الغزاويون.. تحدِّي الموت وَالتهجير
دينا الرميمة
تحت شعار القضاء على حماس الحركة الصغيرة وَالمحشورة وسط مدينة غزة المكتظة بالسكان الرافضين استبدال فلسطين بوطن بديل، تجمعت ثلاث دول كبرى (أمريكا-بريطانيا-فرنسا) حول إسرائيل لاسترداد كرامتها التي أهدرت على إثر طوفان فلسطيني ابتلع الأرض بمن فيها من جنود صهاينة ومستوطنات مغتصبة وَعدة وعتاد، وَقبلهم ابتلع هيبة وَهليمان خمسة وسبعين عاماً من عمر الاحتلال والمقاومة معاً، ظلت إسرائيل تبنيهما لنفسها على حساب شعب وَوطن ظنت إسرائيل أنه أرض الميعاد، التي يحلمون بها، وَصدقها الخائفون من دائرتها أنها دولة لها ثقلها العسكري وَجيش لا يقهر، وَالحقيقة ما هم إلَّا كما وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله:- (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ)، وَهذا ما أثبته أُولئك الأبطال الذين تجاوزوا الحواجز والسياج رداً على الإجرام الذي لا يتوقف بحق الشعب الفلسطيني وَتدنيس الصهاينة المتكرّر للمسجد الأقصى وَإنقاذاً للأسرى الذين ترفض إسرائيل فك قيودهم!
ساعات قليلة من بداية الطوفان جعلت إسرائيل تعيش أسوأ أيامها وَتوقن أن نهايتها قد اقتربت؛ ما جعلها تثور وبشكل هيستري على غزة وَبكامل ثقلهم وبما تحمله قلوبهم من حقد على الغزاويين الثابتين في أرض يطويها الحصار وَالخذلان من كُـلّ جانب لينشروا الموت وَالفجائع فيها.
متكئون على الدعم الأمريكي والغربي ممن هرعوا لطمأنتهم والوقوف إلى جانبهم، أضف إلى الصمت المضمون من قبل أنظمة التطبيع العربية عما سترتكبه من جرم ومجازر في غزة!
فأطلقوا طائراتهم المحملة ويلاً وثبوراً وإجرامًا صهيونيًّا فقصفوا غزة قصفاً لم تشهدْه أرضٌ من قبل في حربٍ هي أشبهُ ما يقال عنها: حرب إبادة!
فمع كُـلّ قصفةٍ دماءٌ تسيل وقلوبٌ تذعر وعيونٌ تدمع وصرخاتٌ تناجي بكل ما أوتيت من صخبٍ قد مسنا الضرُ يا الله، أحياء أُبيدت وأسر مزقت أجسادها وَمحيت أسمائها من قوائم السجل المدني وَصارت أشلاء يضمها كفن واحد!
لم يعد للمقدسات حرمة، استبيحت المستشفيات وَالمساجد وَالكنائس التي التجأ الناس إليها؛ ظناً أنها مستثناة ومحصَّنة بقوانين تحرم استهدافها لكنها أصبحت أثراً بعد عين على يد الصهاينة الذين لا أحد يتجرأ على إيقافهم كما حدث في المستشفى الأهلي المعمداني من استهداف طال كُـلّ من فيه من نازحين وَمرضى وجرحى وَأطباء في صفعة وجهتها إسرائيل في وجه الإنسانية وَقوانينها التي عجزت عن حمايةِ حتى الأطفالِ، الذين كانوا هم أكثرَ ضحايا حرب انتقامية حولت غزة إلى أرضٍ محروقة، مطوقة بحصار حرم حتى دخول الماء إليها، وَأُغرِقت بظلام يوحشها وَمستشفيات أعلنت عجزها عن تقديم خدماتها بعد نفاد الوقود منها وصارت شبيهة بمقبرة لا تنبعث منها إلا روائح الجثث المتكدسة وَالجراحات المتعفنة، إلى جانب روائح دخان الغارات والحرائق، في ظل تعنت من الصهاينة الرافضين إدخَال المساعدات الإنسانية التي اتخذت منها إسرائيل ذريعة لتمرير ما تخطط له منذ زمن بتكرار ما حدث في عامَيْ “٤٨ وَ٦٧” من تهجير وتغريب للشعب الفلسطيني، وَتحت سطوة النيران وَالحصار تريد اليوم تطبيقه على سكان غزة ليغادروها تائهين في الأرض، باحثين لهم عن أرض تلم شتاتهم وتقبل بقلوب أوجعها الخذلان والصمت، وبالتالي يتمكّن الصهاينة من احتلال غزة الأرض التي لطالما أرقتهم وَكانت سيفًا للقدس وَبندقية حي جراح وَدرع الضفة وَجنين وَهي اليوم الأرض الأكثر حرية وتحدياً للكيان الصهيوني وسط هذا الكوكب الواقع تحت رهبتهم وَسطوة أمريكا.
وَما بين خيارَيْ: “الموت وَالتهجير” وُضع الغزاويون؛ فكان الثبات هو خيارهم وإن كان عاقبته الموت، قائلين “قبر على أرض غزة أفضل من قصر في سيناء”، وَمن تحت الركام أفشلوا مخطّط التهجير وظلوا يقاتلون ببندقية يتيمة؛ دفاعاً عن كرامة شعب ومقدسات أُمَّـة.
ثباتٌ جعل دماء الغزاويين تتخطى حدود فلسطين، وعلى إثر سيلانها نهضت العروبة وَاستفاقت الإنسانية بعد سبات عميق مستنفرة باكية بمسيرات تطالب برفع الظلم عن غزة وَفك حصارها بعد.
سماع ما حدث فيها من مئات الحكاياتُ تروى بصرخاتِ الأطفال، ومناجاة الشيوخ، وهتافِ شيبان، وَمشاهد دامية تنوب عنا في سرد الوقائع وَالحكاية، وتلعن الأنظمة العربية الذين قد رفعوا أيديهم والتزموا الصمت وتنكروا وأداروا الظهر لذلك التعنت الصهيوني البشع، الذي هو وجع الخسارة والرعب من توحد ساحات المقاومة، التي فعلاً توحدت وَتوعدت بقرب التحرير وَاستعدت للنفير في وجه محتلّ يرى ذلك بعيدًا ونراه قريباً (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).