عميد كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور مشعل الريفي في حوار لصحيفة “المسيرة”: الانتصارُ لن يكتملَ إلا بالاستقرار التام وخروج الاحتلال من بحار وجزر وأجواء اليمن
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي
أكّـد عميدُ كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، الدكتور مشعل الريفي، أن تحالُفَ العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن وظَّف كُـلَّ موارد اليمن -بما في ذلك النفط والغاز والإيرادات العامة في منطقة سيطرته- في تمويل عدوانه على اليمن.
وقال في حوار خاص لصحيفة “المسيرة”: إن “تحالُفَ العدوان يدفعُ إلى انهيار الاقتصاد؛ بهَدفِ تمرير مخطّطات الاستحواذ والتقسيم”.
وأشَارَ إلى أن إهمالَ المِلف الاقتصادي في أية تفاهمات وتسويات قادمة سيمثّل للتحالف باباً مفتوحاً للانتقام وتعويض خسارته العسكرية، من خلال تسديد ضرباته التخريبية والتآمرية على الاقتصاد اليمني الضعيف والمنهك والمستنزَف؛ بفعل العدوان وَالحصار.
إلى نص الحوار:
– حديثُ وسائل إعلام تحالف العدوان عن انهيار اقتصادي لدى حكومة المرتزِقة.. كيف تقرأ هذه الرواية وعلاقتَها بمنع صنعاء لتصدير النفط والغاز في المناطق المحتلّة؟
من مصلحة دول التحالف إفقارُ اليمن، واشتدادُ الأزمات الاقتصادية على أَسَاس أن ذلك يقوِّي سلطةَ دول التحالف التي تُظهِرُ نفسَها على أنها ستكونُ المموِّلَ والملجأَ لإنقاذ الاقتصاد، رغم أنها في الحقيقة المسبِّبَ الرئيسَ لتراجع الاقتصاد في اليمن وأزماته، حَيثُ يمكِّنُها ذلك من الظهور في مظهر المعطي والمانح، وبالتالي تمرير سياستها العدوانية والتقسيمية والتوسعية بسهولة ونجاح، مستغلةً حالة التبعية والخنوع المسيطرة على القوى والأطراف السياسية الموالية لها والتي توظّفها كغطاء شرعي؛ لتمرير أجندتها الاستعمارية في اليمن.
ومن جانب آخرَ، تساعدُ هذه الحربُ الاقتصادية في إضعاف الحكومة الموالية للتحالف لصالح المجلس الانتقالي الذي يعتبرُه التحالف الورقةَ الأنسبَ لهذه المرحلة، وهي مرحلةُ إكمال مخطّط التقسيم لليمن عبر سياستها الحثيثة على الميدان؛ لخلق واقع سياسي مجزَّأٍ تتوسع فيه سلطة المجلس المحلي الانتقالي على المحافظات الجنوبية والشرقية؛ ما يضمن فصلَ المحافظات الجنوبية والشرقية التي هي تحت سيطرة التحالف عن الجزء المتحرّر من سيطرتها المتمثل في المحافظات الشمالية والغربية.
– هل يمكن أن يكونَ دفعُ اقتصاد حكومة المرتزِقة للانهيار مع قطع مرتبات الموظفين سببُه مساعي العدوان لتحميل صنعاء المسؤولية كما هو حاصلٌ في إعلامهم وإعطاء زخم لرأي عام دولي يوازي الضغط الذي تعرض له التحالف استعداداً لمرحلة تصعيد قادمة، خَاصَّة مع ترويج الأمريكيين لأخبار “محاربة الإرهاب” في اليمن والذي قد يسمح للأمريكيين بالتدخل المباشر؟
دفعُ الاقتصاد للانهيار هدفُه زيادةُ فرص الابتزاز السياسي من قبل التحالف لمن يوالونهم من القوى والتيارات اليمنية؛ وبما يضمن خضوعَها أكثرَ لتمرير مخطّطات الاستحواذ والتقسيم، وتمكين الكيان السياسي والعسكري ما يسمى بالمجلس الانتقالي التابع للاحتلال الإماراتي الذي يعتبره التحالف ذراعَه الميداني في تلك المحافظات في المرحلة القادمة، وكلّ الجهود والمخطّطات -سواء الإعلامية أَو الاقتصادية أَو العسكرية للتحالف وكذلك للولايات المتحدة في الملف اليمني- هي لتحقيق هذا الهدف المرحلي للعدوان.
