رحلةُ الختام.. يتلوها أطفال ضحيان..بقلم/ كوثر العزي

 

تحصين ووقاية، رقابة وحماية، كادر متميز، ومناهج قرآنية، مدارس صيفية، وتزكية للنفوس، جـهاد ومـنافع، عينٌ على القرآن وعينٌ على الأحداث، تربية للأجيال، وبغض لليهود والنصارى، وتحرير القدس عنوان، نصرة للمظلوم، وتحرير الأوطان، تحت جيل الأنصار، ثقافةٌ قرآنية تزود الصغار، وعزة وكرامة زرعت في قلوب الأطفال، أن الحق لنا والشرعيةُ تحت منهج القرآن، وأن السيادة يمنية حتى بقية الأيّام.

تحت رايـة عـلم وجـهاد، تجمع الصغار والتحقوا بالمراكز الصيفية، ليتعاونوا على البر وَالتقوى، ومن عُمق قوله تعالى: “وأعدوا”، أعد الصغـار أنفسهم وشغفهم للصعود في سفينة النجـاة والبقاء تحت راية الولاء المحمدي، ومن طيات “انفروا” نفروا وهبوا والتحقوا بالجبهات الداخلية والتحصين من الحرب الناعمة، صغارًا، وكبارًا، تحت أنظار القيادة، مرت أَيَّـام الدراسة الصيفية وبتشجيع من الدولةِ والقائد، ما بعد تلك الفترة التدريسية كان هنالك رحلات ترفيهية لمعالم تاريخية، وأثار يمنية، وزيارة لروضات الشهداء.

في محافظة صعدة تحديداً من عُمق مدينة العلماء “ضحيان”، حَيثُ كان لها نصيبها الأوفر من افتتاح المراكز الصيفية، ولها كادرها ومدرسيها مُنذ بزوغ المسيرة كانوا أنصاراً ومن دروس ومواعظ الشهيد القائد استقوا، أطفالاً ليوثاً منذ الصغر، رضعوا من أُمهاتهم حب الشهادة وعشقوا طريق الجهاد، تعلموا من الآباء ما معنى التضحية وماذا يعني الفداء، تحكي لهم تربة ضحيان مآسي الحروب الأولى ومدى تضحية أبنائها، تسألهم عن الحلم والطموح في المستقبل، بِكل عنفوان يصدح الأطفال بأسمى الأمنيات، أن نصبح مجاهدين ونصبح شهداء، تعلموا الدروسَ، وتدبروا الآيات، عرفوا خطورة العدوّ ومكائده، والعدوان بدوره خائف من أجيال القرآن، خائف من أحفاد الحروب الأولى وعزم الجهاد آن ذاك، يخطط ويدبر لانتشال الأرواح، وتشويه الأجساد، عجزاً منه عن تشويه الأفكار، ونزعِ الإيمان، وسلب الهُــوِيَّة اليمنية، وجعله دمية في يده قيد الموضات ينصاع، ليقطف أزهاراً نمت وارتوت من دماء الشهداء؛ ليجعل ضحيان صريعة الويلات، تكابد الأحزان، تكتسي رداها الأسود، وتعلن الحداد، ليفقد كُـلّ بيت طفلاً كان بمثابة ركن من أركان الدار.

مرت وانتهت دراستهم الصيفية، واستعد الطلاب للذهاب للرحلة التي تقام في ختام الدورات، بفرح تلقى الصغار إشعاراً عن رحلة ستقام لهم إلى روضات الشهداء يليها ضريح الإمام الهادي بالمحافظة، لم ينم الصغار من فرحتهم، وبات الإخوةِ تحت الفراش يخططون، وأحدهم يشحن هاتفه ليوثق رحلته مع الرفاق لتبقى الذكريات ويذهب أصحابها للعُلى، سطعت الشمس مشرقةً معلنة قدوم الصباح، والطيور بقت جامدة مستنكرةً ذلك الكائن الغريب الذي يترصد لذك الجامع الذي تقام فيه المراكز الصيفية، أما عن الطلاب، فقد كانت البسمةُ عنوانهم، والوداع رفيقهم، والجنان طريقهم، اتّجه الطلاب للجامع الكبير، فرحين مسرورين، حسب توجيه المعلم يتحَرّكون، اتجهت الحافلة، لإحدى الروضات وهي روضة “الجعملة” نزل الصغار واستقبلتهم أرواح الشهداء، ذهب البعض يحتضن ضريح أباه، والبعض ضريح أخاه، كُـلٌّ يذهب لوجهته، ما من دار بقي لا يحملُ في جوفه تضحية شهيد، الهواتف تصور وتوثق، قراءة الزيارة، واحتضان الروضة.

