اليمن: صورتان متناقضتان لواقعٍ مرير وآخرَ مشرق
حسام باشا
في أرض اليمن تتشكل صورتان متناقضتان لواقع مرير وآخر مشرق، صورةٌ للجنوب المحتلّ، يبدو فيها الدمار مرآة للواقع المؤلم، بفعل الاحتلال الظالم، الذي يستولي على ثروات البلاد ويسحق كرامة الشعب، فلا يسمع في صورة هذا المشهد إلا صوت الأنين ولا يرى فيه إلا الخراب والموت، وصورةٌ أُخرى للشمال المقاوم، نرى فيها تجسيداً لعقيدة: أن لا قوة إلا بالله، وأن لا سبيل إلى الحرية إلا بالجهاد، ويظهر فيها الشعب تحت راية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، ملحمة الصمود التي تنبعث منها أشعة النور والأمل كشمس مشرقة في السماء تشع بتفاؤلها لكل من ينظر إليها.
في ظل الاحتلال الغاشم، تعاني محافظات الجنوب اليمني حالة من الظلم والقهر والاستبداد، حَيثُ تسيل دماء أبنائه في كُـلّ يوم، وتتعرض حقوقهم للانتهاك والسلب، وتزداد معاناتهم ومآسيهم بلا حدود في مشهد مؤلم يحرق القلوب ويثير الألم. فقد أصبحت هذه المحافظات ساحة للصراعات والمؤامرات بين أطراف مختلفة، بعد أن باع خونة الوطن والمنافقون ضمائرهم وأوطانهم، وفتحوا الباب للاحتلال والاستعمار ليفرض سطوته على الأرض وثرواتها، ويخضع شعبها للهوان، فلا يوجد في هذه المحافظات أمن أَو اقتصاد أَو خدمات، بل كُـلّ شيء يسير نحو الانهيار والتدهور؛ بسَببِ سياسات العدوان التي تهدف إلى إضعاف الشعب وترويعه وإفقاره.
فعلى صعيد الأمن، تشهد محافظات الجنوب المحتلّ حالة من الفوضى والانفلات الأمني، فلا يكاد يمر يوم إلا وتُسمع أخبارًا عن اغتيال شخصية سياسية أَو دينية أَو عسكرية أَو أمنية أَو إعلامية أَو مدنية، بالإضافة إلى الإعدامات خارج نطاق القضاء؛ بهَدفِ تصفية كُـلّ من يقاوم الاحتلال أَو ينادي بالحرية، وقد بلغ عدد ضحايا هذه الاغتيالات أكثر من 500 عملية منذ بدء العدوان على اليمن.
ولا يكاد يمر ليل إلا وتسمع صرخات المعتقلين والمخفيين قسراً في سجون مرتزِقة تحالف العدوان، حَيثُ يتعرضون للتعذيب والإهانة والإذلال.
وقد كشفت تقارير عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في هذه السجون، بما في ذلك الاغتصاب والقتل.
ولا يكاد يمر شهر إلا وتشهد هذه المحافظات اشتباكات مسلحة بين عصابات المليشيات المرتزِقة في صراع دام على السلطة والنفوذ.
وقد أَدَّى هذا الصراع إلى زعزعة استقرار المنطقة وتفاقم معاناة المواطنين.
ومن ناحية أُخرى تواجه المحافظات المحتلّة أزمات اقتصادية وخدمية خانقة، نتيجة للإجراءات العدائية التي يتخذها تحالف العدوان بقيادة السعوديّة والإمارات، والتي تستهدف إضعاف هذه المحافظات وأهلها.
ومن بين هذه الإجراءات، تضخم العملة المحلية، والتلاعب بسعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، مما أَدَّى إلى انهيار قيمته وارتفاع أسعار المواد الأَسَاسية بشكل جنوني، مثل المواد الغذائية والوقود والدواء، ما زاد من معاناة المواطنين، وتدهور مستوى معيشتهم، وتنامي نسبة الفقر والبطالة.
كما تأثرت الخدمات العامة بشدة، حَيثُ تدهورت جودة وتوافر الخدمات الأَسَاسية، مثل الماء والكهرباء، التي تنقطع بشكل مُستمرّ عن المنازل والمؤسّسات، ما أثر على حياة الناس وأنشطتهم.
وكان أكثر القطاعات تضررًا هو القطاع الصحي، الذي انهار بالكامل، نتيجة لنقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وغياب شبه كامل للكوادر الطبية، ما عرض حياة المرضى للخطر. بالإضافة إلى ذلك، تدهور القطاع التعليمي بشكل كبير، حَيثُ أغلقت غالبية المدارس أبوابها أمام التلاميذ والطلاب، وتحولت إلى معسكرات وسجون سرية لقوات التحالف والميليشيات الموالية له.