حتى الحديثُ عن الحرب على الإرهاب؛ فالإرهاب هو صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من ترعاه وتمَوِّلُه، وتُمسِكُ بخيوطه وتحَرّكه وفق مصالحها في المنطقة في مختلف أرجاء العالم.
– هناك من يسأل: أين ذهبت إيراداتُ تصدير النفط لثماني سنوات من عمر العدوان، حَيثُ كانت سفن العدوان دون استثناء تقوم بشحن كميات بملايين الدولارات لا تعود إيراداته لصالح تحسين معيشة المواطن لا جنوباً ولا شمالاً؟
لقد وظّف التحالف كُـلَّ موارد اليمن -بما في ذلك النفط والغاز والإيرادات العامة في منطقة سيطرته- في تمويل حربه على اليمن، لم يترك التحالف شيئاً إلا وسيطر عليه ووجّهه لتمويل عدوانه، حتى القوةُ الشرائيةُ للريال وظّفها العدوانُ في توليد عُملة أجنبية عبر طبع كمياتٍ كبيرةٍ من النقود الورقية بالعُملة اليمنية، واستخدامها ليس في دفع المرتبات، لا في تمويل وظائف الدولة اليمنية ولا في إعمار وصيانة البِنية التحتية، بل استخدم كُـلَّ تلك المطبوعات والتي وصلت إلى قرابة تريليونَينِ من الريالات في المضارَبة بها في سوق الصرف، حَيثُ استُخدمت في شراء العُملة الأجنبية من أسواق الصرف باليمن؛ مما أَدَّى إلى تراجُعِ سعر صرف الريال المطبوع مقابلَ العملات الأجنبية؛ وهو ما مثّل أحدَثَ وَأخطرَ عملية نهب لدُخُولِ اليمنيين وَقوتهم الشرائية وَتحويلها إلى عُملات من الصرف الأجنبي الذي يموِّلُ أغراضَ الحرب وَالعدوان على اليمن.
– ماذا عن أرصدة المشتقات النفطية اليمنية ضمن بنوك السعوديّة “الأهلي” والإمارات “أبو ظبي”.. لماذا تذهبُ إلى هذه البنوك؟
الاحتفاظُ بأرصدة المشتقات النفطية اليمنية في مصارف دول التحالف هو عبارةٌ عن التنفيذِ العملي للاستحواذ على أهم موارد الثروة والدخل في الاقتصاد الوطني، وتحويلها إلى حُقَنٍ ورافدٍ لاقتصادات دول التحالف؛ لاستثمارِها وتوظيفِها في تمويل العدوان على اليمن، وتنفيذ مخطّط الاحتلال والاستيلاء على أرض الميدان.
– هنالك حديثٌ عن توجُّـهٌ سعوديّ لطبع عُملة بروسيا بدون غطاء لحكومة التحالف.. هل هناك لعبةٌ جديدة للتحالف ضمن حربها الاقتصادية على البلاد؟
أيُّ توجّـه لطباعة نقود يمنية جديدة من قبل تحالف العدوان هو في سياق الحرب الاقتصادية، التي على ما أعتقد ستكون حربَها الرئيسية في المرحلة القادمة، إذَا ما نجحت في تمرير اتّفاقيةٍ لوقف الحرب أَو اتّفاقية هدنة ممتدة أَو اتّفاقية سلام لا تشمل بنودُها سَدَّ الثغرة في الجانب الاقتصادي، ومن هنا علينا أن نكون حذرين في أية مفاوضات من هذا القبيل، بحيث يجب أن يتصدَّرَ المِلَفُّ الاقتصادي أولوياتَه بالنسبة لفريقنا الوطني المفاوض؛ إذ إن أية اتّفاقية قد تُبرم يجبُ أن تتضمَّنَ تسويةً للمِلف الاقتصادي، تضمن اليمن من خلالها مجموعةً من الترتيبات التي تكفل إعادة إنعاش الاقتصاد وحماية قيمة العملة الوطنية وسد أية ثغرات قد ينفذ من خلالها العدوان ضرباته للوضع الاقتصادي في مرحلة ما بعد التسوية العسكرية أَو السياسية؛ إذ إن إهمال الملف الاقتصادي في أية تفاهمات وتسويات قادمة سيمثل للتحالف باباً مفتوحاً للانتقام وتعويض خسارته العسكرية، من خلال تسديد ضرباته التخريبية والتآمرية على الاقتصاد اليمني الضعيف والمنهك والمستنزَف؛ بفعل الحرب والحصار.
