على مأتَمِ غزَّةَ تحتفلُ الرياض!
ياسر مربوع
كلّ سكان الكوكب على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وأعراقهم وحتى انتماءاتهم الدينية والعقائدية يشاطرون غزة محنتها وعزائها.
كلّ شعوب العالم يعيشون حِداداً جماعياً ويجوبون شوارع بلدانهم تضامناً مع غزة وهم يرون أن ما يحدث فيها من جرائم حرب أمرٌ جارحٌ لإنسانية الإنسان وفطرته، لكن المملكة العربية السعوديّة وحدها دون برية الله لا ترى في ذلك أمرًا جارحًا لإنسانية الإنسان وفطرته، وتمضي كما لو أنها تعيش في كوكبٍ آخر، غارقةً في لهوها ومجونها، تشق طريقها نحو الحداثة والتفاهة ولو كان ذلك على حساب الأخلاق والقيم والمبادئ.
كان جديراً بالقيادة السعوديّة أن تتخلَّى عن بعض طقوس هيئة الترفيه في هذه المرحلة الدموية التي لا يتوقف فيها عدَّادُ الضحايا في قطاع غزة، فالرقص والصخب في شوارع الرياض لا يستقيمُ أخلاقياً والفلسطينيون يُبادون تحت سمع العالم وبصره، وموسم الرياض نموذجاً لما يمكن أن تنتهي إليه المجتمعات حين تقع ضحيةً لسيطرة الجهل، وسيطرة المراهقون على السلطة.
منذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً لعهد أبيه، وهو عازمٌ على أن يخلق السعوديّة خلقاً جديدًا، خلقاً يبدأُ من الانسلاخ من القضايا القومية والدينية للأُمَّـة كـ(القضية الفلسطينية) وينتهي إلى صُنع مجتمعٍ يحاكي المجتمعات الغربية فيما تقوم وتفعل، إلَّا في التضامن والتظاهر مع القضية الفلسطينية.
وتُعيد هذه الاندفاعة المتسارعة لولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان نحو مشروعه الحداثي (الانفتاح) القائم على إفساد المجتمع وتفريغه من مضمونه الديني والأخلاقي، تُعيد إلى الأذهان شخصية “ميخائيل غورباتشوف” آخر رؤساء الاتّحاد السوفيتي، الرجل الذي خرج على قومه بمبدأين هما “البيريسترويكا” وتعني إعادة الهيكلة “والغلاسنوست” وتعني الانفتاح والشفافية، لم يذهب غورباتشوف بعيدًا في أحلامه وطموحاته، حتى تفكك الاتّحاد السوفيتي وتوارى في صفحات التأريخ، وهذا ما يثير جوهر السؤال لدى الأوساط المتابعة للشأن السعوديّ، عن المصير الذي تتجه إليه المملكة العربية السعوديّة تحت قيادة محمد بن سلمان؟!
فما أكثر ما خذلت مملكة الترفيه القضية الفلسطينية، وما أقل ما ناصرت المملكة هذه القضية القومية والدينية، فبالأمس القريب تتناول وسائل إعلام إسرائيلية خبراً لاعتراض السعوديّة صاروخاً قادماً من اليمن كان في طريقه إلى إسرائيل نصرةً لأهل فلسطين، وبعدها بِأيام خرج وزير الاستثمار السعوديّ خالد الفالح ليقول إن بلاده لن تستخدم أسعار النفط في التأثير على وقف إطلاق النار في غزة، وهنا يسقط القناع كليًّا عن هذا النظام الذي لا فرق لديه بين النفط والدم في المتاجرة، ويتكشف الموقف السعوديّ الذي لا يقلُّ بشاعةً عن الموقف الأمريكي المتجمد وراء إسرائيل دبلوماسياً ولوجستياً وعسكريًّا، فتقتل إسرائيل ظلماً وعدواناً المدنيين الآمنين في غزة، وترقص الرياض على أشلاء الضحايا.