«جمل المعصرة» الأَمريكية
أحمد يحيى الديلمي
للوهلة الأوْلَـى، وعند قراءة عنوان هذا المقال قد يستغربُ البعضُ، ويتساءل عن ما المقصود بذلك المصطلح الشَّـعْـبي «جمل المعصرة»، لذا أود أن أوضح له أن «جمل المعصرة» هو ذلك “الجَمَل” الذي يتم إغماض عينيه بقطعة قماش ليُصبح أعمى لا يعرف إلَـى أين يسير ولا يستطيع النظر أمامه، بل يمشي وفقاً لأوامر ولي أمرة “صاحب المعصرة”، الذي يقوم بربطة بجوار معصرة شعبية لعصر السمسم، ويظل الجمل يدور وهو مغمض العينين بغية الحصول على عصارة السمسم الزيت، الذي يعُرف باللهجة العامية بـ” الصليط”..
و«جمل المعصرة»، هكذا باللهجة العامية هو أفضل تشبيه للنظام السعُـوديّ، يُحرّكه ولي أمره “أَمريكا ” بعد أن أغشى على عينيه لتنفيذ مخططاته الدامية في المنطقة، فليس عبثاً أن يُسمّي النظام السعُـوديّ بـ«جمل المعصرة»، طالما وأنه يستخدمُ لتنفيذِ مخُططات أَمريكا التآمرية ونشر الفوضى الخلّاقة في المنطقة عبر مشروع “الشرق الأوسط الجديد” المرسوم سلَفاً للمنطقة والذي جاء على لسان وزيرة الخارجية الأسبق “كونداليزا رايس”، والذي يهدف إلَـى تفتيت دول المنطقة وتجزئتها إلَـى دويلات متناحرة، وجّرها إلَـى صراع طويل الأمد، واشعال نار الحروب والاقتتال فيها إلَـى أن تحرق تلك النار ذلك الجَمَل، الذي يسير وفقاً لأوامر ولي أمره القابع في البيت الأبيض لجعل المنطقة “معصرة” دامية.
وبعد أن كانت “أَمريكا” تقوم بتنفيذ مخُططاتها التآمرية في المنطقة بشكل مباشر من خلال قواتها وترسانتها العسكرية، كما حصل في أفغانستان والعراق، أصبحت اليوم تعتمد بشكل رئيس على «جمل المعصرة» وذريته غير الشرعيين من جماعات الفكر التكفيري الإجرامي، وتسّيرهم لتنفيذ تلك المُخططات؛ ليبقى تدخلها مُنحصراً بما يخدُم ويدعم ضمان سير تنفيذ تلك المُخططات.
وبعد دخول المنطقة في دائرة الصراعات والانقسامات والاقتتال والحروب الذي تستمر لسنوات، يأتي بعد ذلك الأَمريكي ويبسط سيطرته من جديد بكل سهولة ويُسر ويتخلى عن خادمه المطُيع ذلك “الجَمَل” بعد أن حقق له نصيباً وافراً من عصارة دماء أَبْنَـاء شعوب المنطقة طيلة مدة خدمته السابقة.
والغريب فعلاً أساليب الاستهزاء بالعقل البشري، فالجميع قد بات على يقين بأن ما يعصفُ بمنطقة الشرق الأوسط هو تنفيذ حرفي للمشروع الأَمريكي “الشرق الأوسط الجديد” والفوضى الخلاقة، وها هي “أَمريكا” تسّوق نفسها رائدة للحل في المنطقة لإخماد نار الحرائق التي أشعلتها هي لا سواها، وتتّصدر اليوم قائمة الرعاية الدولية لإعَادَة ترتيب أَوْضَـاع المنطقة برُمتها بلباس أممي مفضوح أسمته “مكافحة الإرهاب”، بعد أن عصف الإرهاب الأَمريكي الصهيوني بالمنطقة عبر «جمل المعصرة».
