وقِفُوهم إنَّهم مسؤولون
جهاد اليماني
ما يحدث في غزة تلك القطعة الصغيرة من الكرة الأرضية التي لا تتعدى مساحتها 160 كيلو مترًا مربعًا من مجازر وإبادة جماعية غير مسبوقة في التاريخ، إنها وصمة عار في جبين البشرية وحجّـةٌ بالغةٌ على كُـلّ مسلم لم تهزه تلك الدماء والأشلاء، ولم يسجل موقفًا جادًا وصادقًا وملموساً لوقف تلك المذبحة.
وهنا نتساءلُ: أين دور الدول المطبعة مع الكيان (تركيا، المغرب، مصر، الأردن وغيرها من الدول) التي طالما صكت مسامعنا أن التطبيع لصالح القضية الفلسطينية!؟ أين دورها اليوم في إيقاف تلك المذبحة، أين أوراقها الضاغطة على أصدقائها الصهاينة؟! لماذا لم تتخذ موقفاً جادًا وحازمًا كما فعلت بعض الدول اللاتينية التي قطعت علاقتها مع الكيان!
في المقام الأول أنتم يا جيران غزة، أين غضبكم، أين ضمائركم، أين مواقفكم الملموسة؟ حتى على مستوى كسرة الخبز وشربة الماء وحبة الدواء ونقل الجرحى! لِمَاذا لم تتمكّن يا رئيس أم الدنيا مصر من فتح معبر رفح المتنفس الوحيد لغزة المحاصرة، بل وقفتَ متفرجًا عاجزاً حقيرًا ذليلاً، لا تحَرّك ساكناً! وقبل أن ننادي السلطات التي بان نفاقها وعجزها وقبحها، أين أنتم يا شعوب العالم، ويا شعوب تلك الدول المجاورة، كيف يهنأ لكم عيش، كيف تنامون وتأكلون وتشربون وإخوانكم يُبادون؟! لماذا لم تتحَرّكوا نحو السفارات والرايات الإسرائيلية التي ما زالت ترفرف في بلدانكم؟ لِمَ أصابكم الذعر واستولوا على قلوبكم حب الدنيا؟ لماذا لم تسجلوا موقفًا يحسب لكم عند الله وتزحفوا بالملايين نحو الحدود مع غزة وليكن ما يكون! حتى وإن قُصفتم وإن قتلتم فهو خيرٌ لكم من عذاب الضمير ووحشة الصمت والموت كُـلّ يوم ألف ألف مرة خلف شاشات التلفزة وهي تبث مشاهد الإبادة والإجرام.
أما دول التطبيع في السعوديّة والإمارات والبحرين، فقد أصبحت قاصمة الظهر لأمة الإسلام، ووصمة عار في جبين الإنسانية لا تقل في الصفاقة والوقاحة من وزير التراث الصهيوني (إلياهو) الذي صرح بضرورة إلقاء قنبلة نووية على غزة ومحوها من الخارطة! نعم لقد ألقت تلك الدول القنبلة النووية فعلاً، فإسقاط السعوديّة والإمارات لصواريخ اليمن ومسيَّراته؛ دفاعًا عن الصهاينة لهو قنبلة نووية من العيار الثقيل أصابت كبد الأُمَّــة ومزقت العروبة واغتالت الإسلام ودمّـرت القيم ونسفت المبادئ وشوهت وجه الإنسانية!
أما الشعوب في تلك الدول فلا يعول عليها في عمل شيء، فالغالبية العظمى -باستثناء بعض الأصوات الحرة المغلوبة على أمرها- قد أصبحت كجنائز تمشي على الأرض بعد أن استمرأت الذل ورضت بالهوان وأُصيبت في شرفها وغيرتها ونخوتها ودخلت في سكرة الترفيه والرفاهية! وإن رفعت أكفها بالدعاء تطلب من العزيز الجبار معجزة من السماء لإنقاذ غزة، فهذا ليس إلا دليل عجزها وهوانها وغبائها بسنن الله في الكون، الذي جعل هذا الصراع مع الكيان الدموي فتنة للناس وتمحيصًا وتنقية لكشف الأقنعة وإزالة الغشاوة، وما بعد هذه الأحداث لن يكون هناك ما بين وبين وإنما مؤمن صريح أَو منافق صريح.
إن تلك الدول التي عمّها السكون تجاه أحداث غزة تتعالى فيها أصوات النشاز متسائلة أين إيران؟ أين حزب الله؟ وأقصى أمانيهم من دخول حزب الله المعركة التي يخوضها فعلًا من ثاني يوم للطوفان، ليس أملًا في هزيمة الصهاينة ولا دفاعًا عن غزة، بل أملًا في مشاهدة ما يجري من مذبحة في غزة يتكرّر في جنوب لبنان! وهدفهم الواضح والمفضوح هو مساندة الكيان الصهيوني بالمال والسلاح للقضاء على حزب الله واستئصال شأفته، وكذلك الحال مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية يريدون لها التدخل المباشر؛ ليقودوا حملة صهيونية أعرابية صليبية ضدها ويسقطوا محور الشر كما تسميه إسرائيل ويسكتوا صوت المقاومة؛ ليخلو لهم الجو في المنطقة مع أحبتهم الصهاينة.
إنها غزة وإنه العار كُـلّ العار والخسران كُـلّ الخسران الذي سيلحق الأُمَّــة الإسلامية، أنظمةً وشعوبًا إن لم تُضَحِّ بأمنها ومؤسّساتها واستقرارها في سبيل نصرة تلك القطعة من جسد الأُمَّــة التي تُحرق وتُباد وتُمحى، ما لم فسيأتيها الدور عما قريب.
في الختام أتساءل، مَـا هو شعورك أيها الغزاوي المذبوح، المجروح، المكلوم، المشرد، المحاصر، الجائع، الظامئ، وأنت وحيد فريد تصارع الألم وتعض على الجراح، بأي قلب وبأي عين تنظر لملياريّ مسلم على وجه الأرض وقد خذلوك وتركوك وسلموك لآلة الحرب الأمريكية الصهيونية تفتك بك! ماذا يصيبك وأنت تنظر لممالك الترفيه والتطبيع في غيها وسكرتها بعيدة عن همومك وآلامك ومصابك، لا بل تشارك العدوّ في إجرامه وتسقط الصواريخ والمسيَّرات التي انطلقت لنصرتك وسحق عدوك! ماذا يعتريك وأنت تشاهد الجيوش العربية والإسلامية مع عدتها وعتادها ساكنة رابضة في مواقعها تنتظر عدوًا لتقاومه ومعركة لتخوضها!