الحكمةُ والشجاعةُ والعدلُ والرحمة: أركانُ القيادة العسكرية لرسول الله وتطبيقاتها في اليمن

حُسام باشا

إن نورَ النبوة والرسالة الذي أشرق من شخصية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يقتصر على الجانب الروحي والأخلاقي فحسب، بل يمتد إلى الجانب العملي والسياسي والعسكري، فهو القائد الذي قاد المسلمين في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والذي حارب في سبيل الله بالقول والفعل، والذي أظهر في حروبه مثالاً للشجاعة والإنصاف والرحمة، إذ لا يمكن التعرف على شخصيته العسكرية إلا من خلال التعرف على الظروف التاريخية والثقافية التي نشأ فيها، والوقائع التاريخية والأحداث التي مر بها خلال حياته.

ففي عصر الفوضى والنزاع الذي أنهك أوصال الجزيرة العربية، كان نور الهدى يقود المؤمنين في مواجهة الأعداء والأخطار التي تحاصرهم من كُـلّ جانب، كانت هذه المواجهات ضمن رسالة إصلاح للإسلام وفق منهج متكامل، يقوم على التدبير الحسن، والسلام الحكيم، والشجاعة الباسلة، والرحمة والعفو.

في هذا المقال، سننظر إلى بعض محطات شخصية رسول الله كقائد عسكري، وكذلك سنحاول استخلاص هذه المعالم على واقع اليمن ضد تحالف العدوان، فالجانب العسكري لشخصية رسول الله يشكل جزءًا من دوره كنبي للعالمين، يستحق أن نستفيد من عبره ونأخذ بأسباب فلاحه.

 

الحكمة والتخطيط الاستراتيجي:

كان رسول الله قائدًا عسكريًّا فذًا، يجمع بين الحكمة والإبداع في التخطيط الاستراتيجي، كان يدرس الوضع بعناية قبل أن يخوض أية مواجهة، ويجمع المعلومات الضرورية والمفيدة، ويضع خطة متكاملة لإحباط مآرب العدوّ وتحقيق أهدافه، ويتشاور مع رجاله الأوفياء، خَاصَّة الإمام علي -عليه السلام-، الذي يثق به ويرسله في المهام الحاسمة، ويستفيد من رأيه وخبرته، كما كان يتوكل على الله تعالى في كُـلّ خطوة، ويستجير به من كُـلّ شر ويستخدم التكتيكات المناسبة لكل موقف.

نجد هذا النهج في استراتيجية الجيش اليمني في مواجهة تحالف العدوان، حَيثُ يظهرون قدرة عالية على التخطيط المحكم والتحليل الشامل للمعلومات، يستغلون المزايا الجغرافية للبلاد، مثل الجبال والوديان والصحارى، لصدهم هجمات العدوّ وشن هجمات مضادة، يستخدمون أسلحة متطورة، مثل الصواريخ والطائرات المسيَّرة، لضرب أهداف استراتيجية لدى العدوّ، مثل المطارات والقواعد العسكرية.

 

التفاوض:

كان رسول الله يفضل التفاوض قبل اللجوء إلى القتال، كان يبذل الجهود الكبيرة لتوحيد القبائل المتنازعة وإقناعها بالانضمام إلى الإسلام ويقبل بالصلح مع من يصالح من أعدائه، إذَا كان ذلك في صالح المسلمين، ويبرم اتّفاقات سلام مع من يرغب في ذلك من غير المسلمين، إذَا كان ذلك في صالح نشر الإسلام.

أبرز مثال على هذا هو معاهدة الحديبية، التي عقدها رسول الله مع قريش في عام 6 هـ، كانت هذه المعاهدة تضمن حرية المسلمين في أداء مناسك الحج، وإقامة هدنة بين المسلمين وقريش لمدة عشر سنوات، وإعطاء حرية الخيار لمن أراد من قبائل الجزيرة في التحالف مع أحد طرفي المعاهدة، رغم أن بعض شروط المعاهدة بدت غير عادلة لبعض المسلمين، إلا أن رسول الله قبل بها؛ لأَنَّه رأى فيها فرصة لتعزيز وتوسيع دائرة الإسلام.