– مقابلَ تدهور كبير لأحوال البلد والمواطن في المناطق المحتلّة هناك استقرارٌ في المناطق التي يحكمها المجلس السياسي الأعلى.. ما دلالات ذلك؟
الاستقرارُ النسبيُّ في مناطق حكم المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ هو مؤشِّرُ نجاحٍ مرحلي حكومي، في تقليل آثار وتداعيات الحرب الاقتصادية متعددة الجوانب التي يشُنُّها التحالفُ على اليمن، إلا أن ذلك لا يعني نجاحاً كاملاً ومطلقاً؛ فالاختبار الحقيقي في الميدان الاقتصادي لا يزال على الأبواب، وسوف تشتدُّ التحدياتُ الاقتصاديةُ مع مرورِ الوقت من جهة، ومع ما هو متوقَّعٌ من نقل التحالف لمعركتِه ضد اليمن إلى الميدان الاقتصادي بوتيرةٍ أشدَّ مما كانت عليه، وتيرة تتميَّزُ بالمؤامرات، وخلقِ الأزماتِ في الأسواق، وزيادةِ الضغوط التضخمية، والعمل على تحقيق تراجُعٍ شديدٍ في قيمة الريال اليمني وقوته الشرائية، وعلى الحكومة أن تكون مستعدة للمواجهة وحماية الاقتصاد الوطني.
– هل ما تزال سياسة التجويع وسيلةً فاعلةً لتنفيذ أجندة وأهداف المحتلّ في عالم مفتوح، ألا يخشى من ثورة جياع قد تهدّد أحلامه؟
يتخذُّ العدوانُ سياسةَ التجويع على أنها إضعافٌ للطرف اليمني ولأية فرص مقاوِمة لمشروعه الاستحواذي، وتقوية لموقفه ونفوذه داخل اليمن؛ حتى ثورة الجياع لا يعتبرها خطراً يهدِّدُ وجودَه بقدر ما هي إخضاعٌ وإضعافٌ لأية قوًى يمنيةٍ على الساحة، والتي سيُظهِرُ لها التحالُفُ نفسَه على أنه المُخَلِّصُ والممول للإنقاذ الاقتصادي والمهدِّئ، بالتالي لأية اضطرابات شعبيّة ذات بُعدٍ معيشي واقتصادي.
– كيف تلخِّصُ واقع البلد الاقتصادي كخبيرٍ ومتابع للأوضاع في إطار حرب اقتصادية تستهدفُ البلاد منذ ما يزيد على 8 سنوات؟
الوضعُ الاقتصادي هَشٌّ وصعبٌ؛ بحكم سنوات الحرب والحصار وتدمير قواعد وركائز الاقتصاد الوطني من قبل العدوان.
صحيحٌ أننا نجحنا في الصمود خلال المرحلة السابقة، لكن يجب علينا أن نعيَ أهميّةَ المِلف الاقتصادي في مواجهة المرحلة القادمة، ونعطيَه حقَّه من التخطيط والتنفيذ الميداني، سواء على صعيد السياسات والإجراءات الداخلية، أَو على صعيد التفاوض مع دول العدوان؛ فلا بدَّ من تسوية تضمن تأمين جبهة الاقتصاد الوطني، وتعويض الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، بما في ذلك كلفة الفرص الاقتصادية المُضَاعة؛ جَرَّاءَ الحرب والحصار.
