وإخلاص النوايا لله للحفاظ على ما تبقى من هذا القطاع الحيوي الهام وكسب ثقة المواطن اليمني ومصلحة الأُمَّــة من خلال تحمل المسؤولية لتطوير وتنمية هذا القطاع الحيوي الهام بدا بتوفير قاعدة بيانات سليمة عن قطاع الدواجن ووضع الدراسات والمشاريع والخطط الاستثمارية، وفي المسار الآخر تخفيض فاتورة الاستيراد من اللحوم المجمدة ومشتقاتها، والأعلاف والحبوب المركزة التي تتغذى عليها وإيجاد حلول عاجلة لعودة صغار المربين لإنتاج الدواجن مع حَـلّ مشاكل غلاء الأعلاف وكتاكيت التسمين لتنخفض التكلفة ومن ثم انخفاض أسعار الدجاج للمستهلك وضبط كُـلّ أوجه الاحتكار وإعادة ترتيب السوق المحلي للثروة الداجنة، وعمل الحلول المناسبة لنحافظ على الأمن القومي الغذائي عبر إجراءات ومعالجات حقيقية نافعة وصارمة وتخفض أَو تلغي الجمارك والضرائب وتعمل الحلول المناسبة فيما يخص أسعار الغذاء وتفعيل الزراعة التعاقدية والبحث العلمي في جانب انتخاب وإكثار زراعة أصناف ذات إنتاجية ممتازة من أعلاف وغذاء الدواجن وتطوير السلالات والبحث عن طرق ووسائل لتخفيض الكلفة والبحث عن مصادر بديلة محلية أَو خارجية لاستخدام غذاء أَو مركزات وأدوية من مصادر محلية، وضبط المحتكرين من المستثمرين الكبار الذي يتحكمون بالسوق المحلي، وكذلك دراسة المؤثرات الإضافية وتحليل تأثير وسطاء وأسواق الدجاج والبيض وتأثير وسطاء استيراد الكتاكيت والغذاء والدواء، وارتفاع الأسعار عالميًّا والبدائل المناسبة وفق عدة مسارات منها طارئة وعلى المدى الطويل، وتبني مشاريعَ قومية لجمع وحصر عينات الدواجن في تلك البلدان ودراسة وفحص ومراقبة كُـلّ تلك السلالات والخطوط وانتخاب وتحسين السلالات الأجدى اقتصاديًّا ومكاثرتها واستثمارها لسد الاحتياج المحلي وتصدير الفائض.
وكما لا ننسى الاهتمام بالدجاج البلدي والمحلي وتنميته من خلال حصره ومكاثرته وتحسينه وتوفير غذاء وأعلاف الدواجن محليًا وتفعيل الزراعة التعاقدية عبر الجمعيات التعاونية الزراعية، وتصحيح مسار الشركات الوطنية وتوجيهها التوجيه الصحيح وتفعيل وإنشاء جمعيات منتجي دواجن وطنية، وتوجيه الجميع للاستثمار المحلي والعمل وفق رؤى وخطط وطنية عملية قابلة للتنفيذ وفي المقابل مواجهة كُـلّ تحديات قطاع الدواجن وعمل قفزة نمو في طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من لحوم وبيض الدواجن ومستلزماتها.