زيدٌ على الطاغوت قد ثارَ.. بقلم/ احترام عفيف المُشرّف
لا تستقيم حياة بدونها، ولا يكون جهاد في جهلها، فهي الركيزة والأَسَاس لكل مؤسّس.. إنها البصيرة، فحيثما وجدت البصيرة وجد الحق ووجد العدل ووجد القسط، البصيرة التي بها تدرك الحق وأهله فتتبعهم، وتعرف الباطل وحزبه فتتجنبهم، بل تقف في وجههم وتقارع ظلمهم، البصيرة التي تكون عن معرفة لا عن هوى.
وقد كانت البصيرة هي منبع ثورة الإمَـام زيد بن علي-عليهما السلام- على هشام أعمى البصيرة والبصر، والذي أكمل ما بدأه يزيد في كربلاء، مع الإمام السبط الحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ ليقوم الدعي ابن الأدعياء بقتل حفيد الإمام الحسين إمام البصيرة، زيد بن علي زين العابدين بن الحسين -عليهم السلام- شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء، في محاولة لاجتثاث هذه الشجرة الطيبة المباركة من قبل من استحوذ عليهم الشيطان في استحلالهم دماء العترة الطاهرة من آل بيت النبي، فما أجرأهم على الله وما هم إلا كَشجرة خبيثة، لا أصل لها ثابت ولا فرع لها نابت، بنو أمية أخبث الأشجار هم ومن سار على نهجهم في معادَاة النبي الطاهر، وآل بيته الأخيار في ذلك الزمان أَو في هذا الزمان وإلى آخر الزمان.
ومن كان دون بصيرة فلن يرى الحق مهما كان واضحًا وجليًّا، وما ثورة الإمَـام زيد إلا مكملة لكربلاء، وما كانت بصيرة زيد إلا امتداداً لبصيرة جده الحسين، الإمَـام زيد الذي قال: “إنّي شهدت هشاماً ورسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يسبّ عنده، فلم ينكر ذلك ولم يغيّره، فو الله لو لم يكن إلّا أنا وآخر، لخرجت عليه”، أين أنت يا إمام البصيرة مما يحدث اليوم من إساءات للإسلام وللنبي ومن تدنيس وإحراق للقرآن الكريم، على مرأى ومسمع من حكام المسلمين الذين لم ينبسوا ببنت شفة، إزاء ما يحدث، وأن لهم أن يكونوا بشجاعة الإمَـام زيد أَو ببصيرة الإمَـام زيد الذي قال: “ما كره قوم حَرَّ السيوف إلا ذلوا”.
فهو قد علم أن النصر بالحق لا بالقوة وبالبصيرة التي تجعلك تعرف فيما خرجت، وقد كانت بصيرته نافذة وحجته واضحة وقد خرج على أئمة الظلم وفراعنة عصره، ولقي الله شهيداً؛ ولأنه هزمهم حياً فقد هزمهم شهيداً فما فتئوا يحاربون جسده الطاهر، فقد صلبوه لسنوات علهم ينتصرون عليه وأحرقوه علهم يمحون آثره، وقد خابوا وخسروا كما خاب أسلافهم في كربلاء، وكما سيخيب ظن كُـلّ دعي يريد أن يطفئ نور الله وبصيرته التي أودعها أوليائه المتقين، فبصيرة الله باقية ما بقي من يقف في وجه كُـلّ ظالم أَو معتدٍ.
وقد كان زيدٌ إمامَ حقٍّ وبصيرة في كُـلّ مواقفه، ولم تأخذه بالحق لومة لائم، فقد كان رده واضحًا وجليًّا عندما سئل عن الشيخين أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، عندما أتاه رؤساء أهل الكوفة وأهل الحل والعقد، فسألوه عما يراه في أبي بكر وعمر فقال لهم: (ما سمعت أحداً من آبائي تبرّأ منهما، ولا يقول فيهما إلاّ خيراً)، فقالوا له: فلم تخرج على هؤلاء إذن، فقال: إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم؛ وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- وإلى السنن أن تُحيى وإلى البدع أن تُطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سُعدتم وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته، فتبرأ زيد منهم: ولما بلغ الصادق -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حديثهم معه تبرأ منهم؛ وقال: برئ الله ممّن تبرّأ من عمّي زيد، وقال لجماعة من أهل الكوفة سألوه عن زيد والدخول في طاعته: (هو والله خيرنا)، فكتموا ما أمرهم به وتفرقوا عنه.
ومن كانت هذه سيرتهم وتلك سجاياهم فحري بنا جميعاً أن نستظل في تحت غصون شجرتهم فهم الأئمة الأطهار من آل بيت النبوة، وأن ننهل من كوثرهم العذب ونستقي الماء من منبعه ونحذو حذوهم، ولا نقبل أن ينسب إليهم ما لا يليق بهم؛ لكي نسعد في الدارين.
لقد هدَّ جسمي رزءُ آل محمدٍ
وتلك الرزايا والخطوب عظامُ
وأبكتْ جفوني بالفرات مصارعٌ
لآل النبيِّ المصطفى وعظامُ.