في البحث عن جذور الإرْهَـاب!
عبدالعزيز البغدادي
بدايةَ القرن العشرين وَجَدَ الاسْتعمَارُ الغربي وبخَاصَّـةٍ بريطانيا وتلاها الولايات المتحدة في المذهبِ الوهابي ضالتَهما في البحث عن صيغ جديدة للاسْتعمَار بعدَ أن اشتدّت حركات مناهضة الاسْتعمَار في الوطن العربي، ويأتي هذا ضمن خطة لاستبدال الاسْتعمَار المباشر بمعوّقات داخلية مضادة لأية محاولة للتطور وإبقاء حالة التبعية بدون مقابل!!.
فقد ورثت بريطانيا الاسْتعمَارُ التركي (الدولة العثمانية) التي استولت على الحُكم بالاتكاء على دعوى توحيد البلاد الإسْــلَامية تحت مسمى (الخلافة) ثم ظهرت كدولة اسْتعمَارية ترتدي ثوب الإسْــلَام، وبالذات في مراحلها الأخيرة حين أخذت تصعِّد من عملية (تتريك) اللغة الرسمية لدولة الخلافة بعد أن كانت العربيةُ هي أساسَ الشرعية، إذ كيف يستقيم الحال لدولة الخلافة الإسْــلَامية أن تكون لغتها غير لغة القرآن!!!.
ولأن للجزيرة العربية مكانتَها في أيةِ دولة ترفع شعار الإسْــلَام فقد قامت بريطانيا بزرع دولة اسمها السعودية في نجد والحجاز وما ضُمَّ إليهما من أراضي الإحساء والـيَـمَـن والبحرين وأجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية.
واختارت لها المذهبَ الوهابي بعد دراسة محتواه، حيث رأت أنها من خلاله يمكن صنع مشروع جديد والسيطرة عن بُعد وخلق صراعات تعيق أي تطور فكري أَوْ مادي يخدم الحياة ويساعد على نهوض الأُمَّـة، ما يعني بالضرورة رفض الهيمنة الخارجية وتمكين حركة التحرر من تحقيق أهدافها؛ لما تتضمنه الوهابية من دعوة للجمود والانغلاق وتكفير المخالف واستباحة دمه، وهو ما يمكّن الاسْتعمَار من البقاء بوسائلَ أُخْـرَى لا تكلفه سوى زرع بذرة هذا المذهب الفتنوي، وهكذا دعمت بريطانيا آل سعود لاحتلال مكة عام 1806، وصاحب ذلك ارتكاب مجازر مروعة وإحراق مكتبة مكة التي كانت تحوي نفائس من المخطوطات ودمرت القبور والمزارات تعبيراً عن خلفيات المنهج التكفيري المتخلف وهمجيته، وبذلك سعى البريطانيون للتخلص من كافة المسؤوليات القانونية كدولة مستعمرة وأشرفوا على توزيع السلطةِ بين آل سعود وآل الشيخ؛ ليكون لآل سعود السلطةُ السياسيةُ ولآل الشيخ السلطة الدينية، وساندوا سرّاً نشر الوهابية كأهم حامل للإرْهَـاب باسم الإسْــلَام!!!.
ومعلومٌ أن الإرْهَـابَ الديني يكمُنُ في الرؤية الدينية وليس في مجمل الدين؛ لأنه وإن كان أصله واحداً، فهو في تفاصيل أحكامه ومواعظه ليس رؤية جامدة جامعة مانعة لذلك كان بقاء الاجتهاد مفتوحاً من أهم عواملِ بقاء الإسْــلَام حياً وقابل لتطورات الحياة؛ لأنه يبقى مستفيداً من تعدد الأفهام والتصورات والقدرات الذهنية المختلفة!.
فالخطاب القرآني وكل الأصول الدينية تتجه للعقل، والعقل مرتبط بالوعي والفهم، وهما متفاوتان بتفاوت القدرات الذاتية والمكتسبة لكل إنسان ووجود حق الاجتهاد في الإسْــلَام يساعد على دوام الانطلاق المتجدد نحو الأفضل، وهو مرتبط بتحقق شروطه، ومن يريد إغلاق باب الاجتهاد وإلزام الناس بمفهوم خاص عن المنقول ورفض المعقول وعدم احترام الرأي المخالف إنما يمارس الإرْهَـاب باسم الدين!!.
ولا يبتعدُ الإرْهَـاب باسم الدين عن الإرْهَـاب باسم العلمانية الذي يعتمد على التمترس حول أيديولوجية فكرية معينة يضعها أيٌّ من الفلاسفة والمنظّرين ثم يتبناها حزب أَوْ نظام ويفرض على الناس تطبيقها باسم العلم، ومعروفٌ أن العلم تقترن فيه النظرية بالتطبيق، وقد ثبت من خلال النظريات المتعددة في كُلّ مجالات العلوم أن كُلَّ نظرية قابلة للنقض الجزئي أَوْ الكلي وفق مستجدات الحياة وتطوّرها وظهور العلماء المبدعين، فالقول بأن نظرية من النظريات لا بديل عنها وأنها غير قابلة للنقد أَوْ للنقض الجزئي أَوْ الكلي يعني بكل بساطة توقُّف الحياة عند حد معين أَوْ محطة بذاتها، ولو كان هذا القول قابلاً للأخذ به لكان التطور مثلاً قد توقف عند المراحل الأوْلى لمحاولة الطيران وعلوم الاتصال وغيرها من العلوم التي شهد ويشهدُ العالم فيها ثورةً عارمة متجددة دائماً!.
إن من يتأمل الكثير من كتب التراث يجد أن قسماً كبيراً ممن كانوا يتسمون بقدر من التواضع وروح البحث تقودهم (الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها إلتقطها)، وَ(العلم من المهد إلَى اللحد) وكثير من قواعد وآداب طلب العلم المتسمة بالتواضع، ومثل هذه المبادئ كانت تقودهم إلَى المزيد من الإبداع وتلاقُح المعارف، وكل من كان يتصدر الفتوى يدرك خطورتها، ولهذا فهو يختمُها بعد إعمال العقل والنقل بلازمة (هذا ما وصل إليه اجتهادي والله أعلم).
ومن يقارن هذا التواضُع والسماحة بسلوك متصدّري موجة التكفير التي اجتاحت العالم الإسْــلَامي اليوم يلاحظ ما تتصف به من رعونة وهمَجية وصلف وجُرأة على الله والناس، فتاوى من كُلّ صنف والكثير منها متجردة عن الوعي والعقل والأخلاق ومع ذلك فهي غير قابلة في نظرهم للنقاش أَوْ للأخذ والرد وغير قابلة للتأويل ومن يحاول التأويل والاجتهاد يعرض نفسه وحياته للهلاك بتهمة الكفر!!.
إنها فتاوى الثقافة الصادرة طبقاً لمفهوم (لا أريكم إلّا ما أرى)!.
والمؤسف إنسانياً أن داعمَ هذه الثقافة أَصْبَح عالمياً، بل ويتظاهر بشكل لافت منذُ أحداث 11 / سبتمبر 2001 ويستخدم داعم وممول إقليمي ولهم جميعاً تحالف عسكري وعاصفة لنشر الرعب والإرْهَـاب باسم دولة اسمها السعودية وشعارها (لا إله إلّا الله محمد رسول الله) وهو نفس علم القاعدة وداعش مع اختلاف اللون تقود الجميع الولايات المتحدة الأمريكية أعظم دولة في هذا العصر من حيث الحضارة المادية الأَكْثَر ادعاءً في حماية حقوق الإنسان وهي أَكْثَر الدول انتهاكاً لها!!!.