اليمنُ تفرِضُ نفسَها كلاعبٍ إقليمي ودولي
محمود المغربي
اليمن وبعد عقود من الفساد والفشل والهيمنة والتبعية للخارج، وتعاقب الأوصياء عليها منذ قيام ثورة 26 من سبتمبر 1962م التي أدخلت اليمن تحت الوصاية والهيمنة المصرية، حتى أن أحد أبرز قيادات ثورة 26 سبتمبر في ذلك الوقت قال: (كنا نبحث عن حرية القول وأصبحنا اليوم نبحث عن حرية البول) بعد أن وضع في أحد السجون المصرية هو ومجموعة من القيادات اليمنية بينهم رئيس الدولة السلال ولم يكن يسمح لهم بالذهاب إلى دورة المياه إلا بعد التواصل مع القيادة المصرية التي وجهت بحبسهم؛ بسَببِ مخالفة التوجيهات المصرية وهو بذلك يلخص وضع اليمن وإلى أي مدى بلغت الهيمنة المصرية على اليمن.
وبعد اغتيال الرئيس الحمدي ذهبت الوصاية على اليمن إلى النظام السعوديّ وأصبح السفير السعوديّ في صنعاء المندوب السامي لجلالة الملك السعوديّ ومن خلفه أمريكا وبريطانيا، وكان على الدولة في صنعاء أخذ موافقة السفير السعوديّ عند تعيين شخص لإدارة مديرية في إحدى المحافظات اليمنية، وكان هناك لجنة سعوديّة خَاصَّة تصرف رواتب ومخصصات مالية لأغلب مسؤولي الدولة اليمنية بمن فيهم رئيس الجمهورية والكثير من مشايخ ووجهاء اليمن وبحسب الطاعة والولاء، حتى قيام ثورة 21 سبتمبر في العام 2014م، التي قلبت الأمور رأساً على عقب وأسقطت تلك الوصاية والهيمنة وأدواتها وجعلت الهيمنة والوصاية بيد الشعب اليمني الذي فوض القيادة الثورية بإدارة البلاد واتِّخاذ القرارات الصائبة.
لتصبح اليمن بعد تسع سنوات فقط من قيام ثورة 21 سبتمبر رَقَمًا صعبًا ولاعبًا أَسَاسيًّا على مستوى الإقليم والعالم، بالرغم من قيام من فقدوا الوصاية والهيمنة على اليمن بشن عدوان عالمي على اليمن وحصار ما زال قائماً حتى اليوم وغير مسبوق بمساعدة أحذيتهم في الداخل اليمني، وما ارتكبوه من جرائم ومجازر بشعة بحق اليمن أرضاً وإنساناً إلا أن حكمة وإيمان وإخلاص القيادة الثورية قد جعلت من تلك المحن منحاً، ومن بشاعة ما ارتكب بحق اليمن انتصاراً، وها هي اليمن وبعد أن واجهت العدوان والحصار ودخلت المعركة بأقل الإمْكَانات في مواجهة أعتى الدول التي لديها طفرات مالية وقوة عسكرية هائلة تخرج من تلك المعركة منتصرة، وبجيش وصناعات عسكرية ربما هي الأولى في المنطقة.
واليوم نشاهد ثمار ذلك في الصعيد المحلي والدولي، الذي أصبحت اليمن لاعباً فيه وتضع بصمتها في أعظم وأقدس معارك الأُمَّــة العربية والإسلامية والبشرية ضد طواغيت العالم وقوى الشر والهيمنة بصواريخ وطائرات مسيَّرة يمنية تسافر وتعبر جدار الخوف والرعب وتصل إلى تل أبيب، التي كان لفظها في العقود الماضية يثير الرعب والخوف في قلوب أغلب الحكام العرب، لتكون فاتحة لعصرٍ جديد تفرض فيه اليمن نفسها وتصبح مهيمنة وصاحبة قرار وإرادَة تتجاوز الشأن اليمني والإقليمي وتصل إلى العالمية، التي يرفع فيها العلم اليمني إلى جانب العلم الفلسطيني في واشنطن ولندن والقدس المحتلّة وتصرخ الجماهير باسم اليمن ليس كأصحاب مظلومية، بل كأصحاب حق نسعى إلى انتزاعه بقوة الذراع، ولم نعد نستجدي أحداً، وليس هناك ما نخشاه إلا الله الذي نتوكل عليه، ونحن نخوضُ مواجهةً مباشرةً ليس مع أدوات وأحذية واشنطن وتل أبيب، بل مع أسيادهم الكبار واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس ونقولها صراحةً لن نقف مكتوفي الأيدي والشعب الفلسطيني يباد، ليصبح الشعار واقعاً وحقيقة، والأقوال أفعالاً، والموت لأمريكا والموت لإسرائيل نبعثه إليهم بصواريخ بعيدة المدى، في حين يجبن قادة دول كبيرة عربية وإسلامية من مُجَـرّد إدانة للاحتلال والعدوان الصهيوني الأمريكي على أبناء غزة وما يرتكب هؤلاء المجرمين من مجازر وجرائم بحق الأطفال والنساء الأبرياء من أبناء غزة.