الأرضُ طه والجبالُ محمد
إلهام الأبيض
يــومٌ لم تـأتِ بـه الصدف.
تقتصر الكلمات وتتلعثم الأحرف في الوصف والتعبير عن يومٍ هو من أَيَّـام الله المشهودة، يومٍ مشهودٍ في ربوع السعيدة اليمن، لم يكن حديثاً يُفترى ولا فتوى تتردّد اليمن في رحاب المصطفى تفوح عطراً وشذى، لقد سجل التاريخ أن اليمن لا تشغله الحرب ولا الحصار عن مواصلة رسالته، لم يعجزهم شيء أمام الاحتفال بهذه المناسبة ولم يتوقف أحد منهم لدعاية وظلال، فَــإنَّ كُـلّ ما في الأمر أنهم شعب الأنصار شعب الإيمان والحكمة، وهي رحمة الله وإرادته وحكمته الأَسَاس جمع ما بين شعب عاشق ورسول الرحمة.
يـمن الإيمان والحكمة يجعل من مناسبة المولد يوماً مجيِّدًا رغم التحديات، كما في كُـلّ عام بكل حب وإعزاز وشوق ولهفة وتقديس يحتفل شعب الإيمان والحكمة، يمن الأنصار، يمن الأوس والخزرج، يمن الفاتحين، يجعل اليمانيون من هذه المناسبة يوماً أغـرَّ في جبين الدهر، يوماً مشهوداً، عرفانًا بالنعمة والشكر لله واحتفاءً بخاتم الأنبياء وتأكيداً متجدداً للولاء.
إن في هذه المناسبة العظيمة والحشود الهائلة المليونية رداً لكل المحاولات الشيطانية من جانب الأعداء في استنقاص مكانة رسول الله في النفوس وقدره في القلوب؛ بغاية إبعاد الناس عن التمسك به والولاء له صلى الله عليه وآله وسلم.
الشعب اليمني يجعل من هذه المناسبة محطة سنوية لاكتساب الوعي وشحذ الهمم واقتباس النور وتعزيز الولاء للرسول والرسالة والتعبئة المعنوية ضد أعداء رسول الله أعداء الحق وأعداء البشرية، إن إحيَـاء ذكرى مولد النبي “صلى الله عليه وآله” مناسبة للحديث عن الرسول وبعثه ومنهجه ورسالته وعن واقع الأُمَّــة وتقييمه وَأَيْـضاً الإشادة بذكره.
صلتنا بهذا النبي وبهذه الذكرى هي صلة بالرسالة صلة بالهدى وارتباط بالمنهج الإلهي وارتباط بالرسول من موقعه في الرسالة، هادياً وقائداً، ومعلماً، ومربياً، وقُدوةً وأسوةً نهتدي به ونقتدي ونتأسى به ونتأثر به ونتبعه.
وما أعظم حاجتنا وحاجة البشرية إلى ذلك!؛ لأَنَّه لا نجاة ولا سعادة للبشرية إلا به، وأن أكبر ما جلب الشقاء والمعاناة على البشرية هو ابتعادها عن هدى الله.
إنهُ الحشد الشعبي اليمني المرتبط برسول الله “صلوات الله عليه وآله”، لقد خرج الناس الساحات في جميع المحافظات وفي ذلك التوقيت المحمدي، لقد خرج الشعب كُـلّ الشعب أفرادًا وقادة، نساء وأطفالًا، رجالًا وشبابًا، مجاهدين وجرحى، حباً وتعظيماً لخاتم الأنبياء والمرسلين في جو مفعم بالولاء والاقتدَاء ومشاعر البهجة والانشراح، وهنا يولد اليمن كُـلّ عام من جديد وتحت أشعة الشمس ننتظر بشغف ليطل البدر حفيد المصطفى بخطابه وكلماته التي تجري كـماء سلسبيل عذب.
لقد كان للشعب اليمني الشرف الكبير والعظيم بدءاً بالأنصار في إيمانه وجهاده وتفاعله مع نبيه ومع رسالة الله تعالى حتى نال وسام الشرف الكبير والعظيم حين قال الرسول الأكرم: (الإيمان يمان والحكمة يمانيه)، وبهذا الإيمان كان ثابتاً ومتماسكاً في مواجهة العدوان الأمريكي، بالرغم من حجم المعاناة نتيجة القتل والحصار والتدمير وبوعيه لم يتأثر بأبواق التضليل، وما عدا الخونة والمنافقين والمرتزقة، فَــإنَّ جماهير شعبنا بعظيم الصبر والصمود والعطاء قدمت إلى العالم أجمل صورة من عظمة قيم الإسلام وأثر الإيمان، فأسر الشهداء والجرحى وأبطال الميدان من الجيش والشعب من كُـلّ أطيافه أثبتوا للجميع أن القوة هي قوة المبادئ وقوة القيم والأخلاق وقوة الاعتماد على الله والتوكل عليه.
وبذلك فَــإنَّ شعبنا اليوم وبميثاق التولي الذي قدمه في صدر الإسلام لرسول الله -صلوات الله عليه وآله- إيماناً ونصرةً وإيثاراً يؤكّـد اليوم بالقوة والقول والفعل الاستمرار على النهج والمواصلة السير في الطريق والسعي المُستمرّ للاستبصار والارتقاء الإيماني إن شاء الله تعالى.
ويؤكّـد أهل اليمن على أن خيار الشعب المسلم في مواجهة قوى الشر مهما كانت التحديات والصعوبات في مواجهة عدوان إجرامي يقتل ويحتل الأرض وينتهك الحرمات وينشر الفُرقة ويحاصر الشعب في قوته ومعيشته ويستهدفه في مقدراته ومصالحه، وأن الصمود والثبات هو الخيار الأنسب لمواجهة هذا العدوّ.
فلا وهن ولا ذل ولا استسلام، يأبى الله ذلك، فهذا الشعب عزيز بعزة الله، بعزة رسوله.