الـيَـمَـن.. عامٌ من العُـدْوَان بين الصبر وَالنصر
د. أسماء الشهاري
عامٌ من العُـدْوَان بين الصبر وَالنصر.. بين الآلام وَالآمال.. بين من غَدَرُوا وَمن غُدِرُوا.. بين التعدّي وَالتحدّي.. بين الأشرار وَالأحرار.. وَرغم كُلّ شيء انتصرنا وَهم خَسِروا الرهان.
مر عامٌ على وطني الحبيب لكنه ليس كأي عام، عامٌ من الدمار، عامٌ أُجريت فيه الدماء كالأنهار.. دماء طاهرة زكية ليس لها ذنب سوى أنها تاقت إلى الحرية.. عامٌ هو الأسوأ في تأريخ البشرية، عام جعل العالم يرتدي ثوب الحزن وَالحِداد حتى لو ادّعى الصمتَ وَغضّ الطرف عن الإجرام وَالفساد..
كانت الصدمة في بدايتها قوية كوحشية العُـدْوَان وَدمويته، ففي يوم السادس والعشرين من آذار قبل سنة تفاجأ الشعبُ الـيَـمَـني المسلم المسالم بما يُسمى بعاصفة الحزم وَالتي بدأت أولى جرائمها على الأحياء السكنية وَسقط أول الضحايا من المدنيين في حالة من الذهول مما حصل، لكن توالت بعدها الصدمات سِراعاً لِتُؤكد أن هناك أشخاصاً قد باعوا أنفسهم وَإنْـسَـانيتهم من أرباب التكبُر والاستعمار وَهم أيضاً من دفعوا ثمن العمّالةِ وَالصَغار، وَلكن للأسف تحت مُسمى الدين وَالإنْـسَـانية،
وَأعتقد أربابُ المال أنه باستطاعتهم إسكات العالم وَشراء الذمم وَهذا ما حصل فعلاً وَلِأجل أموالهم التي كانت تُدفع بسخّاء تسابق الكثيرون وَهم يلهثون وراءها ليبيعوا إنْـسَـانيتهم في سوق النخاسة وَلا عزاء على الجبناء.
وَهكذا أصبح أولئك البعران من حكام الخليج وَمن تحالف تحت لوائهم مطيةً وَأداةً قذرة بيد أمريكا تستخدمها للقتل وَالإجرام وَتحقيق أهدافها التدميرية والاستعمارية لشعوب المنطقة ابتداءً من سوريا وَليبيا وَالعراق وَليس انتهاءً في الـيَـمَـن تحت مخطط الشرق الأوسط الجديد،
فقد ابتعد أولئك الملوك وَالأمراء وَمن تحالف معهم من الأعراب الذين هم أشدُّ كُفراً وَنفاقاً عن نهج الإيمان وَعن عبادةِ الديّان إلى عبادة الأمريكان وَمن ورائهم من الصهاينة يقدمون لهم دماء المسلمين قرابين وَيضعون تحت أقدامهم أموال شعوبهم صاغرين علَّهُم يرضون عنهم وَعن عمالتهم وَخيانتهم لله وَلدينه وَلأوطانهم وَأوطان المسلمين.
بِأموالهم أخرسوا العالم وَمنظماته المُتشدِّقة باسم الإنْـسَـان وَالحرية وَجاوزوا كُلَّ الحدود بأبشع الجرائم على مَـرِّ التأريخ وَالتي يندى لها جبين الإنْـسَـانية، لكنهم لم يقدِروا بكل ما يملكون من أموال وَمن تواطأ العالم معهم أن يُركِّعوا شعب الحكمة وَالإيمان، الذي أعلن التوحّد وَالصمود، وَالصبر حتى النصر وَحطَّم بإرادة الله وَإرادته كُلّ القيود.
بأعتى وَأفتك الأسلحة المحرّمة دولياً تم قصف محافظات الـيَـمَـن كلها بدون استثناء وَهم يخيفون الآمنين في مدنهم وَقراهم وَيحصدون أرواح الأبرياء من أطفال وَشيوخ وَنساء ليلَ نهارَ وَيدمِرون بيوتهم وَمساكنهم فوق رؤوسهم، وَبكل حقد استهدفوا المساجدَ وَالأسواق وَالأعراس وَحتى الصيادين في البحر ليتحول من لونه الأزرق إلى اللون الأحمر القاني وَليشهد إلى جانب الأرض التي قُصِفَ كُلّ شيء فيها وَالسماء التي تئن من طائراتهم وَوحشيتهم في كُلّ وقتٍ وَحين على أبشع عُـدْوَان عرفه الإنْـسَـان.
قصفوا وَدمروا كُلّ شيء وَلم يتركوا بُنياناً قديماً وَلا حديثاً إلا أحالوه إلى نيران مشتعلة كتلك التي تضطرم بداخل نفوسهم الخبيثة وَعمدوا إلى تدمير آثار عمرها مئات وَآلاف السنيين من لا تأريخ لهم وَلا حضارةً..