– هل يمكن القول إن صنعاءَ تنتصرُ في مواجهة هذا التحالف المحتلّ في هذا الظرف، خَاصَّةً أننا نتحدَّثُ عن معادلة الدولة مقابل الدول، الموانئ مقابل الموانئ… هكذا؟
الصمودُ الأُسطوري في ظل البدء بميزان قوى غير متكافئ تماماً هو انتصارٌ، ناهيك عن الانتقالِ من الصمود والتصدي إلى المبادرة والتهديد والضربِ في العمق وفي أكثر المواقع حساسية لدول العدوان، والذي مكَّنت منه جهودُ اليمن الناجحةُ في التصنيع العسكري، وامتلاك قوى صاروخية وطيران مسيَّر في ظل حصار من جميع الاتّجاهات جواً وبراً وبحراً.. صناعة عسكرية مع صمود عسكري وبسالة ميدانية للجيش واللجان الشعبيّة، الذين قدَّموا دروساً تاريخيةً في الحرب والمقاومة وصد العدوان؛ فكان للوطن بهم وبالصناعة العسكرية الوطنية درعٌ يحمي وسيفٌ يضرب.
ورغم هذا لن يكتمل الانتصار إلا بإنجاز الاستقرار التام وخروج الاحتلال من كُـلّ شبر من أراضي الجمهورية اليمنية وبحارها وجزرها وأجوائها.
ولن يكون نصراً ناجزاً إلا بتعويض الخسائر البشرية والمادية وتعويض أبناء الوطن عن تضحياتهم ومعاناتهم وَتمكينهم من جديد من العيش في وطنهم بحرية وأمان وكرامة دون تفرقة أَو حدود أَو حواجز؛ وهذا هو التحدي القادم الذي يجب استكماله، ويحتاج إلى أن تعمل الدولة ومعها أبناء الشعب في عدة ميادين مجتمعة: الميدان الاقتصادي والعسكري والأمني والسياسي والدبلوماسي.
– هناك مخاوفُ من عودة المواجهة مع السعوديّة والإمارات، فيما يرى العدوان أن ما قدَّمه لصنعاء من تسهيلات بفتح جزئي لميناء الحديدة ومطار صنعاء قد يوقف أيَّ تحَرّك للتصعيد ضدهم.. ألا ترى أن هذه السياسَة التي يتبعُها العدوُّ مكشوفةٌ تفتح المطار وتعيق رحلاته، توسع رحلاته بعدد محدود وترفع أسعار تذاكر السفر.. في المقابل يتحَرّك العدوّ على الأرض بشراهة نحو تقسيم يستبق أي اتّفاق، في حال حصل كيف تقارن مكاسب صنعاء مقابل مكاسب العدوان حتى الآن؟
أرى أن تحالف العدوان يسعى لتوظيف واستثمار فترة التهدئة؛ لتمرير أجندته في المناطق الجنوبية والشرقية من أرض الوطن، وهذا خطير جِـدًّا، ويجب أن يُدرَسَ بعنايةٍ، ويعاد النظر في تقييم الوضع الحالي على الصعيد الدبلوماسي والعسكري، إذ يقومُ التحالفُ بكل تلك التطورات على الساحة الجنوبية والشرقية عبر تهدئةٍ كلفتُها عليه هينةٌ وزهيدة مقابل ما يسعى ويصل إليه من مكاسبَ عبرها وخلالها.
– ماذا لو قرّرت صنعاءُ في أيةِ لحظةٍ استهدافَ السعوديّة والإمارات.. كيف سيتأثّرُ اقتصادُ هذه الدول؟ وَما حجمُ الخسائر التي قد تلحق بها؟
رأينا حجمَ الضرر في آخر ضربةٍ وجّهتها قوتُنا الصاروخية وطيرانُنا المسيَّر لمنشآتٍ سعوديّة نفطية حيوية، ضررٌ تجاوَزَ المملكةَ؛ ليطالَ النظامَ الغربي العالمي، الذي يقفُ وراءَ تحالف العدوان، وهي الضربةُ التي أتت بالتحالف للتفاوض على وقف إطلاق النار وإبرام اتّفاقيات الهدنة الماضية؛ فعندما تتحوَّلُ هذه الهُدَنُ في ميزانِ الربح والخسارة لصالح المعتدين فَــإنَّها تصيرُ خياراً سيئاً ومكلِفاً تجبُ إعادةُ النظر فيه، والتفكيرُ في الخياراتِ الأُخرى المتاحة، التي تخدُمُ مصالحَنا القوميةَ، وتستعيدُ حقوقَنا المشروعة.