الحفاظُ على الهُــوِيَّة والأخلاق في زمن التواصل الاجتماعي.. “حرام ما نسكت” أنموذجاً.. بقلم/ حسام باشا
في عصر العولمة والتكنولوجيا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أهم المصادر التي يستعين بها الناس في الحصول على المعلومات والأخبار، فهي توفر لهم فرصة التواصل مع بعضهم البعض، والتفاعل مع مختلف الآراء والأفكار والثقافات.
لكن هل هذه الوسائل تحقّق فقط الفائدة والإبداع لمستخدميها؟ أم أنها تشكل خطراً على القيم والأخلاق والهُــوِيَّة في مجتمعاتنا العربية المسلمة؟ هذا ما سنحاول الإجَابَة عليه في هذا المقال، من خلال تسليط الضوء على المحتوى المخل بالآداب والقيم الذي ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، والآثار السلبية التي ينجم عنه على الشباب والأجيال الصاعدة، والدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات ووسائل الإعلام التقليدية في مواجهة هذه المشكلة.
حقيقة، لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الكثير من الناس في العالم، وخَاصَّة في الدول العربية، ومن بينها اليمن.
فالشباب والمراهقين يستخدمون هذه الوسائل للتواصل مع بعضهم البعض، وللتعبير عن آرائهم ومشاركة اهتماماتهم.
ولكن هذه الوسائل ليست خالية من المخاطر والسلبيات، فقد تحولت إلى منصات لنشر المحتوى المسيء وغير الملائم للقيم والأخلاق الإسلامية والعربية التي تهدّد سلامة الفرد والأسرة والمجتمع عبر تفتيت الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد مقابل نشر الفجور والانحطاط.
إن هذا المحتوى المسيء، وهو يتعارض بالطبع مع هُــوِيَّة اليمن كبلد عربي مسلم يفخر بتاريخه وثقافته ودينه، ويحترم كرامة الإنسان، ويلزم بأحكام الشريعة الإسلامية التي تحرم كُـلّ ما يؤذي الحياء والعفة، يشكل مشكلة تزداد خطورتها؛ بسَببِ ضعف الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي في بلادنا، حَيثُ لا توجد قوانين تشريعية تحد من انتشار المحتوى المخالف للأخلاق.
بالإضافة إلى ذلك، فَـإنَّ رواد هذه المواقع يحظون بشهرة كبيرة، ويشاركون في برامج تلفزيونية أَو إذاعية، ولقد شهدنا مشاركتهم غالبيتهم في المسلسلات الرمضانية على القنوات المحلية، مما يزيد من نفوذهم وتأثيرهم على جمهورهم، وهذا ما لا يبشر بخير للأجيال القادمة، التي قد تستسلم للانحطاط أَو تفقد هُــوِيَّتها.
إحدى المحاذير الشديدة التي يمكن أن يتسبب فيها هذا المحتوى للأجيال الصاعدة هو ضياع هُــوِيَّتهم وتقاليد مجتمعهم، والانفكاك عن قيمهم وثقافتهم ودينهم، والانسياق وراء التغريب والتقليد الأعمى مما يسهم في تشكيل هُــوِيَّة منحلة على حساب تشويه الهُــوِيَّة الأصيلة وتفكيكها عبر إشهار جملة من القيم والأفكار التي تناقض موروثات مجتمعنا العربي المسلم، واستغلال ضعف الوعي والحماية لدى بعض أفراد الشباب لتقويض قدرتهم على التفكير الإبداعي، وخفض مستوى ثقافتهم وتعليمهم ووعيهم، وزيادة احتمالية تعرضهم للإدمان والاكتئاب والعنف والجريمة، حَيثُ تبين الكثير من الدراسات أن المحتوى المخل يؤثر سلباً على الشباب، ويقلل من قدرتهم على التحكم في العواطف واتِّخاذ القرارات ويزيد من انحرافهم عن قيم المجتمع، ويضعف من روابطهم مع ذويهم.
أمام هذا، تمارس وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة دوراً أَسَاسياً ومهماً في مواجهة المحتوى المخل بالآداب والقيم، فهي تشكل المرجعية الأولى والأكثر ثقة لتزويد الناس بالمعلومات والتوعية بأهميّة الحفاظ على الحياء والعفة والأخلاق في المجتمع.
كذلك تستطيع أن تبين الآثار السلبية والخطورة التي ينجم عنها المحتوى المخل، سواءً على الفرد أَو الأسرة أَو المجتمع، من ناحية نفسية أَو اجتماعية، حَيثُ يمكنها أن تقدم محتوى مغايرًا عن المحتوى التقليدي في تناول القضايا التي تخدم توجّـه الأُمَّــة، من خلال تشجيع المبادرات الإبداعية والتطويرية، ولا يجب أن يكون هذا الدور متصارعاً مع الإعلام الجديد أَو الرقمي، بل يمكن أن يكون هناك تعاون وانسجام بينهما، بحيث يستخدم الإعلام التقليدي فوائد التكنولوجيا والابتكار والتفاعل التي يقدمها الإعلام الجديد، في إنتاج محتوى مفيد وهادف، يحقّق رضا المتلقي ويرفع من مستوى الثقافة والوعي في المجتمع تجاه قضايانا المحورية.
من المؤكّـد أننا نتعرض لحرب ناعمة داخلية تشنها قوى المحتوى السلبي والمنافي للقيم والأخلاق في وسائل التواصل الاجتماعي، وأمام هذا التحدي يجب على كُـلّ شخص في المجتمع أن يحافظ على نفسه وعائلته من هذه السموم، وأن يدرك الآثار السيئة التي تنجم عن هذا النوع من المحتوى على نفسه وعلى مجتمعه، وليس كافياً أن يكون الشخص مسؤولاً عن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل صحيح، بل يتطلب الأمر أَيْـضاً أن تقوم السلطات بدورها في حفظ القيم والأخلاق والهُــوِيَّة في مجتمعاتنا.
فهي المسؤولة عن وضع القوانين والسياسات التي تنظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتقطع دابر المحتوى المخالف للأخلاق، كما أنها تلعب دوراً في التثقيف والتوعية والرقابة والمحاسبة لحماية الشباب والأجيال الصاعدة من تأثير هذا المحتوى.
في الختام، نستطيع أن نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين، فهي تحمل في طياتها فوائد ومزايا كثيرة، لكنها أَيْـضاً تشكل خطراً كَبيراً على القيم والأخلاق والهُــوِيَّة في مجتمعاتنا العربية المسلمة، إذَا استخدمت بشكل خاطئ أَو سلبي.
لذلك يجب علينا جميعاً أن نكون حذرين وواعين لما نتعرض له من محتوى مخل بالآداب والقيم في هذه الوسائل، وأن نحافظ على هُــوِيَّتنا وثقافتنا وديننا، وأن نسعى إلى تحقيق الفائدة والإبداع من خلال استخدامها.
كما يجب على السلطات المعنية أن تقوم بدورها في تشريع وتطبيق القوانين التي تضمن حفظ الأخلاق والحياء في المجتمع، وأن تدعم المحتوى المفيد والهادف الذي يخدم قضايا الأُمَّــة ويرفع من مستوى الثقافة والوعي فيها.
ولا بدَّ لنا هنا، أن نحيي في المقابل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين غاروا على وطنهم وشعبهم، وأطلقوا حملة وطنية تحت شعار “#حرام-ما-نسكت” لمحاربة المحتوى المخل والمخالف للقيم والأخلاق، ونحث الجميع، خَاصَّة القنوات الفضائية والإذاعات الوطنية، على المشاركة في هذه الحملة الوطنية الهادفة.