برَّعْ يا استعمار برَّعْ.. شعبُ النيجر يقرِّرُ مصيرَه.. بقلم/ جميل المقرمي

أكثر من شهر كامل مر على الإطاحة بالرئيس محمد بازوم ولا زال الزخم الثوري يراوح مكانه، بل إنه يتزايد أكثر ويرتفع سقف مطالب الثوار بضرورة رفع الوصاية وإيقاف نهب الثروات في بلد يعيش تحت طائلة الفقر بينما تنهب الثروات السيادية من قبل دول الاستكبار العالمي التي بنت أُسطورتها على حساب هؤلاء الفقراء الكادحين.

فالنيجر بلد يعد من الدول العشر الأولى التي تمتلك احتياطاً في اليورانيوم إلا أن هذه الثروة حولتها إلى مصاف الدول الأفقر بالعالم وذلك؛ بسَببِ الأنظمة العملية التي جعلت من هذا البلد مطية لدول الاستعمار والاستكبار.

المتأمل إلى التوقيت الذي خرج فيه أبناء الشعب النيجري ومطالبته بسرعة مغادرات سفراء دول الاستعمار والاستكبار وفي مقدمتها فرنسا يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر اليمنية التي كسرت غطرسة الأمريكي والإسرائيلي وقطعت يد الوصاية الإقليمية على اليمن كانت أحد أهم الأسباب لقيام الثورة النيجرية والتي حتماً ستتبعها ثورات وسوف تغير وجه العالم الذي يملأه الظلم والجور، والتي لم تكن متنفساً لأبناء الشعب اليمني فحسب، بل لكل المستضعفين في العالم، ومثلما كسرت الغطرسة الأمريكية وأدواتها المحلية والإقليمية هنا في اليمن سوف تكسر غطرسة الاستكبار العالمي في كُـلّ أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أن النيجر تعد في مصاف الدول الأولى المنتجة لليورانيوم وفقاً لبيانات الجمعية النووية الدولية إلَّا أن سيطرت إحدى الشركات الفرنسية والتي يطلق عليها ((أورانو)) وسرقتها معظم احتياطات البلاد، والتي تستخدم في تغذية أكثر من خمسين مفاعلاً نووياً في فرنسا وتمد أكثر من ٧٠ % من الكهرباء لفرنسا في الوقت الذي معظم الشعب النيجري في ظلام دامس وفقر مدقع، وبلغة الأرقام وحسب الإحصائيات الأخيرة للعام ٢٠٢٢ ووفقاً لوكالة ((يوراتوم))* فقد بلغ إجمالي ما تم استيراده من قبل الاتّحاد الأوروبي من النيجر بلغ ٢٩٧٥ طناً من اليورانيوم، لكن النيجر لا زالت في مصاف الدول الفقيرة وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي للعام ٢٠٢٣.

كلّ هذه الأسباب كانت كفيلة بتحَرّك شعب النيجر ومساندته لعملية الانقلاب والإطاحة بدولة محمد بازوم والذي يعتبره أبناء شعب النيجر مُجَـرّد أدَاة لقهر ونهب ثروات هذا البلد الذي حرم من أبسط حقوقه في التعليم والصحة والحصول على المياه النقية والكهرباء.

وأمام هذا الصمود الشعبي والحراك المجتمعي والذي لاقى تأييداً واسعاً من بعض الدول المجاورة، في المقابل هناك تحَرّك كبير من قبل دول الاستكبار العالمي التي تعيش على حساب الفقراء والكادحين.

في المقابل نرى الكثيرَ من الخذلان من قبل الشعوب الحرة في مساندة أبناء شعب النيجر، سواء من حَيثُ التعتيم الإعلامي أَو التحَرّك الشعبي بالخروج بمسيرات تأييد بأحقية التحرّر لهذه الشعوب المظلومة.

الشرعية الحقيقية هي التي تأتي من الشعوب وليست من أروقت الأمم المتحدة التي ظلت طيلة عقود تخدع العالم بشرعيات زائفة عميلة تفصلها كيفما تريد وكيفما تشاء.

ومع رفض باريس مغادرة سفيرها من العاصمة النيجرية وعدم احترامها للبروتوكولات المعمول بها والمتبعة يؤكّـد عدم احترام فرنسا لإرادَة الشعوب، متناسية أن الشعب هو مصدر السلطة وليس السفراء والتدخلات الخارجية.

ومن هذا المنطلق وعلى هذا الأَسَاس لا بدَّ أن يستمر الزخم والتعبئة العامة والحشد في مواجهة الطغيان والاستكبار حتى تتحرّر كُـلّ الأوطان من الهيمنة الاستعمارية، فطريق الحرية لم يكن يوماً معبداً بالورود والحرية ثمنها غال والحقوق تنتزع ولا توهب.

* يوراتوم هي هيئة أُورُوبية عامة، وهي مسؤولة عن تنسيق برامج البحث حول الطاقة النووية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com