انطلقوا لمدينتهم مدينة ضحيان ليكملوا بقية الروضات ومسجد الهادي -عليه السلام- بصعدة، توقفت الحافلة في سوق ضحيان، سوقٌ مكتظٌّ بالمواطنين، نزل المعلمون لشراء حاجيات الرحلة، ما إن تجمع بقية الرفاق على الحافلة ليروي أصدقائهم ويتحدثون عن تلك الزيارات حتى اقتربت ساعة الغدر بهم، وانشقَّ قلبُ ضحيان، وصر صرير خطف الأنفاس، من أعالي السماء سقط صاروخ بالحقد السعوديّ قد ملئ، ليستقر في وسط حافلة الأطفال، تبعثرت الأشلاء، وصعدت الأرواح لبارئها، تلوث الهواء، واحمرَّت الأرض بالدماء، بأي ذنبٍ قُتلت، وبأي حقٍ للحياة سُلبت؟

هب الرجال ليلتقطوا من هو جريح وبقي يصارع الألم لإسعافه إلى المستشفى، كانت أعمارهم ما بين السادسة وَالسادسة عشر، حين وصل خبر استشهادهم لقلوب أُمهاتهم بأن أطفالكم اليوم باتوا أشلاء والبعض جرحى، أية رجفة تعتلي القلوب عند ذهاب الآباءُ للبحث عن صغارهم خوفاً من تشوه أجسادهم، أَو عدم لقاء الجثمان، أحدهم ممن نجا في الركن يبكي خشية إبرة، والعدوان ببطشه قد أسقاه صاروخاً شوّه ملامح وجهه، وآخر هناك يصيح وجعاً من الحروق التي سكنت تفاصيل جسده، ذُبحت الطفولةِ من الوريد إلى الوريد، أحلام دفنت في أرضها، اعتراف من العدوان أن الرصد كان منذ بداية الصباح، لكن سكوت دولي وتواطؤ عالمي، جعلها تتعالى في الأقوال بأن الحوثيين قد حمّلوا الحافلة بمعدات عسكرية ثقيلة، وجعلوا الأطفال ضحية دون عطفٍ منهم أَو رحمة، ما زادهم عذرهم إلا قبحاً، حقيقتكم هي عجزكم مقارعة الرجال حتى صببتم جم الحقد على أطفالهم.

ما زال ثأرنا قائماً، وما زالت تلك المجزرة حديثة الأمس واليوم والغد، سجلت بالعار الذي سيلاحقكم مدى الحياة، ليخزيكم قبيح صنعكم جيلاً بعد جيل.

بعد الفاجعة أتت الأمم بدموع التماسيح الكاذبة، قائلة سنعوض أباء الشهداء بمبالغ مالية، والجرحى بعلاج وَتعويض نقدي، عند من وبأي بلد تتكلمون عن السكوت والتكتم عن هذا الجرم؟ استهانة بالأرواح لا مثيل لها إلا في قانون الأمم المتحدة، فرحـلةُ الخـتام الـتي رواهـا أطفال ضحيان ليست إلا رواية مـن روايات مِلف الانتهاكـات بحق الشعب اليمني.

فُتحت قبور صغيرة احتوت أجسادهم الطاهرة، إكراماً لأجسادهم تم احتضانهم، أحد القبور فارغة، لم يتم العثور على جسد ذلك الصغير، وأحدهم قد دفنت ثيابه بدلاً من جسده، يدخل تلك الروضة الناجون من هول الصاعقة المتأثرون بجروح تسكن أجسادهم الصغيرة، بدموعٍ يخاطبون أصدقائهم كيف تبدوا القافلة بقيادة أمير الشهداء، بقوةٍ حديدية يتوعدون العدوان السعوديّ وأدواته بالويل والتنكيل، أتظن أنك أرعبتهم لترك الجهاد، أتظن أنك أرضختهم؟ لا، والذي أعز اليمن بالقائد، ورفع اليمن بالأنصار، إنهم لكم بالمرصاد، متلهفين لأخذ الثأر وسلب الأمان من أعين الطغاة والظالمين، متوعدين لكم، وتحت أقدامنا منصاعين، اليمن قاطبة تتقادح شرراً ضد الحكم السعوديّ والإماراتي، ناهيك عن العداء الواضح لأمريكا وغيرها من الدول الغربية المعادية، ثأرنا قائم، لن ننسى جرائمكم وستبقى خزياً يلاحقكم، سنجعلكم صغاراً وسنفضحكم أمام العالم، أظننتم بفعلتكم هذه قد تخيفون الصغار والكبار!

أرأيتم هذا العام كم من الأطفال التحقوا وكم من تهديدات تلقيتم من جيل سميَّ بـ فَتْح القدس ووعد الآخرة، نـحنُ أُمَّـة “الموت لها عادة وكـرامتها من الله الشهادة”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com