طلابُ الدورات الصيفية بين ضرورة الارتقاء الفكري ومخاطر الاستهداف الثقافي..بقلم/ علي صومل
تودع المراكز العلمية طلابها، فيعود التلاميذ إلى بيوتهم بعد رحلة علمية بذرت في عقولهم المعارف، ودورة تربوية غرست في نفوسهم الفضائل، سيعودون ولما يزل الزرع في أولى مراحل النمو، ولم يصل بعد مرحلة النضج٠
ومن نافلة القول أن نوضح المقال بالمثال فنقول: إن بذر قواعد العلوم في صفحات القلوب والعقول، وغرس مكارم الأخلاق في أعماق الضمائر والنفوس هو عمل مماثل لبذر البقوليات والحبوب في المدرجات والحقول، وغرس أشجار الفاكهة في الفراديس والمروج، جميعها تحتاج إلى استمرار الرعاية ومتابعة العناية؛ حتى تقوى أشجارها، وتنضج ثمارها، فإن لم تحظَ بما تحتاج إليه من متابعة الري بين الفينة والأُخرى، وإزالة الحشائش والأعلاف التي تنبت حولها، ومكافحة العوارض والآفات التي تعرض لها، فقد يتسبب هذا الانشغال عنها والإهمال لها بموت الشجرة وهلاك الثمرة٠
فعودة الطلاب إلى بيئتهم التي جاؤوا منها، وانقطاع المعلمين عن الارتباط بهم والتواصل معهم سيكون بمثابة قطف الثمرة قبل نضجها، أَو قطع الشجرة قبل أن تؤتي أكلها، وفي ذلك خيبة الطموح والأمل وضياع الجهد والعمل، فطلاب الدورات الصيفية اليوم بين ضرورة الارتقاء الفكري وخطورة الاستهداف الثقافي سيعود الطالب بمعلومات محدودة وضعيفة لا تصمد أمام شبه المخالفين وإشكالات المرجفين وأخلاق غَضَّة وطرية لا تقوى على مقاومة أعاصير الإغواء وعواصف الفساد، ولن يقول لكم: إن فلاناً قال لي: إن المسألة الفلانية خطأ وإن المعلومة الفلانية غير صحيحة؛ خوفاً من أن يكون ردكم عليه: أنت كنت تلعب وتضيع وقتك، ولم تكن تركز مع الأُستاذ وتذاكر الدروس جيِّدًا.
العدوّ الذي كان يغتاظ، ويضج من توافد آلاف الطلاب إلى المركز الصيفية هو الذي سيشتغل على استقطابهم فرداً فرداً بعد أن تغفلوا عنهم، وتخلوا بين العدوّ وبينهم، ولو ظننا -وهو ظن خاطئ بالتأكيد- أن العدوّ لن يحتك بهم ويقترب منهم، فهناك أصدقاء السوء وهناك شبكات الفساد في الإنترنت، وهناك الكثير والكثير من الشواغل والمشاغل التي تصرفهم عن النظر إلى الكتاب؛ فلا تزال علاقتُهم بالكتاب كعلاقة الماء بالنار، فعقب انطفاء النار يفقد الماء الحرارة، ويعود إلى حالته السابقة “البرودة”، وهؤلاء بمُجَـرّد توقف الدراسة وغياب الأُستاذ عنهم سيودعون الكتاب في أدراج النسيان إن لم يمزقوه إلى أوراق، وخُصُوصاً إذَا كان الطالب -كلما رأى الكتاب- تذكر سوء معاملة الأُستاذ له، وشدة قسوته عليه، فالصغير لا يزال جاهلا بقدر العلم؛ ولذا لا تنتظر منه أن يكون هو المبادر إلى التعلم بل كن أنت من يحبب العلم إليه ويرغبه فيه٠
والطريق الأجدى لاستمرار نمو الطالب معرفياً وسموه أخلاقياً:
1- يتم اختيار الطلاب الأذكياء والنابهين، ليعودوا لمواصلة الدراسة السنوية، ويجمعوا بين دراسة العلوم الدينية ودراسة المناهج الحكومية النظامية، وهذا ميسور للمراكز التي القدرة الاستيعابية والكادر التعليمي المؤهل المتفرغ لمواصلة التدريس طيلة أَيَّـام العام.
2- إذا كان المركز الصيفي في نفس المنطقة، والأُستاذ من نفس المنطقة أَو من المناطق القريب منها، فليجعل له دروساً أسبوعية تكون بمثابة التقوية لجسور الارتباط ومواصلة الارتقاء الفكري والأخلاقي بالقدر المتاح، ولو تكون الدراسة جلسات عصرية في يومي الأربعاء والخميس من كُـلّ أسبوع، وسيتفق معهم على تحديد المكان المناسب للدراسة، والأنسب أن يكون الأُستاذ هو من يذهب إليهم، كما أن حسن استغلال المناسبات الدينية والاجتماعية مثمر ومفيد جِـدًّا، فيجعل الأُستاذ من أية مناسبة مهمة فرصة لزيارة المنطقة التي درس فيها، والالتقاء بأهلها، وفي طليعتهم طلابه ومريدوه وتبادل النقاش الفكري والحديث الودي معهم.
3- الطلاب الذين لا توجد إمْكَانيات لدى المركز لاستيعابهم في الدراسة السنوية، ولا يستطيع الأُستاذ أن يعقد معهم دروساً أسبوعية هناك حَـلّ آخر وهو أن تجمع الطلاب في مجموعة واتساب، وتختار كتابين مثلاً للقراءة فيهما في أَيَّـام الأربعاء والخميس والجمعة، ومناسب أن يكون البرنامج الدراسي ليومي الأربعاء والخميس يشتمل على درسين في العقيدة ودرسين في الفقه، ويوم الجمعة، تكون الحصة درساً في الأخلاق وتزكية النفس، فيشرح الأُستاذ في تسجيل صوتي، وبعدها يفتح المجال أمام الطلاب للنقاش حول الدرس، وفي الاختبار ترسل الأسئلة والإجَابَة عنها بصورة منفردة بين الطالب والأُستاذ، ولا تكتب الأسئلة ولا الإجابات في المجموعة إلا إذا انتهى الاختبار، واستلام كُـلّ الإجابات، فممكن طرح الأسئلة والإجابات عنها في المجموعة٠
ختامًا هذه بعض الملحوظات والمقترحات نرجو أن تكون ملامسة لهموم معرفية مشتركة، وثقتي في جميع الأساتذة -وهم أكفأ وأقدر مني- أنهم لن يتركوا طلابهم للضياع، وأنهم حريصون كُـلّ الحرص على الرقي الدائم بمستوى طلابهم في مختلف المجالات العلمية والتربوية، ومن أراد الخير فتح الله أمامه أبوابه، ويسر له أسبابه٠