ولأن «جمل المعصرة» يتميّز بمخزونه ويستطيع العيش ثمانية أَيَّـام من دون طعام أَوْ شراب، فقد أوكل إليه ولي أمره “أَمريكا” القيام بتنفيذ عدة مهام بغية إنهاكه والقضاء عليه بعد تحقيق ما تصبو إليه، فأوكلت إليه القيام بشكل غير مباشر بتدمير بادية الشام سوريا ونشر الفوضى في أرض الرافدين العراق، وسيّرته لشن عُـدْوَان غاشم على أرض السعيدة الـيَـمَـن في مغامرة تتجاوز قدراته، علّه يستطيع أن يحَزَمَ في “عاصفة الحزم”، ولكن سَرعانَ ما تحول ذلك الحَزَمَ إلَـى بصيص أمل تلاشى إلَـى عجز واضح وذريع، فرجال الـيَـمَـن وجبالها ليست كرمال صحراء البادية التي تعّود السير عليها طويلاً متحملاً مشقات السفر، بل أثبت أهل الـيَـمَـن أنهم أَكْثَر تحملاً لمشقات حَزَمَ ذلك الجَمَل.
والكل يعلم أن «جمل المعصرة» يمتلك ترسانة من الأسلحة الحديثة والفتاكة التي راكمتها على مدى عقود دون استعمال ولكن ليس كما كان متوقعاً أن تعّد غزوة الـيَـمَـن لذلك “الجَمَل” مُطيلة لعُمره، ومُجددة لشبابه، كما كان مُقدَّراً له، بل على النقيض من ذلك فانقلب السحر على ذلك “الجَمَل” وكان سبباً في إنهاكه واقتراب القضاء عليه، فما أُريد له أن يكون “نزهةً” تحوّل إلَـى “نقمة” بعد أن تلقى “الجَمَل” دروساً قاسيه في التنكيل والهزائم تلو الهزائم على أرضة بفعل ضربات أبطال الجيش واللجان الشَّـعْـبية، فلم ينفعه مخزونة الاستراتيجي من ترسانة الأسلحة الأَمريكية الحديثة، فولّى مدبراُ وهارباً صوب ولي أمره.
وبعد فشل ذلك “الجَمَل” في الحَزَمَ في الـيَـمَـن، ما كان من ولي أمرة إلَّا أن سيّره مرة أُخْــرَى نحو بادية الشام وهذه المرة بشكل مباشر؛ لعله يستطيع أن يحقق انجازاً في صحراء البادية يغطي به عجزة وعدم حَزَمَة في جبال الـيَـمَـن، وليس عبثاً القول إن مغامرة ذلك “الجَمَل” في الـيَـمَـن وجبالها أثبتت فشل ذلك المأمور الأعمى، وأثارت انزعاج ولي أمره الذي ما يزال مُصّراً على إنهاك “الجَمَل” والقضاء عليه، فحّول وجهه مجدداً صوب بادية الشام ليس لأن “وليدَ المعلم” توعّده بـ”صناديق خشبية”، ولكن لأن ولي أمره قد عزم التخلص منه والقضاء عليه.
ولأن الرعد يسبقه البرق، أبرق عسيري “الجَمَل” بمناورات “رعد الجَمَل” بأَهْــدَاف محددة صوب بادية الشام سوريا، لتكشف عن نوايا التدخل البري في سوريا تنفيذاً لأوامر ولي أمر “الجَمَل”.
وعقب انتهاء “رعد الجَمَل” لم يصدُر عن كيان العدو الإسرائيلي أي قلق أَوْ تخوف، فلا يُمكن إطلاقاً أن يُشكل “رعد الجَمَل” أدنى مصدر للخطر لديه؛ كون ذلك “الجَمَل” يُنفذ ما يريده، ويمشي لتنفيذ مقولة “إسرائيل من النيل إلَـى الفرات”، وأصبح كيان العدو الإسرائيلي مطمئناً لأفعال ذلك الجَمَل ويعيشُ أفراحَه بالجملة، فما لم يُكن يحلم ببلوغه عبر عقود مضت، ها هو الآن يتحقق عبر ذلك “الجَمَل” المُسبح بحمد أسياده الأَمريكي – الصهيوني صباحَ مساءَ”، ومن دون أن يخسرَ العدو رصاصةً واحدةً، فلا يحتاج المتابع العادي إلَـى عناء كبير ليرى بأم عينية حرص ذلك “الجَمَل” على تنفيذ حلقات المشروع الأَمريكي الصهيوني الرامي إلَـى تفتيت المنطقة برُمتها.
وختاماً فَإن من البلاهة الاستراتيجية الظن بأن بإمكان ذلك “الجَمَل” أن يحَزَمَ في مغامرته الجديدة في بادية الشام بعد أن فشل في الحَزَمَ في مغامرة بجبال الـيَـمَـن.