رسائلُ السبعين
أسماء الجرادي
إنه ليوم مشهود، مشاهد عديدة أثلجت صدورنا فرحاً وذرفت لها دموعنا، فقد اختلطت مشاعر الفرح بالحزن والفخر بالألم، مشاهد أعادت لنا مشاهد الألم الذي تعرض لها الشعب منذ سنوات، ذكرتنا بمشاهد العمل الإرهابي الذي حدث في السبعين قبل قيام الثورة، وذكرتنا بكل مجزرة أقترفها العدوان في الوطن ذكرتنا بمشاهد التصريحات التي كان يطلقها ناطق التحالف بأنه دمّـر جميع الصواريخ والأسلحة الخَاصَّة بالقوات المسلحة اليمنية، وها نحن بنيناها من جديد، ذكرتنا بحالتنا في أَيَّـام العدوان الأولى التي لم نكن نتوقع أن نعيش إلى هذا اليوم لهول القصف الذي كان يقوم به التحالف علينا، ذكرتنا بأمنياتي وبأمنيات الأطفال حين قصف التحالف، حين كنا نحلم ونتمنى أن نرى ولو رصاصة واحدة تُطلق فتصل إلى عمق أراضي المملكة وبحلم ذاك الطفل الصغير الذي أخبرني يوماً بقوله: “ليتني طائرة لأذهب وأفجّر في السعوديّة وأخيفهم كما يفعلون بنا”، وها قد تحقّقت أحلامنا ورأينا ما لا نستطيع وصفَه.
ما يحصل هي معجزة الله لعباده المظلومين، اليوم مشاهد آيات الله تتجلى أمام أعيننا وعلى أرض الواقع، قال تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، اليوم المشاهد أسعدتنا بقدر وجعنا، اليوم شعرنا بالفرح الذي حرمنا منه لسنوات، مشاهد إيمانية بالدرجة الأولى، ومشاهد القوة، وَأَيْـضاً مشاهد موجعة حين رأينا عددًا من جرحى الثورة في هذا العرض، وهي ذكرى لنعلم أن ما نشاهده لم يأتِ إلا بدماء سالت وأجساد قُطعت إلى أشلاء، أرواح أزهقت، وأرواح ما زالت تقاوم، ما شاهدناه لم يأتِ إلَّا بعد أوجاع شديدة، وصبر عظيم، وبعد فقدان خيرة الرجال.
مشاهد السبعين حملت عدة رسائل وأوصلتها، فقد أوصلت رسالة لشعب اليمني المظلوم، للشهداء وأسرهم، للجرحى والأسرى والمرضى، لكل فرد عانى وتأذى من العدوان، هي رساله ليعلم أن هناك من يعمل لأجله، ليحميه، ليجعله شامخاً مرفوع الرأس في أشد الظروف الصعبة، ليعلم أن هناك من يعاني كما أنت، هناك من يعمل ليثأر لك.
مشاهد اليوم تخبرنا أَيْـضاً أن هناك جهودًا عظيمة تبذل، تجعلنا نتفكر كم تعب هؤلاء وكم احتاجوا ليصنعوا هذا المشهد، مشاهد السبعين جعلتنا أكثر فخراً وقوةً بأنفسنا وقيادتنا، جعلتنا نتفكر في آيات الله وكيف أن المظلوم ينتصر ولو بعد حين، نتفكر ألا نستسلم وأن نظل نقاوم مهما كانت قسوة وشدة الجرم والاعتداء، نصبر، نقاوم حتى ولو كنا في أضعف حالاتنا؛ لأَنَّه لو انهارت قوانا واستسلمنا سوف يتمكّن منا العدوان فنخسر كُـلّ حياتنا وكرامتنا وموتنا، لهذا علينا أن نقاوم ونقاوم إلى الموت، فلو متنا على هذا الدرب سوف ينتصر أبنائنا من بعدنا، فدماء المظلومين المقاومين هي وقود لشعلة النصر، كما أن مشاهد السبعين كان لها رسالة لإخوتنا في الجنوب أننا معكم نصنع النصر لكم فجهزوا أنفسكم لتثوروا ثورتكم ضد المحتلّين الناهبين لثروات الوطن، هي رسالة تخبرهم أن اليمن واحد وعلينا مسؤولية حمايته ولن نرضى بتقسيمه أَو أن نسلِّمَ شبرًا منه، وقد قالها وزير الدفاع وكذَلك العميد يحيى سريع، المشاهد دعت اليمنيين جميعاً للتكاتف يداً بيد لطرد المحتلّين وبناء اليمن من جديد ليكونَ أقوى مما سبق.
مشاهد السبعين رسالة قوية للأعداء جميعاً أننا متنبهون لكل مؤامراتهم، وعليهم أن يستوعبوا الدرس من الأعوام السابقة ومن المشاهد المتتالية والحالية والتي تأتي بعد أعوام من العدوان والحصار، وفي ظل هذه الحرب كانت هناك أيادٍ تعمل ليل نهار لصد المعتدين، عليهم أن يستوعبوا الدروس السابقة ومشاهد السبعين تقول لهم: ارحلوا واتركوا هذا الوطن لأهله؛ فهم أولو قوة وبأس شديد، سَيدفنونكم في رمال الصحراء وتلفظكم بحارنا جثثًا حارقة إن لم تفهموا هذه الرسائل وتكفوا عن عدوانكم وترفعوا حصاركم وترحلوا عن أرضنا وبحارنا، وقد أعذر من أنذر.