وفي سياق اليمن العسكري، يمكن أن نرى الجهود المُستمرّة للوساطة والتفاوض لإنهاء حالات الثأر وتحقيق التآزر والتضامن في مواجهة العدوان، كما يمكن أن نرى الجهود الدبلوماسية التي يبذلها اليمن لإيجاد حَـلّ سياسي ينهي العدوان ويعيد الاستقرار إلى البلاد.

 

القيادة الشجاعة:

كان رسول الله قائدًا شجاعًا ومثابرًا، يقودُ جنودَه بالمثال الحَسَن ولا يتردّد في المشاركة في المعارك بنفسه، فقد كان يقفُ بين الصفوف الأمامية للجيش ويشجع جنوده على الشجاعة والثبات في وجه العدوّ، ويواجه أعدائه بالمثل ويعفو عنهم إذَا استسلموا، ويتحمل المصاعب والآلام في سبيل الله ويتقبلها بالرضا والصبر.

هذه القيادة الشجاعة تعكس واقع اليمن العسكري، حَيثُ يقود القادة العسكريون اليمنيون جنودهم بالمثال الحسن ويثبتون في وجه التحديات، يشاركون في المعارك بأنفسهم ويضحون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن أرضهم وكرامتهم، يواجهون أعداءهم بالمثل ويكرمون أسراهم، ويتحملون المصاعب والآلام في سبيل الله بالرضا والصبر.

 

العدل والرحمة:

كان رسول الله معروفًا بعدله ورحمته في المعارك، كان يحث جنوده على احترام حقوق الأسرى والمدنيين وعدم القتل العمد، ويبرز مبادئ الإنسانية والأخلاق في المواجهات العسكرية، مثل عدم قطع الماء عن المحاربين، أَو تدمير المزارع، وكان يغفر لأعدائه إذَا تابوا أَو أسلموا، ولا يطلب منهم فدية أَو غنيمة.

يمكننا أن نرى هذا المبدأ التوجيهي في سلوك القوات اليمنية، حَيثُ تسعى جاهدة لتجنب الأضرار المدنية وحماية السكان المدنيين، تحترم حقوق الأسرى وتكفل لهم مستوىً مناسِبًا من المعاملة، تتجنب استخدام أسلحة غير شرعية أَو محظورة دوليًّا، مثل الأسلحة الكيميائية، تغفر لأُولئك الذين يستسلمون ولا تطلب منهم فدية أَو غنيمة.

لا ريب في أن رسول الله كان كالشمس المشرقة في سماء القيادة العسكرية، فهو يجمع بين نور الرؤية وحرارة الحنكة وضوء الشجاعة، فتستضيء به أمته وتتبع خطاه، فقد كان -صلى الله عليه وآله وسلم- قائدًا عسكريًّا متمكِّنًا، يرفع راية الإسلام في ميادين الجهاد، وينشر قيم العدل والرحمة في أرجاء الأرض، ويحمي كرامة الأسرى في عصر كانت تغيب فيه هذه الحقوق.

إن هذه المكارم التي اكتسى بها رسول الله جعلت منه قائدًا عظيمًا، استطاع أن يحول حال الأُمَّــة، وأن يخرجها من ظلمات الضعف إلى نور القوة؛ ولذا فَــإنَّنا نحتاج إلى أن نقف على عتبات سيرته في مواجهة الطغاة، وأن نستلهم منها الدروس والعبر في كُـلّ حين وزمان، فَــإنَّ به خيرًا جزيلًا، وفيه بصائر وأنوار، فلنتعلم منه كيف نكون قادة بارزين، ومجاهدين نزيهين، فَــإنَّ الله تعالى يحب المجاهدين في سبيله، وينصرهم على أعدائه، ولنسأل الله تعالى أن يرزقنا الثبات والتوفيق، وأن يجعلنا من أتباع رسوله الكريم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com