تميُّزُ القيادة في مواجهة العدوان
أنس عبد الرزاق
تميزنا بالبساطة -وسوف أستبعد معنى البساطة صفة (الغُلب) أي أننا لسنا (غلابة ومساكين).
ولكننا بسطاء بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ طيبة!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تميزت القيادة في حفظ حقوق الشعب اليمني؟
لقد تميزت القيادة بالاستماع إلى الناس وإلى البسطاء عندما لم يستمع أحد إليهم، تعاملت القيادة مع الشعب والناس بصدق وتواضع عندما تعامل الكثيرون بالاستعلاء، انطلاقاً من نظرية الطليعة الحزبية.
تميزت التجربة التي مر بها الشعب اليمني بالإخلاص والمحبة للآخرين بمعزلٍ عن طوائفهم وفئاتهم، إذ حرص المجاهدون في هذه القيادة على أرواح من يحيط بهم من مقاتلين وسكان وأهالٍ في ظل احتكامٍ واضحٍ للأخلاق.
لقد استندت القيادة إلى إمْكَاناتٍ متواضعة مقارنة بالآلة العسكرية السعوديّة والأمريكية الجبارة التي واجهتها في الحرب، إلا أنها عوضت عن ذلك بوضوح الرؤية ودقة الخطة وحُسن الخلق وصلابة العزيمة والشجاعة النادرة.
وبرغم سطوة السلاح في بداية العدوان لم يسجل أن أحداً حمل السلاح خارج نطاق الجهاد ضد الأعداء، أَو استخدم ذلك السلاح لنيل مكسبٍ شخصي أَو للإساءة إلى أحد.
إن القيادة في المسيرة لم تكن يوماً من الأيّام دكتاتورية بل جزءٌ من الشعب والأمة، من كوادر وقياديين، لكل واحدٍ منهم دورُه وعطاؤه، أناسٌ غيرَ مشغولين بالبحث عن جمهورّ يُصفق لهم بل بالبحث عن مسلكيات تبحثُ عنها الأُمَّــة، قياده تكره الخطأ وتسعى إلى التغيير من خلال آليات المجتمع لا في مواجهته ورفضه، أناس لم ينحرفوا عن أهدافهم وهم في أصعب المراحل، لقد ظل البعد الإنساني أَسَاسياً في أهداف القيادة.
لكن ما لا يعرفه البعض أن ضريبة الحرب أكبر من أن يفهمها إنسان إلَّا بعد أن يرى موت أصدقائه وخسارة أفضل الشبان وخسارة الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين.
إن المرحلة والعذابات هي جزء من تاريخنا وهي مدخلنا إلى معرفة أنفسنا وأعدائنا ومدخلنا إلى تعليم أعدائنا ومدخلنا إلى ما قد يكون عليه المستقبل، هذه التضحيات هي جزء من وعينا التاريخي وهي جزء من تفعيلنا لوسائل جديدة في البناء، في المقاومة والعمل لتحقيق العدالة، وجزء عزيز من تجربتنا الإسلامية.
إن المستقبل والصوت الحقيقي لأماني الشهداء الذين استشهدوا يعني تحقيق مبدأ استعادة الحقوق، كما أشار بذلك الرئيس المشاط بقوله إننا سننتزع الراتب انتزاعاً من أعدائنا.
يجب أن يكون هذا هدفاً أَسَاسياً للجميع، وقد تختلف التصورات العقلية والسياسية حول فن الممكن وماهية هذا الممكن.
ولكن حق الشعب اليمني شماله وجنوبه وحق جميع أبنائه في استعادة المرتبات وفي استعادة الأراضي المحتلّة وإيقاف العدوان هي أمور جوهرية لنجاح الحل الإنساني والسياسي، لقد سعى كُـلّ الشهداء والشرفاء إلى وضع المشروع الأمريكي والإسرائيلي في إطار حدود محدّدة؛ بهَدفِ وقف العدوان والتوسع في الأراضي اليمنية، قد يكون هذا حلماً لكنه حلم جميع من ناضلوا حتى اليوم ويجب تحقيقه.
إن ما اكتشفناه بالتجربة أننا لا نستطيع أن نمحو التاريخ الذي وقع مع العدوان، هناك وقائع على الأرض علينا أن نتعامل معها، فنحن لا نستطيع أن نتجاهل هذا الواقع مثلاً وكأنه لا يوجد عدوان ولا يوجد مرتزِقه على الجانب الآخر.
في الوقت نفسه فَــإنَّ تحقيق أماني الشهداء كان ولا يزال ممكناً من خلال بناء بنيان معاصر ومجتمع نام وعادل وإنساني نستطيع من خلاله أن نحقّق وجودنا، وهو ما تسعى إليه القيادة، أراد الشهداء أن يروا علماً عربياً فلسطينياً فوق القدس وفوق أية بقعه تحرّر من أرضنا، بل أرادوا بنياناً سياسيًّا واجتماعياً وإنسانياً نامياً.
جيلُ الجهاد وقادته أصبح أكبر من أن يتم احتواؤه بلا وسائل جديدة وحلول مبتكرة ونماذج تخلق التفاؤل بين الأجيال الشابة كالذي حدث في كُـلّ المحافظات التي قام بزيارتها الرئيس المشاط وبادلها الوفاء بالوفاء.
وهذا يمثل أحد أهم أبعاد القيادة، فهي حريصة في الحفاظ على حياة الناس وكرامتهم، صحيح أننا خضنا حرباً لكن دافع المجاهدون عن حياة الناس وحقوقهم.
إننا الآن أكثر تفاؤلاً بالمستقبل والبناء، إن العمل على مقاطعة إسرائيل وإحيَــاء الذاكرة وتثبيت الهُــوِيَّة والحقائق على الأرض والجهاد بالفن، والإعلام، والتعبير والكتابة، والتعليم والثقافة والمسيرات المنظمة والإعمار وبناء المؤسّسات ودعم الإبداع، والزراعة وتحدي الصعوبات هي الشكل الأهم الذي يؤكّـد عليه الرئيس المشاط في المراحل المقبلة، هذه الوسائل يمكن أن تكون مجتمعة مصادر ملهمة لتميز من نوع آخر على غرار التميز العسكري في الميدان، نوع آخر أكثر فاعلية وشمولية تنطوي على البناء لا الهدم، تميز اجتماعي يبدأ بالفرد والأسرة؛ إذ أصبحت المبادرات المجتمعية هي ما تنالُ اهتمامَ القيادة في الدعم والمساندة في مختلف المجالات.