حربُ الإبادة بغزة.. وفكرةُ “الشرق الجديد”
عبدالرحمن مراد
-كما هو ماثل للعيان- انسحبت أمريكا من أفغانستان فاجتاحت طالبان المدن الأفغانية واستولت عليها، ولعلنا نتذكر أنه بمُجَـرّد أن أعلن أوباما انسحاب القوات الأمريكية من العراق اجتاحت داعش مدن العراق، وعاثت فيه فساداً، بالمعنى القريب أمريكا تديرُ الصراع والتدمير للعالم الإسلامي بذات السيناريو، والمسلمون لم يدركوا بعد خطوات التدمير لبلدانهم التي تسعى بهم أمريكا للوصول إليها، بلوغاً لحالة التوحش وانفراط عقد الدولة حتى يسهل عليها احتلالهم.
أمريكا لا تريد للمسلمين سلاماً ولا نماءً ولا استقراراً ولكنها تدير مفردات الموت والدمار والضياع للمسلمين، فهل كثير على أهل اليمن إن ردوا لأمريكا مفردات سياستها فهي لا تريد للمسلمين إلا الموت، ولذلك فمضمون الشعار الذي يردّده أهل اليمن من جنس الفعل المضمر الذي تمارسه أمريكا ضد المسلمين.
أمريكا اليوم جاءت إلى المنطقة العربية بقضها وقضيضها، وهي تدير المعركة في غزة وغلاف غزة بعد “طوفان غزة ” الذي وجدت فيه ملاذاً حتى تهرب من هزائمها في أوكرانيا، ويبدو أنها شكلت غرفة عمليات، وقد جاء الرئيس الأمريكي بايدن إلى إسرائيل ويتواجد وزير خارجيته في الأرض المحتلّة، وهو يعبر بكل وضوح عن ضرورة القضاء على حركات التحرّر وعلى الجماعات التي يسميها إرهابية، دون أن يرى لفلسطين حقاً ولا لغزة حقاً في الدفاع عن وجودها، وعلى مثل هذا التوجّـه جاءت تصريحات الدول الست، ومنها تصريحات وزيرة خارجية فرنسا التي حملت حماس مسؤولية ما يحدث في غزة، وقالت من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها دون أن ترى هذا الحق لفلسطين ولا لشعبها، ويبدو أن مفردات حقوق الإنسان التي اشتغل عليها النظام العالمي الرأسمالي حقبة من الزمن تلاشت مع أول امتحان حقيقي لهذا النظام مع الحقوق، ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها وفق النظم والمعاهدات الدولية ووفق الاتّفاقات الدولية ونظم الديمقراطية التي تشدق بها الغرب الرأسمالي ردحاً من الزمن فسقط عند أول اختبار واحتكاك حقيقي بالواقع.
كلّ الدمار الذي لحق بغزة وكلّ الممارسات المتوحشة وحرب الإبادة للحجر والشجر والبشر الذي نشاهده اليوم في غزة تقف الدول الرأسمالية من ورائه، بل ويحدث بمباركة وتأييد منهم، إلى درجة استخدام حق الفيتو ضد قرار يدين التوحش ضد غزة وشعب غزة من مجلس الأمن.
حاول الرئيس الأمريكي أن يجمل صورته الدموية بالتصريح أنه سيسمح بدخول مواد الإغاثة إلى غزة بعد أن أعلنت إسرائيل بعدم السماح لمواد الإغاثة، وطلبت من سكان غزة مغادرة غزة إلى سيناء عبر منفذ رفح، وهو المنفذ الوحيد الذي تركوه مفتوحاً أملاً في خروج سكان غزة إلى سيناء ومن ثم العمل على توطينهم حتى تنفرد إسرائيل بالسيطرة على كامل أرض فلسطين وهي تمهد لدولة إسرائيل الكبرى، ومن قبل ذلك تعمل اليوم مع أمريكا على شرعنة وجودها في المنطقة دون نزاع من خلال فكرة سايس بيكو الجديدة، أية حركة إعادة تقسيم خارطة المنطقة العربية على أسس عرقية وثقافية وطائفية، وقد كان اشتغالهم في سوالف الأعوام على هذه الأبعاد وكان الاشتغال على البُعد الطائفي الأكثر بروزاً حتى تنقسم الأُمَّــة المسلمة على نفسها ومن ثم يسهل عليهم فرض التقسيم على المنطقة كحلول يفرضها عليهم واقع الصراعات التي تنمو بين المسلمين وغيرهم من الفرق والثقافات والعرقيات.
المعركة لن تتوقف وربما انطلقت لتحقّق مشروع الشرق الجديد.