أمريكا وذبولُ الدول.. بقلم/ عبدالرحمن مراد
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله، فالذي حدث خلال الأشهر الماضية كان تحولاً كَبيراً في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثاراً عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثاراً على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالاً على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواءً في المسار اليمني أم في المسار الدولي فكلا المسارين يتكاملان ويتركان أثراً واضحًا على الصناعة وعلى المستقبل.
ففي المسار المحلي كانت خطابات القائد في شهر الثورات التحولية، شهر محرم الحرام تدل على تبدل وتحول وقد لامست الكثير من التطلعات ولعل السواد الأعظم ينتظر الترجمة الواقعية لها، فالثورات هي حالات انتقال، وكلّ ثورات آل البيت أَو غالبها حدثت في محرم، ولذلك أي تبدل سيكون ثورة جديدة، ولعل فكرة التحول الجذري الذي ألمح إليه القائد سيكون مساراً ثورياً جديدًا سواءً على مستوى التفاوض أَو الحرب أَو مستوى وضع البلد الذي شهد ركوداً مملاً خلال زمن الهدنة.
وفي المسار الدولي اكتشف العالم أن أمريكا كانت تديره بالمعامل البيولوجية التي تصنع الجائحات ثم تصدرها لشعوب العالم حتى تتحَرّك شركات الأدوية، وبالخلايا الاستخبارية والجامعات الأصولية الاستخبارية التي كانت تقلق السكينة العامة ويقوم الإعلام بصناعة هالة لها حتى كادت أن تكون تهديداً حقيقيًّا يقلق العالم فتتحَرّك شركات الأسلحة لتجد رواجاً لها في الدول الغنية والفقيرة على حَــدٍّ سواء، فالخوف يجعلك توظف الإمْكَانات كلها لتسلم منه ومن عواقبه.
وحين تفرد النظام الرأسمالي بحكم العالم والتحكم بمصالحه سعى جاهداً على القضاء على حركات التحرّر أَو ذات النزعة الاستقلالية في العالم أَو في الوطن العربي وبالرغم من جهوده الحثيثة في هذا الاتّجاه إلا أنه لم يتوقع أَو لم يدر في بال قادة النظام العالمي الرأسمالي أن ثمة صانع وثمة قوة خفية عظمى تدير العالم وتحفظ مصالح العباد بقدر كاف من التدافع خوف الفساد في الأرض، وهو الأمر الذي نشأ بالتوازي مع حالة التفرد بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي.
حاولت أمريكا ومن شايعها القضاءَ على الحركات القومية وتفكيك النزعة الاستقلالية وعلى هدم المثاليات وهدم الإسلام من داخله من خلال الحركات الأصولية التي تصنع في الجامعة الإسلامية في إسرائيل والتي تتبع الموساد مباشرةً، فيكون أفرادها قادرين على السيطرة على الوجدان العام من خلال خطاب العصبية الدينية الذي تنتهجه وتسيطر به على عامة المسلمين، وقد رأينا كيف سيطروا على موجهات الإخوان وما تناسل عن “الإخوان” من جماعات مثل الجهادية والقطبية وغيرهما من الجماعات الذين نشطوا في اغتيال الكثير من رموز التنوير في الوطن العربي خوف الوعي واليقظة، فالنظام الرأسمالي يعتبر التضليل وتسطيح الوعي بالقضايا المصيرية للأمم طريقاً للوصول إلى غاياته.
لقد تولت الجماعات التكفيرية مهمة تفكيك وتمزيق الأُمَّــة الإسلامية وحولتها إلى طوائف وشيع وجماعات، وعمقت من الجروح، وأشاعت فيها البدائية والتوحش والتفكير الأُسطوري، ورأينا في حال العرب والمسلمين بدعاً وأمراً عجباً لا يقبله عقل كما هو الحال في العراق وفي غيره من البلدان.
ومن الملاحظ منذ سقط المعسكر الشرقي بيد الغرب سقطت في المقابل المدارس النقدية والفكرية والفلسفية والثقافية، فالصراع المحموم الذي شهده العالم وكانت من نتائجه الكثير من المدارس الفكرية والفلسفية والأدبية والثقافية اختفى فجأة مع رغبة الرأسمالية في تسطيح الوعي، ولذلك خلقوا بدائل تلامس القشور وتلهي العالم وفي ذات اللحظة تدر مالاً كَثيراً مثل تطبيقات التواصل الاجتماعي ومثل البرامج والمسابقات التي يسمح بتعميم تجاربها في الفضائيات مثل مسابقات الشعر ومسابقات الصوت أَو مسابقات المعلومات وهي أعمال تديرها في الوطن العربي قنوات (mbc) ويمكن مراجعة قائمة البرامج التي تبثها أَو بثتها ومقارنتها مع مماثل لها يخرج أَو خرج من غرف الاستخبارات العالمية والقيام بدراسة ولو محدودة ليكتشف المرء الدور الذي يقوم به النظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكا في استغلال الشعوب وتسطيح وعيها واستغلال مقدراتها دون أن تدرك حجم الكارثة.
بالمختصر المفيد ما وصل إليه العرب والمسلمون اليوم من ذبول وهوان وانكسار كان؛ بسَببِ حالة الاستغلال والغبن التي مارستها أمريكا ونظامها الرأسمالي القذر الذي خدع الناس بالقيم ومبادئ الحقوق والحريات فكان أبشع وأفظع من انتهكها، ومع التداعيات الجديدة التي سوف تسفر عن واقع جديد في العالم لا بُـدَّ من الانتباه إلى فكرة الصناعة فهي الأقدر على التحكم بمقاليد المستقبل، ولعل في خطابات القائد -عليه السلام- في شهر الثورات شهر محرم إشارات عن قادم يتشكل قد يحدث قدراً كافياً من التحول في الوجدان العام وفي الحياة.