إن الحالة المزرية التي تعيشها محافظات الجنوب اليمني تحت الاحتلال السعوديّ الإماراتي وأذنابهم، تظهر بوضوح الفرق الشاسع بينها وبين محافظات السيادة الوطنية، التي تقود المقاومة ضد التحالف وحلفائه، ففي حين تغرق محافظات الجنوب في بحر من المآسي والمشاكل، التي تفاقمت؛ بسَببِ سوء الإدارة والفساد والانقسامات، تزدهر محافظات الشمال بروح الوحدة والتضامن والتنمية، رغم كُـلّ الصعاب والعقبات، ففي مدينة صنعاء، عاصمة الجمهورية، تشهد شوارعها وساحاتها حركة نشطة وحية، تعكس رغبة أهلها في الحياة والعمل، وتتجلى قوة الإرادَة والإيمان، حَيثُ يتصدى أبطال اليمن لأكبر تحالف عسكري في التاريخ، بأسلحتهم المتواضعة وثقتهم بالله.
ففي مجال الأمن، تنعم صنعاء بالأمن والانضباط، حَيثُ تتصدى قوات الأمن بشجاعة وحزم لكل محاولات العدوّ الرامية إلى زعزعة الاستقرار والسلم الاجتماعي، ولا تسمح بأية تجاوزات أَو انتهاكات للقانون، وتضبط كُـلّ من يحاول إثارة الفتنة أَو التخريب أَو التآمر على الوطن، فهي تعمل على حفظ النظام والأمان في كُـلّ شارع وحي ومنطقة، وتستخدم أحدث التقنيات والأساليب لمكافحة الجريمة والإرهاب.
وليست صنعاء فقط التي تشهد هذه الحالة من الأمن والانضباط، بل جميع محافظات السيادة الوطنية، حَيثُ يتمكّن سكانها من ممارسة حياتهم الطبيعية بأمن وأمان، والتنقل بحرية دون أية عوائق أَو مضايقات.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد والخدمات، فقد شهدت هذه المحافظات الحرة تحسنًا في مواجهة تداعيات الحصار والعدوان، حَيثُ تسعى القيادة الحكيمة إلى مكافحة التبذير وتنفيذ سياسية تمكّنها من تنويع مصادر دخلها، والاتّجاه نحو تعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير القطاعات الزراعية والخدمية، كذلك، شهدت هذه المحافظات تثبيتًا لسعر صرف العملة، وتخفيضًا لأسعار المواد الأَسَاسية، بالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّها تحظى بنوع من الخدمات الأَسَاسية المقدمة لسكانها، فعلى الرغم من نقص الموارد والإمْكَانيات إلا أنها حقّقت تعافياً بما يتعلق بقطاعات الماء والكهرباء والصحة والتعليم.
ومن الضروري للغاية أن نشير إلى أنه من الصعب جِـدًّا أن نلخص الفرق الشاسع بين الأوضاع المعيشية في المحافظات اليمنية المحتلّة والمحافظات الوطنية في مقال واحد، فهذا الفرق يستحق أن يُكتَب عنه مقالات عديدة، تُظْهِر حجم المعاناة التي يتحملها المواطنون في المناطق التي تحت سيطرة الاحتلال، وتُبرِز حجم الرعاية التي توليها القيادة الحكيمة للمناطق التي تحت سيادة الوطن؛ ولذا فَــإنَّ الحديث عن الجانب المشرق في مناطق السيادة الوطنية يعكس حالة من الإباء والثبات في مواجهة آثار العدوان والحصار الظالم؛ فالمواطنون هنا يجدون من يقف إلى جانبهم ويدعمهم ويخفف من معاناتهم، ويشهدون على توفير الخدمات والمشاريع والإنجازات بأفضل ما يمكن، وحماية مصالحهم وحقوقهم وكرامتهم.
أما في المحافظات المحتلّة، فالأمر مختلف تماماً، فلا نرى هناك إلا جانبًا مظلمًا من الواقع، يعبر عن حجم المأساة التي يعيشها المواطنون تحت سطوة الاحتلال؛ فهم يتعرضون للقهر والظلم والسلب من قبل خونة الداخل، الذين يخضعون لإرادَة المحتلّ ويخدمون مصالحه على حساب وطنهم وشعبهم.
إذًا، نستطيعُ أن نستخلصَ من ذلك أن الواقعَ اليمني يتألَّفُ من صورتَينِ متضادتَينِ، ترسمان بألوانٍ مختلفةٍ حقائقَ مؤثرة تستدعي التأمل والتفكير.
فهذه صورة ثُنائية، تجسد التبايُن بين الظلام والنور، ففي جزء من الأرض نرى صورةً للانكسار والخضوع، وهذه صورة مشوهة، تستوجب التصدي للمحتلّ وأذنابه بكافة السبل والوسائل.
وفي جزء آخر نرى صورةً للانتصار والصمود، وهذه صورةٌ نَيِّرَةٌ، تُظهِرُ حالةً من الإباء وَالثبات والتآزر.