وَهكذا طوال عام حتى دمروا البنية التحتية للـيَـمَـن بشكل كامل وَبلغ عدد الشهداء وَالجرحى إلى الآلاف جُلهُم من الأطفال والنساء، وَحاصروا شعباً بأكمله جواً وَبراً وَبحراً على مرأى وَمسمع من العالم، وَإلى جانب هذه الحرب الضروس التي شنّوها كانت ولا تزال هناك حربٌ إعلامية لا تقل شراسةً ولا ضراوة عن آلتهم العسكرية اعتمدوا فيها على الزيف وَالتضليل وَالكذب وَتزييف الحقائق وَالتعتيم على جرائمهم التي تتبرأ منها حتى الشياطين.
لكن وَعلى الرغم من كُلّ تلك الجراح وَالآهات كانت هنالك الأفراح وَالمسرات التي أثلج بها الأحرار من رجال الرجال الشرفاء من أبناء الشعب الـيَـمَـني من الجيش وَاللجان الشعبية قلوب المكلومين وَالذين توجهوا إلى كُلّ ميادين الفداء وَالتضحية وَجبهات العزة والكرامة ليسطروا بأسلحتهم البسيطة وَالشخصية أروع آيات النصر وَأعظم معاني الشموخ وَالفخر أمام أعتى الأسلحة وَأفتكها وَأمام تحالف عالمي وَتكالب أممي، صمدوا أمامه أيما صمود وَحققوا بطولات لن تُنسى في تأريخ الوجود.
ستذهب أممٌ وَتأتي أممٌ وَالتأريخ لا يزال يكتب عنهم وَعن أمجادهم وَبطولاتهم.
ستجف الأقلام وَستمتلأ الدنيا كُتباً وَكتابات وَلَمَّا ينتهي الحديث عنهم.
وستنتهي كُلّ الحضارات إلا حضارةً صنعوها بدمائهم وَسطروها ببطولاتهم هؤلاء هم رجال الله الذين بهم انتصرنا وَعليهم بعد الله نراهن.
وَبعد عام من العُـدْوَان البربري الوحشي الذي فاق كُلّ الوصف في الإجرام وَجاوز كُلّ الحدود في الانحطاط البشري وَبعد عام من الصبر المكلل بالنصر كان العالم على موعِد مع اليمانيين الذين خرجوا إلى ساحة العز والكرامة عصر يوم السبت الموافق السادس وَالعشرين من آذار، خرجوا جَميعاً على قلب رجل واحد كطوفانٍ بشري هادرٍ مُزلزل، خرجوا رجالاً وَشيوخاً وَنساء وَأطفال حاملين معهم آلام سنةٍ كاملةٍ رافعين صورَ شهدائهم الأماجد الأبطال، وَصور القصف وَالدمار، لكنهم لم يأتوا ليعلنوه حِداداً ولا عزاء بل يوم عيد ٍ وَمجد قهروا فيه طواغيت العالم وَانتصروا فيه على الأعداء.
جاؤوا من محافظاتٍ وَمناطقَ مختلفةٍ بمختلف أعمارهم وَأجناسهم وَانتماءاتهم وَمكوناتهم إلى عاصمة الصمود ليس ليقولوا أيها العالم أما يكفيك قتلاً فينا وَدماراً وَتجويعاً فينا وَحصاراً فقد تعبنا، بل احتشدوا جَميعاً في منظرٍ مهيب يعجز اللسان عن وصفه ترتج له الأرض وَتهتز له السماء ليقولوا أيها العالم سواءً علينا أنطقت أم كنت من الذين لا ينطقون انظر إلينا فقد انتصرنا.
نعم صبرنا وَتحدينا وَصمدنا وَواجهنا وَانتصرنا وَها هي أرواح الشهداء تملأ السماء وَدمائهم الزكية تُعطِر الأرجاء وَتقول لنا أن بُورِكتُم وَبُورِكَ سعيكُم إنه كان مشكوراً، وَنحن نرد عليهم وَنقول ناموا أقراء الأعين فإن دِمائكُم الطاهرة لن تذهب هدراً وَلن يسلم من ظلمكم وَأزهق أنفسكم الطاهرة طُغياناً وَكِبراً.
جئنا بعد عام من العُـدْوَان لنقول لكَ أيها العالم أنت تعرف حجم مظلوميتنا وَلو سكت عنها، وَتعرف حجم صمودنا وَلتعرِفه أكثر من خلال هذا الخروج المُشرِّف للـيَـمَـن وَالـيَـمَـنيين، جئنا بحجم الـيَـمَـن وَبحجم الصبر وَبحجم النصر لنجدد العهد للوطن وَللشهداء بأنَّا قد انتصرنا فلتسمع وَأنَّا لغيرِ الله لن نركع.