غدير خم: نقطةُ تحوُّلٍ في تاريخ الأُمَّــة وشهادةٌ على ولاية الإمام علي.. بقلم/ حسام باشا
الإسلام هو الدين الحق، ولا يكتمل إلا باتباع ولاية الله ورسوله وأوليائه المختارين من آل بيته -عليهم السلام-، الذين هم خيرة الخلق وأهل البيت والعلم والحكمة، وأول هؤلاء الأولياء هو الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- الذي لا شك أنه أعظم الشخصيات النورانية الذين صنعوا الحضارة بجهودهم، وأغنوا الإنسانية بأفكارهم، فهو عليه السلام مع أنّه قد عاش عصر قصير نسبيًّا، لكنه ترك وراءه إرثًا عظيمًا في كُـلّ شطر من شطور الحياة، من العبادة والأخلاق والسياسة والقضاء والجهاد والاقتصاد والفقه والاجتماع والبلاغة والشعر والحكمة.
هو باب مدينة العلم، والوصي الذي كان يرى الأشياء ببصيرة النبوة، كما كان يراها نبينا -صلى الله عليه وآله-، ومن تربى في حجره، وكان أول من آمن به، وأول من صلى خلفه، وأول من حمل الراية في جميع غزواته، وأول من انتصر للإسلام، وأول سفرائه، وأول من قضى على المرتدين، وأول من نصب قضاة الإسلام، وأول من جمع القرآن، وأول من أوضح تفسيره، وأول من أبدى الصبر في أشد المصائب، وأول من أدار الدولة بأوامر الله، وأول من قضى بالعدل بين الخلق، وأول من جاهد في سبيل الله بكل بأس، وأول من علم وخطب وأفتى الخلق بالفقه وبالبلاغة والحكمة، ولكنه -عليه السلام- مع كُـلّ هذا لم يجد في أمته التي هداها وحماها حقه، بل تعرض منها للظلم، فخذل في صفين، وحورب في نهروان، وضرب في صلاة الفجر، وانتقل هذا الظلم إلى ذريته وآله الذين مع ما قدموه للأُمَّـة، تحملوا في كُـلّ زمانِ الاضطهاد والتشويه والتحريف، فاتهموا بالغلو والزندقة، وقُتلوا بالسيف والسم، وأتباعهم مثلُهم نُصب لهم العداء والظلم، كُـلّ هذا لإضلال الأُمَّــة وإبعادها عن اكتشاف هذا الإمام العظيم وعن آل بيته -عليهم السلام-.
لم تكن هناك نكبة ولا مصيبة أشد على الأُمَّــة من تجاهلها لولاية الإمام علي -عليه السلام-، على الرغم من الأمر الإلهي الصريح الذي نزل بآيةٍ شديدة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فكان هذا التبليغ في غدير خم من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (ألا من كنت مولاه فعلي مولاه) بأمر الولاية شرطاً لإتمام الدين وإكمال النعمة، إلا جزءًا من القوم تجاهلوا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حق الإمام علي في الولاية وفضلوا غيره عليه، مما جعل الأُمَّــة تضل عن سبيل الله في اختيار واليها من تستقبل منه الهدى، فخرجت بذلك عن هدى القرآن في موضع التوجيه، وفقدت الكثير من المغانم والخيرات التي كانت تنتظرها لو اتبعت أمر الله ونبيه الكريم في تولية الإمام علي -عليه السلام- للأمر؛ إذ كان لها إن تمسكت بالولاية أن تستقر على دين الله وأن تتحد تحت راية الإسلام، ولكانت قد نشرت العدل في الأرض وأزالت الظلم والفساد، وحقّقت النصر على أعدائها، وحافظت على ميراث النبوة وأخذت بورثة العلم، ولكن لسوء ما أقترفه المضلون الأوائل بحقها، فقد أضاعت هذه المنزلة من بين يدها، وانقسمت إلى فرق وأحزاب، فظهرت المشاكل والفتن والحروب التي أضعفتها وشتت شملها، حَيثُ خسرت قائدها المؤهل وخير من يستطيع إصلاح ما فسد من أمورها، فكان هذا أعظم المصائب التي أصابت الأُمَّــة في تاريخها.
ولذا، فَـإنَّ رجوع الأُمَّــة إلى ولاية الإمام علي -عليه السلام- هو رجوع إلى هدى الله، ورجوع إلى هدى القرآن، فالإمام علي -عليه السلام- هو مفتاح لأبواب التبصير بالقرآن الكريم، كما قال الشهيد القائد -رضوان الله عليه-، فيمَا ولايته عليه السلام هي الولاية التي تضمن استمرارية ولاية الله ورسوله، كما يشهد على ذلك القرآن الكريم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا…).
وإذا كنا نريد في هذا الزمن إصلاح ما خربه الذين لعبوا بضمير الأُمَّــة، وأثاروا الفتن والشبهات فيها، وإعادة بناءها على أَسَاس القرآن والحق، فلا بدَّ أن نهدي الناس إلى الصراط المستقيم، الطريق الذي أمرنا به الله تعالى، وأبلغنا عنه نبيه الكريم في غدير خم، وندعوهم إلى التمسك به مهما كان الثمن، فقد رأينا كيف أن أهل اليمن قد عرفوا الصراط الحق وأخذوا به، وأحيوا ذكرى الغدير في مختلف المحافظات التي تجسدت فيها بيعة الإمام علي -عليه السلام-، وكانت خير شاهد على صدق إيمانهم وثبات عزائمهم وانتصارهم على أعدائهم.